هذا الكُحل الموشوم

أحمد وهبي

هناك، ونحن هناك كنّا نطوي مصائرنا، وفي تخوم الذاكرات، ذكرياتٌ تزدحم بباطن متمرّدين،
بلهبٍ مؤقتٍ يستعرض لهيبَ الشّمس، كنّا والأماسي تجدُّداً لنهاراتٍ قاسيّة، نُلملمُ ما تناثر منّا، عنّا هذا الهذيان الخمري، هذا الكُحل الموشوم بليلٍ أرِق، ليلٌ آخر ﻷراجيح العمر يحملنا بتؤدةٍ باردة، بأمزجةٍ بارزة النتؤات، بعبارات، بغصّاتٍ مرتعشة على أرصفة زمنٍ آخر…

هناك، مفردات الحبرِ لهذا الدّم،
ثمة أشياءٌ بلون الدّم، مِدادٌ لهذا النصّ بلونٍ آخر، لهذا الدّمِ ضرورة الحدث، اختمار الفكرة بقسوة اﻷلم، لهذه اللحظة وقتٌ متأخر،
ساحرٌ.. رقيقُ أصابع تلهو بما حولها، نلهو باستعاراتٍ حلزونية،
كأنّما نحيكها بحكمةِ أشياءٍ غامضة، نحكيها، نلوكها بأمعاءٍ خاوية، فنمَت نمنماتٌ بخصرِ عابرة.. كانت تُبادل الدّماءَ بأرواحٍ محنّطة…

هناك، في تلك الأماكن، كؤوسٌ مثل الكهوفِ وأنفس، حتوفٌ لمواسمَ ماطرة، صيادون بصهب الملامح والألوان، ضحكاتٌ على الجدران، مراراتٌ تجهش بنسيانٍ يابس، بأبخرةٍ عند رصيف الزمن،
ثمة زمنٌ استبدلَ الحبرَ بالنجيع…

على درب الجلجلة.. المفقودون أولئك، الذين ناموا في العتمة بلا موعدٍ مع الشمس، كما لو يسحبون مخادعَهم بسلاسل ﻻ تنقطع، والقصص المفقودة أفلام يتساجلها مخرجون عالميون…

في القاع هلعٌ مبطّن بإشكالية الخطيئة، تقبض الزاوية على روحٍ مغلقةٍ بأمكنةٍ منغلقةٍ منكسرة، ببزوغٍ يعيد تصوير اللحظات المثيرة، وهي تفاصيل هامشية، ﻻ تعني واقعاً  على غير ما وقع بين الحدث واللعبة…

اشتعاﻻت لنصوص اﻵخرين، تعكس ألواناً لحيوات اﻵخرين،  لسردٍ غير عادي، سردٍ لمفقودين بردهة البيت، وهم هناك، يفتقدون مكوثاُ لوجوهٍ توائم الأرواح، ثمة صورٌ تتدفّق كتشكيلٍ لجماعاتٍ مفقودة…

ومرةً حول ثيابٍ فارغةٍ نفرَ أنبياءٌ كثيرون، وهم على دروب جلجلتهم.. يغسلون الجثثَ في مراجل صُمِّمَت لهذا الموتِ المقدّس، والمنامات توضيبٌ وطنيٌّ للتصدير، فالفضاء المكدّس بجماعاتِ الموتى يقتلهم اﻻنتظار…

تنادَمْنا، تسامرنا آﻻمَنا، ونحن على درب الجلجلة، ينحني كثيرون لصاحب الجلالة، آخرون للمقصلة، وآخرون ينتشرون كمثقّفٍ جديد، أو مُستَحضرٍ مسحوقٍ لغسيلٍ أنصع، وفي الأيام تكسيرٌ لتجسيدِ واو الجماعة.. عنها مجاعات ﻻ تحصيها لهجات، لهذا الموت وجه واحد، لوجوهٍ ﻻ تحصى على درب الجلجلة…

شاهد أيضاً

ضاهر:” تمنى على الأحزاب المسيحيّة الأساسيّة وقف السجالات العدائية “

تمنّى النائب ميشال ضاهر على “الأحزاب المسيحيّة الأساسيّة”، وقف “السجالات العدائيّة في ما بينها، وإيلاء …