نتخابات اميركا النصفية: انقلاب الديمقراطيين على أنفسهم

عبير بسّام

هل بات انقلاب الساسة الأميركيين على رؤساء دولتهم عادة جديدة يتبعونها؟ وهل للأمر علاقة بعدم الثقة التي يوحي بها ممثل الحزب في موقع الرئاسة؟

شهدنا هذا الأمر لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وذلك بسبب سوء تعامله مع الأزمة التي عصفت بأميركا إبان جائحة كورونا. وما زاد الأمور سوءًا هو طريقة تعامله مع قضية جورج فلويد، الشاب الأفريقي الأميركي، الذي قتله أحد أفراد الشرطة وهو يضغط على عنقه ليمنعه من الحركة. وكأن تلك الحركة التي قام بها الشرطي الأميركي، كانت موجهة لدق عنق ترامب، إذ خنقته، وكانت أحد أهم أسباب خسارته الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، وحسم مصير ترامب نهائيًا بعد رفع الإنجيل في شهر حزيران/ يونيو 2020 أمام المتظاهرين في حديقة لافاييت مقابل البيت الأبيض، وكتبت خسارته المحتومة.

هل خان مستشارو ترامب رئيسهم؟

بعد مرور سنتين على الحادثة وهدوء عاصفة تلك الأيام، تبين أن العديد من القرارات التي اتخذها ترامب على مستوى الداخل الأميركي لم تكن صائبة، وخاصة عندما طلب من الحرس الوطني الانتشار في وجه المتظاهرين الذين دخلوا الكونجرس في 6 كانون الثاني/ يناير 2021، اذ خالف وزير الحرب مارك اسبر أوامر رئيسه ورفض نشر قوات الحرس الوطني، ووُصف ذلك يومها بالتصدع في داخل الإدارة الأميركية. والانقلاب الثاني على ترامب كان بتخلي نائبه مايك بنس عنه، حيث حضر للشهادة ضده في قضية الهجوم على الكونغرس ووقف ضده وقبل بنتائج الانتخابات التي أقرها الكونغرس آنذاك. وأما الانقلاب الثالث عليه فكان في ما نشره جون بولتون في كتابه “الغرفة التي شهدت الأحداث”، حول ما سمي يومها بفضائح ترامب، استخدم الكتاب قصص ترامب لأنه كان وما زال مادة إعلامية خصبة جاذبة.
ما كان يحدث في أمريكا يومها لم يحدث حتى في أيام جورج بوش الابن الذي تنهال اليوم عليه اللعنات والاتهامات بالكذب في أي منتدى يستضاف للحديث فيه، ويتهم في كل منتدى بقتل العراقيين وارتكاب المجازر، وتخريب البلد وإدخال “داعش” والمنظمات الإرهابية عليه. حتى أن ترامب في هذه الأيام يهاجم ليس فقط الديمقراطيين، وقد تابعنا ما فضحه عن علاقة إدارة أوباما، وبخاصة هيلاري كلينتون، وعلاقتهما بإنتاج “داعش” من رحم تنظيم “القاعدة” في أفغانستان. يقول ترامب اليوم من خلال مقاطع الفيديو التي ينشرها إن صدام حسين كان يقاتل الإرهابيين، و”داعش” بالذات، ولم يكن لديهم وجود إبان حكمه في العراق، ولكن بعد احتلال العراق فقد سهل بوش الابن نمو هذا التنظيم ليصبح خطراً ليس فقط على العراق بل في العالم كله. ومع ذلك نحن لم نشهد الانقلاب على رئيس كما شهدناه على ترامب، ولا حتى على ريتشارد نيكسون بعد فضيحة ووترغيت في العام 1968.
الانقلاب على جو بايدن هو أكبر بكثير مما يمكن وصفه، وكأنها “كارما” تتربص بالرجل. فاليوم تعود إليه جميع التهكمات والاتهامات التي أمطر بها ترامب. ولكن ما يحدث معه أسوأ، أو لربما أن الأضواء التي وضع نفسه تحتها أخرجت عيوبه للعلن وكأنها مارد قفز من القمقم. فهو بالنسبة للأمريكيين رئيس خرف، أوصل بقراراته الدين العام إلى أكثر من 31 تريليون دولار فتسبب بارتفاع أسعار المحروقات، وهو أمر لم يعتده الأميركيون، وتسبب بالتضخم المالي الكبير والمترافق مع ارتفاع أسعار السلع، ولم يفِ بالوعود الانتخابية بتحسين الأوضاع، ودخل إلى أمريكا في عهد بايدن أكثر من مليوني مهاجر غير شرعي، وتتفاقم اليوم قضايا الهجرة غير الشرعية بسبب ارتفاع تكاليفها وخاصة الصحية على البلاد، وهناك محاولات متكررة لانفصال تكساس منذ أشهر، وفيما يبدو أن هذه القضايا جميعها تتعلق بالداخل الأميركي، فالأميركي تمت تربيته وتأهيله ليكون مستهلكاً بالدرجة الأولى، وسياسات بايدن الاقتصادية ضربت المستهلك الأول عالميًا في مقتله.

وأخطر ما يواجهه بايدن انفضاض الأميركيين الأفريقيين والملونين من حول الحزب الديمقراطي. فما يعرض على وسائل التواصل الاجتماعي يعتبر مؤشرًا خطرًا، حيث عرض أحدهم مشهدًا لبايدن وهو يقول كلامًا غير مفهوم على منصة مقابل الإعلاميين، وبعدها عرضت عظة لأحد القساوسة السود وجاء فيها: “إن أمتنا قد جنت”، وقال ساخراً: “وأتمنى أنكم ما زلتم تحبون رئيسنا”، “إذ إنه وخلال سنتين مرّتا قد أفسد بلدنا، فقد تسببت قراراته برفع سعر غالون البنزين من 2 إلى أربعة دولارات”. ثم يضيف: “لنتحدث حول ما يمكن أن يربط دور هذه الحكومة بحياتنا اليومية. هذه الحكومة مررت مليوني مهاجر من المكسيك ثم حملتهم بالطائرات من ولاية مكسيكو إلى ولايات مختلفة، وأسكنتهم في فنادق على حسابها، أي على حسابكم أنتم”. أي على حساب دافعي الضرائب! ويعلق بيني جونسون، صاحب الموقع الذي يتابعه الملايين “إذا ما كان القساوسة السود يتحدثون بهذه الطريقة فلن يبقى هناك بايدن”.

وما أخذ على بايدن فيما يتعلق بالسياسة الخارجية هو لقاؤه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قاتل الخاشقجي، وسرب الإعلام الأميركي، أن بايدن جاء إلى السعودية ليطلب زيادة في ضخ البترول من أجل خفض تكاليف المحروقات في بلاده، ولم يستجب لطلبه، فوضع بايدن بذلك سيادة الولايات المتحدة في موقف ضعيف، ووضع نفسه في موقف أسوأ مما هو حاله عليه في الداخل. وأول من انتقده كان جمهوره!

واليوم إذا فتحت اليوتيوب لمشاهدة خبر، أو مقطع فيديو، تتزاحم المقاطع التي تهاجم فيها النائب تولسي جابارد بايدن والديمقراطيين بشدة، وحتى انها أعلنت على موقعها الذي يتابعه الملايين من الأمريكيين أنها قد انفصلت عن الحزب الديمقراطي وأنها ستتابع العمل السياسي كمستقلة. تلقى جابارد مساندة وتاييدا كبيرين من متابعيها، وقالت متهمة الديمقراطيين وبخاصة المتحدثة باسم الكونغرس نانسي بيلوسي بأنها تسخّر محاربة العنصرية لتحقيق مآرب البيض، وبأنها تعلم بكل شاردة وواردة تحدث في الكونغرس، ولذا فهي ليست بريئة من أي من القرارات التي تتخذ في البلاد. وأعلنت في لقاءات مختلفة منها على تلفزيون “فوكس نيوز” وفي لقاء اذاعي على الانترنت، تاون هول، وفي محطات مختلفة أنها: “غير قادرة على صنع الإصلاح في الحزب من الداخل، والذي لا يمكن إنقاذه”.

ترى جابارد أن رئيس البلاد والقائد العام للقوات العسكرية قد فقد توازنه. واتهمته بأنه لا يهتم لشؤون الناس، وهذا ما يجب أن يكون في طليعة أولويات أية إدارة حاكمة، وهذا الكلام لا ينطبق على الإدارة الحالية. وأضافت: “الذين يقسموننا بالعنصرية في كل قضية،

ويراكمون العنصرية ضد البيض، وفوق كل شيء يجروننا أكثر من أي وقت مضى إلى حرب نووية”. وتابعت أن الحكومة الحالية تعمل جاهدة من أجل مصالح النخب في أمريكا، متابعة دعواتها لزملائها الأحرار للانضمام إليها في الانفصال عن الحزب الديمقراطي، خاصة “اذا ما كانوا غير قادرين على تحمل توجهات إيديولوجيات الحزب الديمقراطي المستجدة والتي تبتلع بلدنا، ومدفوعة بوقاحة جبانة”، ويبدو أن جابارد متيقنة من وجود هؤلاء.

إذًا عندما نشأت المعارضة في داخل الحزب الجمهوري خسر ترامب الانتخابات الماضية مع أن مناصريه استمروا بالتضامن معه، فما الذي يستبعد أن لا تتسبب المعارضات في داخل الحزب وجمهوره من الديمقراطيين بخسارة الانتخابات النصفية؟

شاهد أيضاً

قرغيزستان تحجب تطبيق تيك توك بحجة حماية الأطفال

أكثر من مليار مستخدم نشط في أنحاء العالم كافة يستخدمون التطبيق الذي يواجه تحديات جمّة. …