دور التعهيد في إنقاذ قطاع النقل للتعافي خاصة بعد أزمة كوفيد-19

بيتر مورينغ، المدير الإداري لقسم النقل لدى شركة سيركو الشرق الأوسط يكشف عن الأسباب التي تجعل من استعانة قطاع النقل بخدمات التعهيد في الوقت الراهن عاملاً مساعداً على التعافي بعد أزمة كوفيد-19

شهد العالم الكثير من التغيرات في الأشهر الأخيرة، إذ لم يعد السفر بالطائرة ممكناً بالبساطة التي كان عليها سابقاً. ويترتب على ذلك بالتأكيد تغييرات جوهرية، فلم يعد بالإمكان متابعة العمل ضمن قطاع النقل وفق الطرق القديمة ذاتها وباتباع القواعد السابقة. ومع عودة الاقتصادات إلى حالتها الطبيعية ببطء، وإتاحة إمكانية السفر من جديد -وإن كان ذلك ضمن إطار قوانين التباعد الاجتماعي، كيف يجب على الشركات والحكومات التأقلم مع المعطيات الجديدة؟ وكيف يمكن لنا تعديل سير العمل وتوظيف التكنولوجيا للارتقاء بتجارب العملاء إلى أفضل مستويات ممكنة في عصر تغير فيه كلّ شيء؟

من الواضح أن واقع قطاع النقل يتطلب منا تصوراً جديداً له، إذ يجب على شركات الطيران والخطوط الجوية والمطارات تحقيق الكفاءة المالية في مختلف الجوانب، وأن يتطلعوا في الوقت ذاته إلى المحافظة على مستويات خدمة العملاء وتحسينها بالتأكيد، ضمن بيئة جديدة بالكامل تتصدر فيها الصحّة قائمة الأولويات بشكل غير مسبوق. وتستلزم هذه البيئة الجديدة أسلوباً جديداً للعمل. ويتميّز مجال التعهيد بالقدرة على إضافة قيمة هامّة لدعم القطاع خلال هذه المرحلة أكثر من أي وقت مضى، حيث يوفّر خبرات متخصصة ومرونة عالية وحلولاً تقنية للمساعدة في اتخاذ القرارات على مستوى جماعي، بالإضافة إلى تحقيق الكفاءة من حيث التكلفة.

هل أصبح قطاع الطيران جاهزاً للانطلاق من جديد؟

ولفهمٍ أكبر لإمكانات مجال التعهيد فيما يتعلّق بقطاع النقل، يجب علينا بداية فهم وضعه الراهن؛ حيث كان قطاع الطيران من أوائل القطاعات التي تأثّرت بالجائحة، إذ عانى من أزمة مع انخفاض مستويات الحركة الجوية بنسبة 80% في كلّ أنحاء العالم. وقد ترتّب على ذلك كلف اقتصادية كبيرة وجب على قطاع الطيران والقطاعات المرتبطة به تحملها، ومنها السياحة والضيافة وسلاسل الإمداد التي تعتمد على هذا القطاع وتدعمه في الوقت ذاته. ومن غير المفاجئ أنّ تدابير خفض التكاليف أدّت إلى إيقاف عمليات التوظيف والتدريب، وخفض أعداد القوى العاملة، وإلغاء العقود. 

وعلى الرغم من ذلك، فقد شهدنا مرونة القطاع وقابليته للتأقلم. كما دفعنا ذلك إلى إعادة النظر في مجال التعهيد، وأكّد على ضرورة تأقلم مقدمي الخدمات من أجل تقديم قيمة أكبر من أي وقت مضى.

ويبحث العملاء ضمن بيئة النقل بشكل عام عن ثلاثة أمور، هي المرونة وإمكانية التوسع والوسائل المبتكرة لتخفيض النفقات مع المحافظة على سويّة الخدمة. ولهذا السبب يُعدّ التعهيد أساسياً جداً بالنسبة لقطاع النقل، حيث أنه يمكّن العملاء من التفرغ لإدارة العمل بفعالية على أفضل وجه، فيما يؤدي مزوّد الخدمة دوره الذي يجيده، والمتمثل في تقديم خدمة مميزة تتمحور حول المستهلك. 

ويتيح هذا الأمر للعملاء تركيز جهود فريقهم على تنفيذ استراتيجيات التعافي والتعامل مع التقلبات غير المتوقّعة في السوق، بينما يتحمّل المتعهد كافّة المخاطر المتعلّقة بالموارد ومتطلبات الخدمات. فضمن المطار على سبيل المثال، يتيح التعهيد للعميل خفض النفقات التشغيلية والاستفادة من الخدمات المتميزة لمزود الخدمة، وذلك بهدف تحسين الخدمات المقدّمة للعملاء.

تحسين إدارة دورة حياة الأصول 

تتمثل الفائدة الرئيسية التي يحققها المتعهدون الخارجيون في القدرة على وضع أحدث السياسات والعمليات والإجراءات والتقنيات والاستفادة منها، بالإضافة إلى توظيف الأشخاص القادرين على تعزيز كفاءة استخدام الطاقة والكفاءة التشغيلية وتحسين سوية الإنفاق من خلال الإدارة المثلى للنفقات الرأسمالية والتشغيلية الناتجة عن الأصول طوال دورة حياتها.

وتُعد إدارة الأصول الرقمية إحدى أهم الطرق الممكنة لتحقيق ذلك، حيث تركز على الاستفادة من البيانات والتقنيات لدفع عملية صنع القرار المدروس خلال دورة حياة إدارة الأصول. كما تُعتبر معرفة العمر الاقتصادي للأصول وفترة صلاحيتها أمراً محورياً حينما يتعلق الأمر بتحسين أدائها بما يقلل من المخاطر. وفيما يتعلق بالأتمتة وتحليل البيانات والذكاء الاصطناعي، يمكن تحليل المعلومات باستعمال أحدث التقنيات لمساعدة العملاء على الوصول إلى رؤى أوسع في سبيل اتخاذ قرارات أفضل وتقديم حلول أكثر فعالية من حيث التكلفة والاستدامة. 

أما فيما يخصّ خدمات التشغيل والصيانة في الوقت الحالي، يمكن ملاحظة أن المطارات وشركات الطيران ما تزال في مرحلة النضج في إدارة أصولها؛ حيث تنتقل بفضل تدابير بناء الثقة والإدارة القائمة على النتائج من جداول الصيانة الوقائية المرتكزة على عاملي الوقت ومعدل العمل (وفيها يُنظر للصيانة على كونها من المصاريف) نحو منهجيات العمل الإرشادية التنبؤية لتعزيز الصيانة (ويُنظر هنا إلى الصيانة كاستثمار في الأعمال). 

هل يمكن أن يؤثر التعهيد الخارجي بشكل إيجابي على تجربة المسافرين؟

تعتبر تجربة العملاء أمراً أساسياً اليوم أكثر من أي وقت مضى. ويعزز التعهيد الخارجي هذه التجربة من خلال الاستفادة من الشركات الخبيرة والمتخصصة في هذا القطاع. فعندما يتعلق الأمر بالطيران، قد يشعر المسافرون بعدم الأمان بشأن التجربة بأكملها، لذا كلما عمل قطاع السفر على تعزيز شعور المسافرين بالراحة والأمان، كلما زاد عدد الأشخاص المستعدين لتكرار التجربة. ويشكل التناغم والاتساق في تقديم الخدمات المفتاح الأساسي لهذه العملية، إذ من المهم للغاية أن يحصل العملاء في كل الأوقات على المعلومات الصحيحة وأن تتوفر لهم تجربة سفر ترتقي إلى توقعاتهم، وذلك بغض النظر عن أية تغيرات أو ظروف طارئة. 

ونظراً لكون المتعهدين يستشرفون الأمور من منظور خارجي، سيصب ذلك في صالح العمليات من حيث فتح آفاق جديدةً لها، حيث يطّلع المتخصصون على التجارب والخبرات ضمن القطاعات المختلفة بهدف استخلاص أفضل الدروس منها، وهو ما سيعود بالنفع على تجربة المسافرين والعملاء على حد سواء. فيمكن مثلاً نقل الخبرة في توفير الأمان والحماية للزوار ضمن مركز تجاري إلى أماكن أخرى كمحطات المترو أو المطارات. هذا يعني أن الجمع بين توفير تجربة مريحة للعميل من جهة، والالتزام بالجانب التشغيلي والقدرة على تنفيذ هذه التجربة من جهة أخرى سيحدث تأثيراً أكبر على العالم في ظل الظروف الراهنة.

ولطالما كان اتباع نهج ملائم لتطلعات العملاء أمراً بالغ الأهمية، ولكنه أصبح أمراً حيوياً لمستقبل قطاع النقل في هذه الأيام. وفي حين تبقى القواعد واللوائح الجديدة المفروضة عرضةً للتغيير، يبقى أسلوب التفاوض والإدارة الثابت الوحيد الذي يمكن التحكم به. كما تُعد الاستفادة من التجارب الأخرى وتطبيق التقنيات الحديثة والاتساق في تقديم الخدمة الممتازة أموراً أساسيةً لإنشاء نموذج مستدام في قطاع النقل. ولقد تطورت مفاهيم السفر في يومنا هذا بحيث يُعتبر التعاون الجماعي مع مقدمي الخدمات حالياً وسيلةً إضافيةً لإعادة تصور القطاع ودفعه نحو الأمام.

شاهد أيضاً

ميتا تطلق Llama 3… «أقوى» AI مفتوح المصدر

يتفوق Llama 3 في مهام التفكير المعقّدة، وتوليد سطور البرمجة، واتباع التعليمات المتعددة الخطوات بدقة. …