وفيق قانصوه
في 2005، التحقت ماريان الحويك بمصرف لبنان مقابل راتب شهري يبلغ ثلاثة ملايين ليرة، تدرّج صعوداً ليبلغ 10 ملايين ليرة عام 2010، ثم 13 مليون ليرة عام 2015، فـ 18 مليوناً عام 2020. «مسيرة نجاح»، عبر 15 عاماً، تمكّنت خلالها الموظفة النشيطة من تملّك شقة في باريس، وأخرى في الأشرفية، وثالثة في الرابية، وشركة مطاعم في لندن، وشركة لتطوير العملات الرقمية، و800 ألف دولار في حساب في سويسرا… وثروة تقدّر بـ 14 مليون يورو. ليس فقط في روايات الأطفال، تتحوّل الفتاة الفقيرة إلى صاحبة ثروة عندما تجد «سمكة ذهبية». يحدث ذلك، أيضاً، في «دكانة»، في أول شارع الحمرا، مقابل وزارة السياحة، تُسمّى «مصرف لبنان المركزي» لـ«صاحبه» رياض سلامة!
في كانون الأول 2021، طلب المدّعي العام في سويسرا مساعدة قانونية من السلطات اللبنانية للتحقيق في الاشتباه في قيام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه رجا سلامة بعمليات غسل أموال واختلاس. الطلب جاء بعد اعتبار السلطات السويسرية الأخوين سلامة «مُشتبهاً بهما» في إجراء تحويلات مصرفية يصل مجموعها إلى نحو 400 مليون دولار. في هذا الطلب، كما في الملفات القضائية المفتوحة ضدّ سلامة في بريطانيا وفرنسا، حيث يُشتَبه فيه بتبييض الأموال واختلاسها، يرد اسم مساعدته ماريان الحويّك، التي أشارت تحقيقات للشرطة الفرنسية، اطّلعت عليها «الأخبار»، إلى أن ثروتها الشخصية كانت تقدّر عام 2011 (أي بعد ست سنوات من التحاقها بالمصرف) بـ 14 مليون يورو. ووفقاً لمستندات قدمتها الحويك إلى مصرف Richelieu في موناكو (يملكه أنطون الصحناوي) لدى فتحها حسابين (رقماهما 21419 و21414) في 12 تشرين الأول 2011، فقد برّرت هذه الثروة بأنها متأتية من أكثر من راتب تتقاضاه ومن إرث آلَ اليها.
الحويك المولودة عام 1980 تشغل، بحسب مذكرة رسمية أصدرها سلامة في نيسان 2020، منصب «مستشارة تنفيذية ممتازة» للحاكم (Senior Executive Advisor) «لمدة سنة قابلة للتجديد، نظراً إلى الخبرة التقنية الواسعة التي تتمتع بها، بهدف وضع الدراسات والإشراف وملاحقة أي ملف أو مشروع يراه الحاكم مناسباً».
– ما هو سبب التناقض في الأرقام بين 800 ألف دولار (ادّعت الحويك أنها تقاضتها) وبين «أربع أو خمس دفعات قيمة كل منها بين 500 أو 600 ألف دولار» بحسب إفادة الحاكم؟
– كيف يمكن لحاكم المصرف المركزي، وهو مرفق عام، أن يتفق مع موظفة لديه، من دون أي عقد في حال كان يحق له ذلك، بأن يدفع لها أتعاباً «برّانية» بالعملة الأجنبية لقاء مشروع يتعلق بالمرفق العام نفسه؟
– أليس مثيراً للريبة والشك دفع المبلغ في حساب سويسري؟
– أي سخاء هذا الذي دفع سلامة إلى أن يطلب من شقيقه تسديد أتعاب الحويك من ماله الخاص، أم أن هناك أعمالاً أخرى غير منظورة تقوم بها الموظفة المحظية كواجهة لرئيسها؟
في 2005، بدأت الحويك عملها في مصرف لبنان براتب شهري يبلغ ثلاثة ملايين ليرة، ارتفع إلى 10 ملايين ليرة عام 2010، ثم 13 مليوناً عام 2015، فـ 18 مليوناً عام 2020.
12 عاماً فصلت بين التحاق الحويك بالمصرف عام 2005 وبين تقدّمها بطلب الاستيداع عام 2017، تقاضت خلالها رواتب 216 شهراً (سنة موظفي المركزي 18 شهراً)، لا يكفي مجموعها – مع افتراض أنها لن تصرف قرشاً واحداً منها – ثمناً لشقة تملّكتها في باريس عام 2013، بعد ثماني سنوات فقط من التحاقها بالعمل في مصرف لبنان!
في إفادتها، قالت الحويك إن الشقة الباريسية «اشتراها لها والدها عام 2008 بمليون و600 ألف يورو»، مشيرة إلى أنها «لا تذكر اسم البائع أو كيفية تسديد الثمن». وأضافت إن الشقة كانت حصتها من ضمن خطة توزيع الميراث بينها وبين أشقائها، فكانت حصة شقيقتها شقة في بيروت بقيمة مليون و200 ألف دولار، فيما نال أشقاؤها أسهم الشركات العائدة لوالدها.
– في محضر (اطّلعت عليه «الأخبار») نظّمه المكتب المركزي لمكافحة الجرائم المالية الكبرى في فرنسا (تابع للشرطة الفرنسية) في آب 2021 حول علاقة الحويك بجرم تبييض الأموال المنصوص عنه في قانون العقوبات الفرنسي، يتبيّن أن ذاكرة الحويك «خانتها»، أثناء إدلائها بإفادتها، في ثلاثة مواضع لا يسهل على أي كان (خصوصاً إذا كان مصرفياً) نسيانها: أولاً، أنها تملّكت شقتها الباريسية بموجب عقد بيع بتاريخ 26 حزيران 2013 وليس في 2008؛ وثانياً، أن عقد البيع الذي نظّمه محام فرنسي تمّ بوجود محام عن البائع و«في حضور الشاري مدام مريان حويك، الموظفة في مصرف لبنان»، لا في وجود والدها، وثالثاً، أن ما دفعته ثمناً للشقة كان مليوناً و800 ألف يورو وليس مليوناً و600 ألف يورو. كما يفيد المحضر بامتلاكها ثلاثة حسابات مصرفية في فرع مصرف «بي أن بي باريبا» في شارع الشانزيليزيه في العاصمة الفرنسية.
– في ما يتعلق بشقة الأشرفية، قالت الحويك في إفادتها إنها اشترتها عام 2013 عندما كان راتبها يساوي 13 مليون ليرة بقرض قيمته 700 ألف دولار من مصرف لبنان. ومن الواضح أن هذا الراتب لا يؤهلها على الأرجح للحصول على مبلغ ضخم كهذا، فضلاً عن أن سقف القروض المدعومة في تلك الفترة لم يكن يتجاوز الـ 800 مليون ليرة، وإن كان موظفو «المركزي» يتمتعون بمزايا إضافية في هذا المجال.
– في محضر (اطّلعت عليه «الأخبار») نظّمه المكتب المركزي لمكافحة الجرائم المالية الكبرى في فرنسا (تابع للشرطة الفرنسية) في آب 2021 حول علاقة الحويك بجرم تبييض الأموال المنصوص عنه في قانون العقوبات الفرنسي، يتبيّن أن ذاكرة الحويك «خانتها»، أثناء إدلائها بإفادتها، في ثلاثة مواضع لا يسهل على أي كان (خصوصاً إذا كان مصرفياً) نسيانها: أولاً، أنها تملّكت شقتها الباريسية بموجب عقد بيع بتاريخ 26 حزيران 2013 وليس في 2008؛ وثانياً، أن عقد البيع الذي نظّمه محام فرنسي تمّ بوجود محام عن البائع و«في حضور الشاري مدام مريان حويك، الموظفة في مصرف لبنان»، لا في وجود والدها، وثالثاً، أن ما دفعته ثمناً للشقة كان مليوناً و800 ألف يورو وليس مليوناً و600 ألف يورو. كما يفيد المحضر بامتلاكها ثلاثة حسابات مصرفية في فرع مصرف «بي أن بي باريبا» في شارع الشانزيليزيه في العاصمة الفرنسية.
– في ما يتعلق بشقة الأشرفية، قالت الحويك في إفادتها إنها اشترتها عام 2013 عندما كان راتبها يساوي 13 مليون ليرة بقرض قيمته 700 ألف دولار من مصرف لبنان. ومن الواضح أن هذا الراتب لا يؤهلها على الأرجح للحصول على مبلغ ضخم كهذا، فضلاً عن أن سقف القروض المدعومة في تلك الفترة لم يكن يتجاوز الـ 800 مليون ليرة، وإن كان موظفو «المركزي» يتمتعون بمزايا إضافية في هذا المجال.
أسئلة كثيرة تثار هنا: كيف «نسيت» الحويك أنها استدانت مبلغاً ضخماً من المال لشراء شقة في الرابية ومطعم في لندن لتنسب الأمر إلى زوجها؟ ما هي المصادفة التي جعلت خبيراً معتمداً لدى مصرف لبنان يفاوض على شراء الشقة؟ هل تكفي الـ 13 مليون ليرة شهرياً التي كانت تتقاضاها لتسديد قرض لمصرف لبنان بقيمة 700 ألف دولار، وقرض آخر لشقة الرابية ومطعم لندن بما يفوق المليوني دولار؟ وما هي الأعمال التي تقوم بها لمصلحة سلامة إلى حد يجعله يستخدم نفوذه للتوسط من أجل إعطائها قرضاً ضخماً بـ«ضمانته الشخصية»؟
سلّم سلامة الحويك إدارة مشاريع في المصرف المركزي من دون عقود براتب يُدفع في الخارج
تعاقدات «من الباطن»
عام 2018، أسست الحويك شركة «كلاود إكس» (CloudX) التي تولّت تنظيم المؤتمر الدولي السنوي الذي يعقده مصرف لبنان حول الشركات الناشئة. لن نتوقف كثيراً عند تضارب المصالح في تكليف مؤسسة خاصة تملكها موظفة في مصرف لبنان لعقد مؤتمر للمصرف الذي تعمل فيه. كما لن نتوقف عند ما قالته في إفادتها بأنها «لم تبلغ الحاكم بتأسيس الشركة لأنها كانت في الاستيداع». في الإفادة نفسها، تؤكد الحويك أن «كلاود إكس» (التي لم يعرف بها الحاكم؟)، كُلّفت من مصرف لبنان «ومن دون عقد خطي» بمشروع لتطوير تكنولوجيا العملات الرقمية. عملت الشركة على المشروع مع شركة «فوو» (FOO SAL) المتخصصة بالأنظمة المعلوماتية والتطبيقات. بين 2019 و2020، في عزّ انفجار الفقاعة المالية والنقدية والاقتصادية في لبنان، تعاقدت «كلاود إكس» مع «فوو» أيضاً لإطلاق «منصّة صيرفة» ومنصة استيراد المعدات الطبية والأدوية. لم تحصل «فوو» على أي من هذه المشاريع عبر فوزها بمناقصات، فيما كان ممثل مصرف لبنان الدائم في هذه المشاريع: ماريان الحويك (