المخرج فهمي عبد الحميد ساحر ومبتكر “فوازير” رمضان

زياد سامي عيتاني*


المخرج الراحل فهمي عبد الحميد؛ إسم إقترن لأعوام طويلة بشهر رمضان، وتحول إلى علامة فارقة من علاماته التي لا تنسى، من خلال “الفوازير” الذي كان مخترعها وساحرها، ليترك بصماته وإبداعاته الذهبية عالقة في أذهان مشاهدي جيل السبعينات والثمانينات والتسعينات، رغم رحيله، دون أن يتمكن سواه من إكمال مشوار “الفوازير”…


 يكفي أن نتذكر إستعراضات “الفوازير”، وأن نسترجع تفاصيلها وحكاياتها وشخصياتها حتى يحتل المخرج المبدع فهمي عبد الحميد مساحة الذاكرة. كيف لا؟ وهو المبتكر بأحلامه الواسعة وعبقريته وإبداعاته السحرية وقدراته على التنفيذ لسلسلة “فوازير” رمضان، التي أدخلت البهجة والمتعة والسرور والخيال الواسع في النفوس دون إستئذان، وكان مع بداية الشهر الكريم محط أنظار المشاهدين على إمتداد الوطن العربي…
كان فهمي عبد الحميد بهدوء يطرق أبواب المستقبل، لتخرج “الفوازير” كل سنة بحلة جديدة وأفكار مختلفة ومتطورة، حيث كان ينقب عن النجوم كما المنقبين على المجوهرات بعيون لا تخطئ، حيث تنقلت عدساته برشاقة في إعادة إكتشاف كل من نيللي وسمير غانم وشريهان ويحيى الفخراني وهالة فؤاد، وحتى ليلى علوي ومدحت صالح وشيرين رضا، إذ كان دخولهم مصنع فهمي عبد الحميد، بداية نقلة جديدة في حياتهم
ومشوارهم الفني…
صحيح أن الشكل المتعارف عليه ل “فوازير” رمضان بصورتها الإستعراضية لم تعرف إلا في أواخر الستينيات من خلال فرقة “ثلاثي أضواء المسرح”: جورج سيدهم وسمير غانم والضيف أحمد، على يد المخرج أحمد سالم، فحققت نجاحاً وانتشاراً، ما رفع نجوميتهم لا سيما في الترويج لها كعمل فني لم تعرفه الشاشة على هذا النحو من قبل، أي فوازير ممزوجة باستعراضات وغناء.
إلا أن “الفوازير” لم يكن من الممكن أن تتحول إلى أيقونة رمضانية لاحقاً، لو لم يساهم في ذلك مخرج الفوازير الأشهر فهمي عبد الحميد من خلال عمله الأول مع النجمة نللي، وإعتماده على الأسلوب المميز في طرح وإستخدام العديد من مكونات الموروث المصري، ك “السيرك” و”الأراجوز”…


•من معهد الفنون إلى الرسوم المتحركة:
إلتحق “فهمي” بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة وتخرج فيها عام 1963 بقسم الحفر ثم عمل بالتليفزيون المصري عام 1964 بقسم الرسوم المتحركة، وتتلمذ علي يد المخرج الكبير علي مهيب.
في بدايات حياته العملية قام فهمي عبد الحميد بتصميم تترات عدد من المسلسلات التليفزيونية والأفلام السينمائية ومن أشهرها فيلم “الخط الأبيض” الذي ساعد فيه أستاذه علي مهيب، ومسلسل “وليد ورندا في الفضاء”، ومسلسل “جحا” بطولة عبد المنعم مدبولي.


•بدايته مع “الفوازير” مع نيللي:
عام 1974 جاءت البداية الحقيقية للمخرج عبد الحميد مع فوازير رمضان التليفزيونية، وإختار الفنانة نيللي لتقديمها، وكانت فكرتها تعتمد على إستضافة فناني الرسوم المتحركة في كل حلقة.
بدأ الثنائي، عبد الحميد ونيللي رحلة شراكة ستدوم 7 سنوات بينهما، بمشاركة مبدع ثالث هو مصمم الإستعراضات الشهير حسن عفيفي، في فوازير بعنوان “صورة وفزورة”، واستمر هذا الثلاثي في العمل معًا في العام التالي في “صورة وفزورتين”، ثم في العام التالي مع “صورة و3 فوازير”، وعام 1978 في “صورة و30 فزورة” التي كانت تعتمد فكرتها على تنكر نيللي في شخصيتين، الأولى ثابتة طوال ثلاثين حلقة وهي شخصية صحفية تقوم بإستضافة المشاهير، والثانية هي شخصية الضيف المشهور المطلوب من المشاهدين معرفة شخصيته.  
ثم جاءت مرحلة نضج الفوازير، إذا جاز التعبير، مع الشاعر صلاح جاهين في بداية الثمانينات، حين كتب لها رائعتين هما “الخاطبة” و”عروستي”، أجادت نيللي في كليهما بشكل كبير، وإلى الآن يعتبر الكثيرون “عروستي” واحدة من أفضل الفوازير التي قدمها التلفزيون المصري.


•إبتكار “”فوازير” جديدة مع سمير غانم:
بعدها قرر المخرج فهمي عبد الحميد في 1982 إعادة سمير غانم لتقديم “الفوازير”، مبتكراً له خصيصاً شخصية “فطوطة”، التي كتبها المؤلف عبدالرحمن شوقي، فحققت نجاحاً وقدمها سنوات متتالية، حيث تميزت بطاقة كوميدية ذكية مكّنتها من الوصول إلى قلوب المشاهدين من الصغار والكبار، كذلك تمتعت بحضور أسماء “ثقيلة” في تتراتها، وليس أدل على ذلك من تلحين سيد مكاوي لأغنيتي المقدمة والنهاية.


•التجديد مع شريهان:
بعدها سيطرت شريهان على “الفوازير”، وتربعت على عرشها أسوة بفوازير نيللي.
ففي عام 1985، قدم المخرج عبد الحميد الفراشة الرشيقة في أولى مواسم فوازيرها الشهيرة “ألف ليلة وليلة”، بتجسيدها شخصية عروس البحور، تلك الأميرة التي تعيش في البحر وتقع في حب أمير وسيم لا سبيل إلى العيش معه أبدا. إستمرت شريهان في تقديم شخصيات من “ألف ليلة وليلة” في العام التالي، ثم قدّمت فوازير “حول العالم في 30 يوماً” في عام 1987، لتعود في عام 1988 لتقديم فوازير “ألف ليلة وليلة: كريمة وحليمة وفاطيما”.
وقد أبهرت شريهان الجميع بعد أن أظهرت موهبتها الإستعراضية المكتملة ورشاقتها وحضورها الإستثنائيين.


•وجوه جديدة ل”الفوازير:
في تلك الأثناء إنشغلت شريهان بالسينما وبحياتها الخاصة التي امتلأت بالألم، بينما إمتنعت نيللي عن العودة لتقديم الفوازير، فاضطر فهمي عبد الحميد للبحث من جديد عن “وجوه جديدة” لتقديم مشروعه الرمضاني.
وقع إختيار مخرج “الفوازير” على وجهين توسّم فيهما الجذب الجماهيري، فكانت فوازير رغدة ومدحت صالح في 1989، ثم حاول إسناد البطولة إلى مطربة الأطفال الشقية في ذلك الوقت، صابرين، بمشاركة هالة فؤاد ويحيى الفخراني في فوازير “المناسبات”، ثم أتي بحسن يوسف وليلى علوي لتقديم “الأشكيف وست المِلاح”، ثم عاد بمدحت صالح لتقديم فوازير “الفنون” بمشاركة شيرين رضا.


•التعاون مع كبار الملحنين:
تعاون فهمي عبد الحميد مع كبار الملحنين، ومنهم سيد مكاوي ومحمد الموجي وحلمي بكر ومنير مراد وأحمد صدقي وخالد الأمير ومنير الوسيمي وسمير حبيب وهاني شنودة وإبراهيم رجب ومحمد قابيل وعمار الشريعي وعمر خورشيد وسامي الحفناوي وصلاح الشرنوبي وفاروق الشرنوبي.


•الرهان على التيمز والتجديد:
تميز الفنان فهمي عبدالحميد، أنه كان دائماً عاشقاً للتجديد والتغيير، ويرفض الوقوف عند نقطة واحدة بلا حراك، لذلك فهو لم يتوقف عند التعامل مع فنان بعينه مهما حقق من نجاح، ولكنه دائماً ما يراهن على التغيير، وقدرته على إنجاح أي “فزورة”، وهو ما ظهر بتعامله مع
مجموعة كبيرة ومتنوعة من الفنانين، ليس من منطلق نجوميتهم، بل إنسجاماً مع الشخصيات التي كان يبتكرها من محض مخيلته.
وهذا ما يؤكد أن الأسباب التي كانت تدفعه لتغيير نجوم وأبطال “الفوازير”، لم تكن ناتجة عن خلافات معهم، كما كان يروج، بل لأنه كان يحمل أفكارا جديدة، ويختار النجم الذى يناسب تلك الأفكار.


•يسرا ويونس شلبي كان المرشحان ل “الفوازير”:
قبل وفاته، وقبل أن يرى الجمهور الفنانة يسرا تغنى، كان ينوي أن يستعين بها فى بطولة “الفوازير”، وكان يقال له: “عمرنا ما شفناها بتغني أو ترقص”، وكان يرد: “قلتوا كده على شريهان وشفتوا بقت إيه وهاتشوفوا يسرا في الإستعراض هتعمل إيه”.
كذلك، كان المخرج عبدالحميد ينوي تقديم شخصيك جديدة على نفس شكل “فطوطة”، وهي شخصية “حمادة النص”، وكان ينوي أن يستعين فيها بالفنان يونس شلبي…


•بكى حسرة في آخر “فزورة”:
وكشفت الإعلامية لمياء فهمي أن فى آخر سنة قدم فيها والدها “فوازير فنون”، بطولة مدحت صالح وشيرين رضا، أخذ كرسياً وجلس بعيداً يبكي بشدة، وعندما سألته قال لها “خلاص بقى مش هما بيقولوا كفاية فهمي عبدالحميد، أهه كفاية فهمي عبدالحميد، ودي آخر سنة هعمل فيها الفوازير”.
وبالفعل كانت آخر سنة، إذ في العام التالي توفي عبقري “الفوازير” في “البلاتو” أثناء تصويره!!!


*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.

شاهد أيضاً

دبوس

ا لتآكل… سميح التايه ثلاثمائة من الصواريخ البطيئة، وبضع عشرات من المُسيّرات التي لا تندرج …