رجل الاستقلال محمد بك الفضل النباطي العاملي – اللبناني المطموس الذكر !

د. عباس وهبي


ذكرى الاستقلال قوسُ قُزحٍ من المعاني القيّمة نظراً لرمزيتها التاريخية والآنية ، ورغم كل ما يصول ويجول فيجب أن نُصرّ على استقلالنا أكثر من أيّ وقتٍ مضى لأنه في دائرة الأخطار من المتربصين الصهاينة والإمبرياليين ، و يجب أن لا ننسى لصوص الهيكل وطغاة الوطن ..


ففي 11 تشرين الثاني من عام 1943م و بعد أن قامت حكومة الرئيس رياض الصلح بعد الانتخابات النيابية بتعديل
الدستور و إلغاء كل المواد المتعلقة بالإنتداب و بعصبة الأمم تمّ اعتقال الرئيس بشارة الخوري و رياض بك الصلح و بعض الوزراء كما هو معروف ..كما كان هناك محاولة لاعتقال النواب و منهم معالي النائب محمد بك الفضل ابن العائلة العريقة التي حكمت جزءاً من جبل عامل ردحاً من الزمن ،و الذي يُعتبر أحد رجالات الاستقلال الذين صنعوا العلم اللبناني ووقّعوا عليه أسماءهم ، و ما زال إمضاؤه يشهد بذلك حيث دُوّن اسمه عليه.. وهاهي الذكرى السابعة والسبعون للإستقلال تُطلّ علينا في ظروفٍ حالكةٍ لم يعرفها لبنان من قبل ! وفي مثل هذه الأيام دخل إلى مجلس النواب المحاصر من قبل الجيش الفرنسي النواب السادة صبري حمادي من بعلبك وصائب سلام من بيروت ومحمد الفضل من النبطية وهنري فرعون من بيروت و سعد المنلا من زحلة ، و مارون كنعان من جزين ، والذين دخلوه بالقوة رغم الحصار لأنهم كانوا أصحاب حقّ و قضية … ولكن لم يُكرّم منهم إلّا دولتي الرئيسين صبري حمادة وصائب سلام ، والباقون لم يُنصفوا بغير حق ! لقد نجح محمد بك الفضل في ثلاث دورات انتخابية و عُيّن وزيراً لوزارتين معا الا و هما : (البرق والبريد والتجارة والاقتصاد).إلّا أنّ الظروف الداخلية وأبرزها الغضب والاستنكار الشعبي هذا إلى جانب الظروف الخارجية و لا سيما موقف الدول العربية والانذار البريطاني لفرنسا أدّت إلى إجبار الفرنسيين للإفراج عن المعتقلين في 22 تشرين الثاني 1943 م.و عليه في ذكرى الاستقلال نُطلق تحايا التقدير والعنفوان لأبطاله المجهولين الذين قاوموا وتصدوا ومنهم من بذل دمه، ومنهم من طُمس ذكرهُ و من ذلك نذكر ما قام به شابٌ بقاعي من آل الساتر الذي رفع العلم اللبناني وأنزل العلم الفرنسي ، وهل يُنتسى الثائر أدهم خنجر الذي قاوم الفرنسيين مع رجاله وأطلق النار على الجنرال غورو …وحدث بلا حرج عن مؤتمر وادي الحجير والذي أطلق فيه فرسان جبل عامل شعلة المقاومة … وكيف ننسى معالي محمد بك الفضل ابن مدينة النبطية مدينة الأبجديات الخمس الذي وقّع اسمه على العلم اللبناني …و نتساءل لماذا قد هُدرت حقوق هذا الرجل المناضل ، وتحديداً لماذا لم تقم الدولة كلّ عام بتكريم هذا الرجل أسوةً برجال الاستقلال، والإعتراف بما قدّمه من خلال إقامة مراسيم الاحتفال بعيد الإستقلال من وضعٍ للأكاليل على ضريحه ، و أداءٍ للتحية له في كل عام،و علماً بأنّ نبطيته قد كرّمته بشق طريق مكان دارة أهله وأطلقت عليها شارع محمد بك الفضل …
وليس غريباً هذا الظلم المُسقط دون رادع و دون اعتراض من أولي الأمر ! فهناك من يفرض طمس تاريخنا الذي نعتزّ به ، فالنبطية لطالما شكّلت موزاييكاً عقائدياً لم يتعارض أن تكون مدينة ذات طابع ديني تعتزّ به…


حتى إنّ الحشرية النباطو- وطنية قد راحت تحثّني على سبر أغوار هذا الأمر الذي تحوّل إلى غصة نشعر بها كل عام . ويبدو أنّ هيمنة الأقوى “بالمصادرة والقمع والاستغلال” على سيرورة التاريخ عبر هيمنة الإنتخاب المزاجي –السياسي – الطائفي الاستبدادي هي السائدة ، و لا سيما بعد طغيان الفساد حتى على القيم ، ممّا جعله يحاول تزوير التاريخ، واصطناع ما لم يحصل ، وخلق بطولاتٍ وهمية لا تستند إلى الواقع بصلة من أجل فرض ابتكاراتهم ، وبطولاتهم الوهمية في تاريخنا متناسين بطولات فرسان ومشايخ جبل عامل لا بل راحوا يُحوّرونها في إطار ترسيم مجدهم المزيّف …

و هل يحتاج إيفاء الحق لصاحبه إلى إلهام ساحرٍ ،أو حثٍّ على الوفاء والتقدير ؟ أم أنّ التاريخ الحافل والحقيقي قد أصبح عبئاً على البعض، رغم أنّ التاريخ لا يموت مهما حاولوا تلوينه أو تعميته أو مصادرته …فالحقيقة يجب أن تمخر دائماً في الأذهان ….والتعصب هو بحدّ ذاته رؤيةٌ للوجود و لكن من ناحية الحقيقة النسبية وليست المطلقة كي لا يتحول التعصّب إلى مقتٍ أو ضغينة ! و للحقيقة فهو فضيلة كبرى ، فعلى حدّ قول نيتشه:” التعصب شكل من أشكال الإرادة”فكيف إذا كانت هذه الحقيقة شرفاً لوطن أو لأمة!


بخٍ بخٍ !! انّ المطلوب هو الإفراج عن البلد بأكمله ، وعن مستقبل أجياله ، وعن حقوق شعبه ، وعليه عن الاستقلال و أبطاله لأنّ من لا تاريخ ولا تراث له تُطمسُ حضارته …


نعم على شعبنا أن يستيقظ من تخديره لأنهم يُحضّروننا للجوع والفقر والهوان … لقد أصبح تحرير التاريخ والديمقراطية والحريات من قمقم التحجّر والقمع والديماغوجية النكراء والتخلي عن هذا النظام السياسي الأخطبوطي الأرعن واجباً مقدّساً لا بل صراع بقاء ، مذكّراً أننا في زمنٍ عجيبٍ غريبٍ ، زمن الحصار الامبريالي – الصهيوني الذي دعّمه الفاسدون اللصوص وأفرغوا البلد من محتواه ، وزمن انكشاف الأقنعة وتجاسر الطالح والفاجر ، زمن الردة والوباء العجيب الغريب الذي حقّر الانسان وأبرز ضعفه في لحظةٍ ما لعلّ الناس تستقي العبر … لكنّ التغيير آت حتماً مهما طال الزمن ومهما كان المخاض لأنّ من يتمادى في غِيّه لا بدّ أن يقع في بئرِ طغيانه !!! نعم لإنصاف رجل الاستقلال محمد بك الفضل كي يستريح في مثواه الأخير ، كي يحقّ الحق ، و كي تسمق شجرة التاريخ إلى الأعلى على ضفاف زمن العزة والكرامة.

في21/11/2020

شاهد أيضاً

مسيرات حاشدة بمحافظة إب اليمنية في جمعة معركتنا مستمرة حتى تنتصر غزة …

تقرير/ حميد الطاهري شهدت محافظة إب”وسط اليمن ” عصر اليوم مسيرة جماهيرية حاشدة في جمعة …