فضل الله: مسؤوليتنا التكافل ومد الجسور بعدما قسموا الوطن وسرقوا موارده
أحمد موسى
كواليس — رعى العلامة السيد علي فضل الله حفل التكريم الذي أقامته مدرسة الإمام الحسين (ع) في بلدة سحمر في البقاع الغربي لتلاميذها الناجحين في الامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة بحضور حشد من الفاعليات الدينية والسياسية والتربوية والثقافية والاجتماعية والبلدية والاختيارية وأهالي الخريجين والمكرمين.
استهل الحفل بآيات من القرآن الكريم فالنشيد الوطني اللبناني، ثم قدم طلاب المدرسة نشيداً من وحي المناسبة تلاه كلمة للخريجين بعدها كانت كلمة أولياء الأمور ألقاها حسن منعم، تلاها كلمة مدير المدرسة الحاج حسين عبدالله، ومن ثم القى العلامة فضل الله كلمة عبر في بدايتها عن سعادته الكبيرة لرعايته هذا الحفل. مشيرا إلى أننا نلتقي مجددا في واحدة من المؤسسات التي بنيت من أجل الإنسان ولصقله علميا وتربويا وإيمانيا ليكون عنصرا فاعلا في وطنه وفي مجتمعه.
وأشاد سماحته بهذه الصورة النموذجية التي تعيشها هذه المنطقة وما لقاؤنا هنا إلا لنؤكد في رحاب هذه المؤسسة التي أنشئت على قواعد التلاقي والحوار والانفتاح على قيمة الوحدة الحاضنة للتنوع بين الأديان والطوائف والمذاهب والثقافات لافتا إلى أن هذا الحضور لكل مكونات هذه المنطقة يشكل تعبيرا حقيقيا عن هذه الروح الإنسانية الني يعيشها بين أبناء هذا الوطن والتي نريدها ان تعمم إلى سائر المناطق.
وقال: نحن دائما ندعو إلى تعزيز القواسم المشتركة والتفتيش عن نقاط اللقاء الكثيرة التي تجمعنا كأديان ومذاهب ومناطق، فنحن لا نريد حوار الشكليات والمجاملات التي عهدناها في هذا الوطن بل الحوار الصادق والجاد الذي نترجمه على أرض الواقع، ومن هنا فإننا نثمن كل المبادرات التي تنطلق من أجل تعزيز هذه القيمة وتقف في وجه كل من يريد اشعال الحرائق الطائفية والمذهبية ويسعى لبث روح التفرقة والانقسام والعبث بوحدتنا الداخلية أما مسؤوليتنا جميعاً فهي ان نكون الإطفائيين لكل هذه الحرائق.
واكد سماحته ان هذه المؤسسات تحمل في مضمونها الرسالة التي تريد احتضان هذا التنوع الذي أمنت به وجعلته من أهم أهدافها، فهي لم تنطلق في يوم من الأيام من خلفيات مذهبية أو طائفية بل كانت منطلقاتها وتطلعاتها إلى المشتركات الأخلاقية والوطنية والإنسانية، التي تجمعها مع الاخرين، وهي كثيرة فيما القيادات أو المشاريع الفئوية هي التي تصنع مشاكلنا حين تتجاهل كل هذه المشتركات التي تؤكدها الأديان لتركز على نقاط الاختلاف وتضخمها، وتبلغ بذلك هدف تركيز زعامتها وقيادتها تحت شعار حماية الطائفة والمذهب وما إلى ذلك ما انعكس توترا وانقساما وتعصبا وتقوقعا ساهم في زيادة الشرخ والتنازع بين اللبنانيين .
ودعا سماحته إلى ضرورة تضافر الجهود بين أفراد المجتمع وبين المؤسسات، للتخفيف من الأزمات المعيشية الحادة التي يعيشها الناس في هذه المرحلة الصعبة ، فنحن معاً نستطيع أن نتجاوز هذه التحديات والأزمات التي يعانيها الوطن ومسؤوليتنا في التكافل والعطاء لا تنحصر ضمن إطار ضيق سواء مذهبي أو طائفي أو سياسي بل لا بد ان تشمل كل محتاج وفقير، لاسيما بعد ان بات أكثر اللبنانيين يعيشون هم تأمين لقمة العيش، ومن يعجز عن ذلك اصبح يتسكع على أبواب السفارات باحثا عن تأشيرة سفر حتى يهرب من جحيم هذا الواقع الذي وصلنا إليه بسبب فشل إدارة من يتولون مواقع السلطة، الذين نهبوا البلاد، وعطلوا مؤسسات الدولة بسبب صراعات على السلطة والنفوذ حتى بتنا نعيش الشغور في موقع الرئاسة وفي الحكومة وهذا الانحدار على مختلف المستويات محذرا من التداعيات السلبية لهذا الشغور.
وطالب سماحته من يتولون المسؤولية إلى الخروج من انانياتهم وحساباتهم الضيقة والخاصة إلى فضاء الوطن حتى يبقى لأهله معتبرا ان الرهان يبقى على هذا الجيل الذين يمزج بين العلم والقيم والأخلاق ومد الجسور والانفتاح لبناء هذا الوطن على أسس أفضل.
وتوجه بالشكر إلى إدارة المدرسة من معلمين واداريين مقدرا جهودهم التي تكللت بهذا النجاح وهذه النتائج شاكرا الأهالي لتعاونهم ووقوفهم إلى جانب أبنائهم وللطلاب سعيهم ومثابرتهم لأنهم هم الأمل الباقي في انقاذ هذا الوطن ومن ثم تم توزيع الشهادات على الخريجين.
عبدالله
وكانت كلمة معبرة لمدير المدرسة الحاج حسين عبدالله قال فيها: تتعب أيدينا ونحن نهدهدهم حتى يأخذهم النوم… وتجفّ ألسنتنا في ترديد كلمات لحفظهم… وترتيل آيات… وما إن تغفو عيونهم حتى تشتاق قلوبنا لأصواتهم.. لضحكاتهم.. بل حتى لضجيجهم ومشاغباتهم.. ثم نعد الليالي والأيام لنسير وإياهم أولى الخطوات إلى الروضة، ويلوح أمامنا طيف أطفال صغار يبتغون الأمن والأمان والطمأنينة والحضن الدافئ، وهنا تبدأ مسؤوليتنا في التعليم والتربية.. نحتضنهم.. نرافقهم.. نزاملهم بانتقالهم من صف إلى صف آخر ومن حلقة إلى أخرى، حتى يغدوا بيننا.. خريجين.. شبابا في مقتبل العمر، حاملين على أكتافهم هموم المستقبل وعبء تحمل المسؤولية المجتمعية، والتي ستزداد أعباءً كلما غاصوا في بواطن العلم والمعرفة، ليأخذوا دورهم الريادي في التطور والتقدم بغية الوصول إلى الإزدهار والأمان المجتمعيين.
هذا ديدننا في صناعة إنسان المستقبل، وهكذا أراد سماحة المرجع المؤسس(رض) من بناء المؤسسات التعليمية والرعائية والثقافية، وكل ما يخدم الإنسان والإنسانية، ومنها هذا الصرح التربوي الذي عمل على بناء إنسان متعلم.. مثقف.. مؤمن بالله ورسوله.. صالحاً في مجتمعه، وهكذا أضحت المدرسة موئلا للعلم والمعرفة يتخرج منها أبناؤنا بكفايات عالية، يتحلّون فيها بالقيم الأخلاقية…؟ وهكذا تستمر المسيرة وتتجدد مع كل جيل.
ثلاثٌ وعشرون سنة مرّت على تأسيس المدرسة، حيث كانت برعما صغيرا، سقاها سماحته من فكره النيّر وغذّاها بتوجيهاته القيّمة، وأذّن المؤذّن أن حيّ على خير العمل، فانطلقت ورش العمل بكادر تعليمي وإداري لم يتجاوز الخمسة عشر شخصا، فكانت العقول المفكرة.. والقلوب الحانية.. والتعاضد والتآزر..
وبدأ التخطيط لمستقبل الأمانة التي أودعت بين أيدينا، فتزاحمت الأعمال.. وتعالت الأمال.. وسرنا في طريق ذات الشوكة متسلحين بالحكمة، والصبر، والعمل الدؤوب، وقبل ذلك وبعده التوكل على الله سبحانه وتعالى.
وما لبثت المدرسة أن أصبحت إسما رائدا في المنطقة وانموذجا فريدا في الخدمات التعليمية والتربوية، حيث احتضنت اليتيم والحالة الإجتماعية، والمغترب، وذوي الإحتياجات الخاصة.
وبالتالي نستطيع أن نزعم أن المدرسة وبفضل الجهود المبذولة، أرست ركائز أساسية لا يمكن الإستهانة بها، والتي ستكون قاعدة إنطلاق متجددة لاستكمال المسيرة، وهذه الركائز هي:
1- الكادر التعليمي والإداري المتدرّب والمتخصّص.
2- الإستقرار التعليمي والتربوي التي تشهده المدرسة.
3- ثقة المجتمع المحلي بالمدرسة وأداء العاملين فيها.
4- وقبل ذا وذاك المظلة الحاضنة والحانية لجمعية المبرات الخيرية بشخص رئيسها سماحة العلامة السيد علي فضل الله والفريق العامل.
وفي الختام نتوجه برسالتين مقتضبتين:
الأولى للهيتين التعليمية والإدارية، والثانية لأعزائنا الخريجين.
أيها المعلمون .. أنتم الذين تغرسون الفضائل في نفوس الأبناء حيث تجلسون الساعات الطوال كل يوم للتوجيه والإرشاد والتعليم، فهنيئا لكم ما تحملون من رسالة، وهنيئا لكم الأجر والثواب عند رب العباد، فإن كنت قد عاتبتكم فمن أجل مصلحتكم، وإن كنت قد قسوت عليكم فمن أجل أبناكم التلاميذ، المهم أن لا أكون مخطئا بحق أحد منكم، فعلينا أن نتعلم جميعا كيف نجعل الحياة أكثر جمالا من خلال زرع الفرح والمحبة في نفوس من حولنا (كما يقول سماحة السيد) ونحن نعيش رونق التربية والتعليم مع فلذات أكبادنا.
الرسالة الثانية للأحبة التلاميذ الخريجين:
… كطيور أيلول .. تهاجرون.. وبقيثارة الإبداع، تعزفون لحن الرحيل، تحلّقون في فضاءات المعرفة، تعرفون بعمق معنى كلمة النجاح، لأنها تعني وبكل بساطة الإصرار على متابعة الطريق للتفوّق والسموّ، تحطّون رحالكم حيث تريدون، لتستكملوا مسيرتكم، مستلهمين ممّا اكتسبتموه، من علم ومعرفة وتربية وثقافة وقيم، وستحملون كلّ ذلك أينما حللتم، وبالتالي لا خوف عليكم في رحلة الحياة هذه، فستكون لكم مكانتكم العلمية والأسرية والاجتماعية والمهنية، فكما يذكر العصفور غديره، ستذكرون غدير مدرستكم (مدرسة الإمام الحسين ع) التي ترعرعتم في محاريبها، من الروضات وحتى التاسع أساسي، حيث قضيتم ربيع العمر، تنهلون من معينها ما يغني العقل والقلب والروح والوجدان، ثمّ اليها (أي المدرسة) مآبكم، متخرجين جامعيين، معلّمين ومربّين، أومن خلال أولادكم، الذين ترون بهم أنفُسَكمُ من جديد، تلامذةً على مقاعد الدراسة، فأي وداع يليق بحلم جميل كالحلم بك أيتها المدرسة العزيزة، ولكن لا بد أن نصحوَ يوما على حقيقة الوداع والتي هي من حقيقة الدنيا التي نعيشها، وتمضي صفحات الأيام ولا صفحة تشبه أختها، فالزمان يبدع في تغيير ملامحنا ولكنه يعجز عن تغيير ما بداخلنا.. وبالنهاية ستستمر الحياة.. وتستمرّ المسيرة.. ونهج يتجدّد.
وفّقكم الله والى المزيد من النجاح والتألق.
واختتم حفل التكريم بالتقاط الصور التذكارية مع السيد فضل الله وإدارة المدرسة وأهالي الخريجين.