الوطن أماكن… انتفض للأماكن

هيفاء جارودي

مرّة قالت لي إحداهن، هنالك من يحاول شراء العاصمة… استخففت بكلمتها، وضحكت هي من سذاجتي.
وتساءلت: هل من الضروري أن أسجل الشاطئ باسمي كي يكون لي فيه مع عائلتي موطأ قدم لا تكلفني زيارته راتبي؟!
هل من الضروري أن أبتاع حرجاً أو امتلك جبلاً حتى نستنشق هواء ورائحة الصنوبر في بلدي؟!
ثم أضافت: منذ عدتُ إلى الوطن وأنا أشعر بأن هنالك من يُقلّص علاقتي بالأماكن، يحرمني من ارتيادها والاستمتاع بها، إلى ان اكتشفت بأن هنالك فعلاً من يضم جبلاً أو شاطئاً إلى مقتنياته، إما بوضع اليد أو بأسعار بخسة مدعومة فيسيّجها متجاهلاً ارتباطنا العاطفي بها وبانتمائنا إليها وبحقنا فيها،  أنا وغيري مجرّد متطفلين على مقاهيها.
وتابعت، يحزنني جداً أن ينسحب تقسيم الجبنة السياسية على الأماكن في الوطن.
في غير بلد شعرت بأن الرصيف الذي أمشي عليه ليس لي شأن فيه أو ملك، والملك لله، إنما في وطني فهو يخصني ولي ملء الحرية في أن أضبط قدمي عليه وبكل عنفوان ان لي فيه الكثير، لي فيه ذكريات طفولة حيث كنت أركض إليه لأحتمي عنده من مرور السيّارات، وفي المراهقة كان طريقي من والى البيت برفقة زميلات المدرسة وتعليقاتهم الطريفة، كما كان لنا حضناً آمناً لدى ارتياد الأسواق أو ممارسة رياضة المشي، ثم حنيناً لمن تحت ترابه، فهو يُشكّل امتداداً لمسكن جدي، وأبي وأمي، ومن خطفهم الموت من أهل وأحبة. قلت: إذا كان هذا شأنك مع الرصيف فما بالك مع الأملاك العامة البحرية والجبلية، وتلك التي نُهبت واستفرد فيها من استفرد؟!
أجابت: انه يسرقني ويستفزني، ويتجاهل بأن هذه المطارح هي جزء كبير من حضوري في وطني. 
صمتت برهة، وأضافت: ألفت انتباه الشباب الذي يلهث وراء فيزا بحثاً عن هجرة، بأنه لن يملك قدماً في أي من أرصفة العالم حتى لو ابتاع كل الأماكن هناك،الأماكن مستعارة الا الأماكن في بلدك، هي جزء من تاريخك وانتمائك ولك فيها حق.

الوطن أيضاً أماكن… انتفض للأماكن.

المصدر: اللواء

شاهد أيضاً

طرابلس عاصمة للثقافة العربية

المرتضى اطلع من بيار عازار على الوضع الثقافي والانمائي لمنطقة كسروان بحث وزير الثقافة القاضي …