اوروبا في مهب رياح اوكرانيا وتململ فرنسي الماني من الهيمنة الامريكية

 

محمد صادق الحسيني

بعد مرور نحو عام على اندلاع الحرب الاطلسية على روسيا، يمكننا القول بان اوروبا سقطت بمثابة اول ضحايا هذه الحرب.
فاوروبا كما تظهر على المسرح الدولي اليوم لم تعد اوروبا جاك شيراك (فضلا عن غيرهارد شرودر) الذي ذهب يوماً إلى روسيا واصطحبه بوتين آنذاك معه إلى المركز الاستراتيجي للقيادة والسيطرة للرحلات الفصائية تيتوف، في رسالة يومها لواشنطن، بان روسيا يمكن ان تكون صديقة، بل وحتى مظلة نووية للدفاع عن القرار الاوروبي المستقل، وعضواً مستقبلياً في الإتحاد  الاوروبي كما صرح بوتين نفسه يومها.
فاوروبا، ما بعد اوكرانيا لم تعد اوروبا شيراك، ولا حتى ميركل، بل هي مجموعة تتخبط، وتفتقر لإستراتيجية واضحة ناهيك عن رؤية مستقلة ومتوازنة في كل الملفات الحيوية العالمية.
وهي تخسر مع كل يوم يمر في الساحة الدولية من وزنها المعنوي الكثير، إضافة إلى خسائرها المادية التي لا تعد ولا تحصى، من بينها فقط وعلى سبيل المثال لا الحصر عشرات الالاف من الشركات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة التي كانت تعمل في روسيا.
وعلى وقع هذا السقوط امام العاصفة الاوكرانية
اجتمع يوم امس كلا من المستشار الالماني والرئيس الفرنسي في الاليزيه في باريس ، بمناسبة مرور ستين عاماً على توقيع اتفاقية الصداقة بين المانيا وفرنسا لاظهار تماسك قوتهما الاوروبية…!
الاتفاق الذي نص يومها على انهاء العداء المتوارث بين المانيا وفرنسا وبدء مرحلة بناء اوروبا الجديدة .
وهو ما كان قد تعزز بالتجديد عليه بتاريخ ٢٢/١/٢٠١٩ بين الرئيس ماكرون والمستشارة ميركل ، وصودق عليه من قبل برلماني البلدين آنذاك .
وقد علقت المستشارة ميركل يومها على ذلك التوقيع بالقول: “نريد اعطاء الوحدة  الأوروبية  دفعًا جديداً .”
وقد سمي يومها بإتفاق  آخن نسبة الى المدينة الالمانية الواقعة على الحدود الهولندية التي وقع فيها.
بينما ركز الاجتماع الذي عقد يوم امس ، بين ماكرون وشولتس ، على ضرورة تقوية اوروبا ايضاً:

“ان اوروبا ذات السياده القوية تؤمن السلام والازدهار والحرية لسكان اوروبا ( هذا ما قالوه ) .
ومن اجل اوروبا القوية غداً ، يجب علينا اليوم ان نقوي جيوشنا ونستثمر المزيد في صناعاتنا العسكرية .
اذ ان هذا ( تقوية الصناعة العسكرية والجيوش ) يجعل اوروبا شريكاً اكثر ( اقوى ) الولايات المتحدة .”

لم يصدر هذا الكلام في بيان رسمي وانما على شكل مقتطفات خص بها الرئيسان، صحيفة فرانكفورتر الغماينه تسايتونغ ونشرتها على موقعها الاكتروني يوم امس .

اوروبا هذه، الحالمة بالقوة ، فقدت قبل ايام ، حتى موقفها الوسيط مع دول صاعدة يفترض انها ليست عدوة لها، لا بل قد تكون وسيلة لها لتقوية استقلالها بوجه واشنطن. لكنها سقطت مرة اخرى في الامتحان من خلال اتخاذها لمواقف متطرفة لا لزوم لها تجاه طهران كرمى عيون واشنطن، وثكنتها العسكرية المقامة على اليابسة الفلسطينية المسماة “اسرائيل”.
فكان السقوط المدوي بقرار البرلمان الاوروبي بتصنيف الحرس الثوري الايراني منظمة ارهابية..!

مصادر وثيقة الصلة بمطبخ صناعة القرار الاوروبي تؤكد، بان القرار وان كان غير فعال اصلاً ولن يلزم دول الإتحاد وهو لا يعدو عن كونه دعاية معادية لايران، تماهياً مع سياسات واشنطن ، المتعلقة بالحرب النفسية ضد طهران .
الا انه يشكل في الواقع ،سقوطا مدوياً للهيبة الاوروبية ، والقوامة على قرارها المستقل في المعادلة الدولية، وهو ما تسعى اليه واشنطن بشدة، في كل الملفات المشتركة بين الطرفين، لاسيما بعد قرارها الاحمق في اعلان الحرب ضد روسيا .

بالفعل القرار البرلماني الاوروبي لا أفق له بالطبع على ارض الواقع…… سوى كونه قرار ترضية للسيد الاميركي كما تؤكد المثادر المطلعة ، مقابل امتناع الاوروبيين عن تزويد زيلينسكي بدبابات ليوبارد الالمانية ودبابات لوكلير الفرنسية …

ومن المعلوم ان البرلمان الاوروبي في ستراسبورغ في الواقع ليس سوى واجهة فرنسية المانية ، تعبر عن رغبة مشتركة مكبوتة لدى باريس وبرلين ، بان يظهروا عالميا بانهما لاعبان مستقلان دولياً، وهي ما بدأت تترنح امام الضربات الامريكية.

الخارجية الإيرانية في هذه الاثناء هددت بالانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية إذا لم يصحح الاتحاد الأوروبي موقفه.
فيما هدد مجلس الشورى الاسلامي باستصدار قرار يعتبر الجيوش الأوروبية “منظمات ارهابية”
-كما جاء على لسان رئيس مجلس الشورى الاسلامي، محمد باقر قاليباف.

والتصريحات الايرانية هذه ، حسب المصادر المطلعة ، تصريحات فعالة وقوية وواضحة جداً .
فيما المصالح الاوروبية في منطقة غرب آسيا كبيرة ومتشعبة ومن الصعب التضحية بها….
المصالح الاقتصادية وقبل كل شيء تواجد قوات مسلحه / وافراد عسكريين / لكل الدول الاوروبية في الكثير من دول الاقليم ….، هذه القوات ستكون هدفاً لجميع الجهات الحليفة لايران في المنطقة .
وهذا أمر لا تستطيع الدول الاوروبية تحمله ولا مواجهته عسكرياً .
صحيح ان قرار ستراسبورغ، غير ملزم للدول الاعضاء البته
لكنه لو حصل فهو بمثابة اعلان حرب، سيطيح بما تبقى من مكانة وقوة اوروبا على يد الايرانيين.
تقدير الموقف لدى المصادر يقول بان دول الاتحاد لن تذهب الى تفعيل قرار برلمان ستراسبورغ ، وانها ستحاول التملص مما صدر في مقر البرلمان.
وهو البرلمان المعروف بانه واقع تحت تأثير القوى الماسونية والصهيونية العالمية ، لاسيما ان رئيسته المالطية متورطة في فضائح قد تؤدي الى محاكمتها وطردها من وظيفتها، ما قد يكون ساهم في اندفاعتها لصالح السيد الامريكي الصهيوني.
ختماً يمكن القول بان اوروبا سقطت عملياً واصبحت هشة كثيرا وانها ستظل اسيرة تململ غير مجدي ما دامت عاجزة عن إتخاذ موقف مستقل عن واشنطن ، كما انها ستتراجع ايضاً عن عنترياتها، تجاه إيران ، ما يجعلها أشبه  ما تكون باعجاز نخل خاوية.

*بعدنا طيبين قولوا الله*

شاهد أيضاً

رسالة إلى شوقي مسلماني

د. أحمد شبول.    رسالة إلى الشاعر شوقي مسلماني بمناسبة إصداره: “إسمي المزوّد بالزهور”: أهم …