دورُ المجتمعِ المدنيِّ في الفرزِ والتدويرِ

إيمان عيسى
رئيسة جمعية البراعم للعمل الخيري والاجتماعي

في لبنانَ، لا تنفصلُ المشكلاتُ البيئيةُ عن السياقِ العامِّ للأوضاعِ المعيشيةِ والاقتصاديةِ والظروفِ السياسيةِ الغارقةِ في الأزماتِ.
وعلى الرغمِ من التحذيراتِ العديدةِ، لا تزالُ الحكومةُ اللبنانيةُ تُنكِرُ إمكانيّةَ حدوثِ أزمةِ نفاياتٍ جديدةٍ، مع النّفيِ الرسميِّ المتكررِ لوجودِ مثلِ هذه الأزمةِ، ومحاولاتِ إقناعِ الناسِ أن لا مبررَ لانزعاجِهِم وقلقِهِم من هذا الملفِّ لأنّ القمامةَ لن تعودَ إلى الشوارعِ.
وقد أصبح العثورُ على حلٍّ لمشكلةِ النفاياتِ أمراً ملحاً، وخصوصًا بعد تخطي المكباتِ الرئيسيةِ لطاقتِها الاستيعابيّةِ منذ أكثرَ من عامين، الأمر الذي بات يدقُّ ناقوسَ الخطرِ معلنًا التخوُّفَ من كارثةٍ بيئيةٍ، دون أن ننسى الحالةَ المُزرِيَةَ التي شهدتها البلادُ بسببِ أزمةِ النفاياتِ الخارجةِ عن السيطرةِ في الأعوامِ المنصرمةِ.
وقد تعالت الأصواتُ الرافضةُ للتعاطي الحكوميِّ مع هذا الملفِّ معلنةً الخوفَ العميقَ من الآثارِ الصحيةِ لحرقِ المكباتِ المكشوفةِ التي انتشرت منذ أزمةِ النفاياتِ. الأمرُ الذي يرتبطُ بآثارٍ خطيرةٍ على صحةِ الإنسانِ، من أمراضِ القلبِ والسرطانِ إلى الأمراضِ الجلديةِ والربو وأمراضِ الجهازِ التنفسيِّ الأخرى.
وفي شهرِ ديسمبر من العام 2016، أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” فيديو وتقريرًا عن الشأنِ البيئيِّ في لبنانَ، ركّزت فيهما على المخاطرِ الصحيةِ من حرقِ المكباتِ المكشوفةِ ومن الآليّةِ الخاطئةِ في التعاطي مع هذا الشأنِ البيئيِّ الحسّاس.
في ذلك الحين، أعلنتْ مجموعاتُ المجتمعِ المدنيِّ في لبنانَ عن إطلاقِ تحالفٍ جديدٍ لإدارةِ النفايات. هذا التحالفُ يَهدِفُ إلى الضغطِ على الحكومةِ لإيجادِ حلولٍ مستدامةٍ لمشكلةِ النفاياتِ التي لم يتمَّ حلُّها بعد. وهو يتكونُ من عدةِ منظماتٍ بيئيةٍ ومجموعاتِ المجتمعِ المدنيِّ، وفقًا لصحيفة L’Orient-Le-Jour اليوميّةِ الفرنكوفونية.
وقد كان الهدفُ الرئيسيُّ للتحالفِ هو الضغطُ على السلطاتِ المسؤولةِ عن إدارةِ النفاياتِ الصلبةِ في لبنانَ لإنتاجِ وتطبيقِ استراتيجيةٍ مستدامةٍ تعتمد على الإدارةِ المتكاملةِ للنفاياتِ الصلبةِ. بالإضافةِ الى مطالبةِ الحكومةِ بإعادةِ استخدامِ النفاياتِ وتدويرِها والتخلصِ منها في النهايةِ باستخدامِ التقنياتِ المناسبةِ التي تتوافقُ مع اللوائحِ البيئيةِ الوطنيةِ والدوليةِ.
في هذا السياقِ، يبرزُ دورَ جمعياتِ المجتمعِ المدنيِّ في استخدامِ كافةِ وسائلِهِ المُتاحَةِ للضغطِ على الحكومةِ والإداراتِ المعنيةِ لتبنّي وتنفيذِ استراتيجيةٍ فعّالةٍ لإدارةِ النفاياتِ، والتوعيةِ على الآثارِ السلبيةِ لهذه الأزمةِ على الصحةِ العامّةِ وعلى أهميةِ رفعِ مستوى الوعيِ في عملِ التحالفِ في المستقبل.
وهنا، لا بدَّ من التأكيدِ على أنّ لبنانَ في حاجةٍ الى حلٍّ استراتيجيٍّ مستدامٍ طويلِ المدى لإدارةِ النفاياتِ، يحترمُ حقَّ الناسِ في الصحةِ والبيئةِ الآمنةِ، وذلك بدلًا من المزيدِ من خططِ الطوارئِ قصيرةِ الأَجَلِ التي تتركُ معظمَ لبنانَ ممتلئًا بأكوامِ القمامةِ المحترِقَة.
إنّ من الضروريِّ في مكانٍ العملَ على ممارسةِ الضغطِ على الحكومةِ للالتزامِ بالاتفاقياتِ البيئيةِ الدوليةِ التي هي جزءُ منها وتطبيقِها ومعاقبةِ المنتهِكين. بالإضافة إلى المطالبةِ بإعادةِ ملفِّ إدارةِ النفاياتِ إلى وزارةِ البيئةِ التي يفترضُ بها أن تُعِدَّ رؤيةً شاملةً وسياسةَ ومشاريعَ وخطةً طويلةً ومتوسطةَ المدى في جميعِ الأمورِ المتعلقةِ بالبيئةِ، بما في ذلك اقتراحُ خطواتِ التنفيذِ وخطةٌ لرصدِ التنفيذِ على أساسِ نهجٍ تشاركيٍّ مع مختلفِ الجهاتِ الرسميةِ والمدنيةِ والشعبيةِ.
وهذا ما ينبغي أن تتمَ مشاركتُهُ مع كافّةِ الشرائحِ الاجتماعيةِ من خلالِ مواصلةِ حملاتِ التوعيةِ لتعزيزِ المبادئِ الأساسيةِ لتقليلِ الاستهلاكِ وإعادةِ الاستخدامِ والفرزِ وإعادةِ التدويرِ.
في معظمِ الدولِ حولَ العالمِ، باتت الاستراتيجيةُ الوطنيةُ لإدارةِ النفاياتِ مطلبًا تشريعيًّا تلتزمُ بتنفيذِهِ كافةُ أجهزةِ الدولةِ، على الرغمِ من كلِّ التحدياتِ التي تواجهُ هذا السياقَ، بهدفِ تقديمِ نظامِ إدارةِ نفاياتٍ قادرٍ على مواجهةِ التحدياتِ الرئيسيةِ المتمثلةِ في تزايدِ عددِ السكانِ والدورة الاقتصاديةِ، ما يعني زيادةَ حجمِ النفاياتِ المتولدة. وهو ما يشكلُ ضغطاً إضافيًّا على مَرافقِ إدارةِ النفاياتِ، والتي تعاني بالفعلِ من نقصٍ في الإمكاناتِ والكفاءاتِ والاستراتيجياتِ الملائمة.
كذلك، لا ينبغي اغفالُ أنّ عمليةَ جمعِ النفاياتِ وإعادةِ التّدوير تقدمُ مساهماتٍ لا يمكنُ انكارُها في خلقِ فرصِ العملِ ورفعِ الناتجِ المحليِّ الإجماليِّ، أُسوةً بالدولِ المتقدمةِ في هذا المجالِ، من خلالِ استخدامِ النفاياتِ في توليدِ الطاقةِ ومختلفِ المجالاتِ الأخرى.
والواقعُ اللبنانيُّ، يفرضُ أمورًا تختلفُ بشكلٍ جذريٍّ عن بقيةِ الدولِ الرائدةِ في هذا المجالِ، وذلك من حيثُ عدمِ وجودِ بنيةٍ تحتيةٍ لإعادةِ التدويرِ، وهو ما يتطلبُ تعميمَ وزيادةَ الوعيِ الشعبيِّ بأهميةِ فصلِ النفاياتِ من المصدرِ بحيثُ يستفيدُ الفردُ من كلِّ الإمكاناتِ المتوفرةِ في هذه النفاياتِ من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى، يسهلُّ عمليةَ الفرزِ ويخفضُ تكلفتَها.
من هنا، يتحتمُ على المجتمعِ المدنيِّ والمنظماتِ غيرِ الحكوميةِ والمنظماتِ غيرِ الربحيةِ والمنظماتِ المجتمعيةِ والتعاونياتِ والنقاباتِ العماليةِ متابعةُ دورِها في التوعيةِ بضرورةِ الفرزِ على مستوى الفردِ والأسرةِ، بالإضافةِ الى المشاركةِ في عملياتِ الفرزِ والتدويرِ، بالإضافةِ الى تعميقِ الالتزامِ بتنفيذِ القوانينِ ذاتِ الصلةِ ومنعِ إلقاءِ القمامةِ، والمساعدةِ في مراقبةِ الامتثال.
انَّ التحدياتِ الكبرى التي تواجهُ لبنانَ، تتطلبُ جهودًا منسقةً من قبلِ الحكومةِ وأصحابِ المصلحة. علمًا أنّ معالجةَ هذه التحدياتِ لن تكونَ سهلةً، وذلك بالنظرِ إلى القيودِ المفروضةِ على القدراتِ والمواردِ التي يواجهُها لبنانُ كدولةٍ ناميةٍ تعاني من تفاوتاتٍ كبيرةٍ في الدخلِ وأولوياتٍ إنمائيةٍ متنافسةٍ بالإضافةِ الى حالةِ عدمِ الاستقرارِ السياسيِّ والاقتصاديِّ والمعيشيِّ. ومع ذلك، فإنّ تنفيذَ التسلسلِ الهرميِّ لإدارةِ النفاياتِ وتحقيقَ الأهدافِ المحددةِ في هذه الاستراتيجيِة جزءٌ لا يتجزأُ من تحقيقِ مستقبلٍ مستدامٍ وحياةٍ أفضلَ لجميعِ مواطني لبنان.

الأحد 6 كانون الأول 2020

شاهد أيضاً

8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة

تؤثر خيارات نمط حياتنا بشكل كبير على صحتنا، حيث يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي أو …