هذيانُ الوجود

د. عباس وهبي

عصفورٌ تائهٌ يرتعشُ تحت المطر …
أوراقٌ صفراءُ تتناثرُ في كلّ حدبٍ وصوب
الشمسُ نزلت من السماءِ على سلالمِ النور
جلست على مصطبةٍ عتيقة
كان يعشق الجلوسَ عليها فلّاحٌ أنهكه التعب ….
التلّةُ الشامخةُ تودّ لو تخلعُ ثوبَ الكبرياءِ المنسدلَ عليها
من أولئك المتوهمينْ…
طردتِ المديحَ والمصفقينْ
إلى قعر الوادي …
راحتْ تُولولُ
قدْ سرقوا وجهَ القمر!!
سئمتُ من خَشيتي و من بؤسِ الآخرينْ
و توحّشِ البشرِ
هكذا زقزقَ ذلك الكناريُّ وراءَ القضبان!
غربةٌ في الوطن ؟!
لا وألفُ لا
هو وطنٌ في الغربةْ يمسحُ عرقهُ من الخجلْ
تعلو هامتهُ الندْباتْ
من خطفَ الأملْ؟!
قد قمعوهُ بالعُصيِّ
والخناجر ْ
فلتسكتْ الحناجرْ
فذرفت الشمعاتْ
نوراً شجيّاً كان يسرحُ
في السمواتْ
و أزّ الرصاصُ بين الأشباح !
أهو نبيٌّ قام من بين الموتى ؟
أم موتى قاموا ليحيوا الأفراح؟
لست أدري!
السنابلُ خجلى من المنجل !
أليس المروّجُ أنَّ المنجلَ
هو السفّاكْ ؟
هو الذي يجبُ أن يخجلَ …
لكنّ المنجلَ رمزٌ للكدِّ
للجدِّ للحصادْ
لحثّ السنبلِ
على البذْلِ
المنجلُ يعشقهُ الأحرارْ
لكنّ الأكمةَ تختبىءُ وراء الأكمةِ
إنّ البيضةَ وُجدتْ قبلاً
والدجاجُ قوْقأَ فوق القِشرة
إنّ الجدّاتِ زواحفٌ كانت تبيضُ في تلك الحقبة …
مثقفون يجتمعون حول آلهةٍ من نتنْ نزعوا ثوبَ الطينِ
في غفلةِ الزمنْ
يُهلّلون ، يطوفون
يبدون كالحلازين التائهةِ في الحقول ، …
في عرسِ البصرِ
ترقصُ البصيرة
و في عتمةِ البصيرة
يكثرُ الجلادون ….
لمن زرعنا النورَ
أيها الضررة ؟
ليس لكي ينتشي البصرُ وحده
بل لكي تثملَ البصيرة
من خمرةِ ضُحكات الكون !
ليسَ كي تستبدَّ تلك الأفاعي الكبيرة …
الرحيلُ يا قابيلْ
الموتُ لهابيلْ
الثرواتُ للرذيل
السرقاتُ للأمير
أهلِ اللعناتُ تروي عطشَ الرياح؟
لا وألفُ لا
دعِ الجمرَ يحترق
حتّى يولدَ الضوءُ
من رحمِ الفحم الأسود !
الفارسُ منزوعُ العينين
يهرعُ به حصانُ الغباء
نحو الغاباتِ الكثيفة
هناك الضياعُ
في مملكةِ الفكرِ الأعمى
هناك الهباءْ
حيث أخذتِ العقولُ
إجازاتِها التي لم تحنْ بعد !
هسهسةُ الرغيف و هو يتلوى
يُعلن أنّ الأرضَ تدورُ حولَ الشمسْ
ِ و أنّ الشمسَ تدورُ حول الآه بهمسْ
وأنّ الآهَ بل الدنيا تدورُ حول الرغيف
كلّ يومٍ يقتلونهُ حرقاً
حتى يؤكل!
هي تلك العاشقةُ الخائفةُ رسمت عينيها الفضّيتين في قالبِ وجهٍ
فبدا السحرُ على مُحيّاها عاشقاً
ولكن هل تعشقُ نفسها؟
فذاك الروميو مصلوبٌ حول عينيها
يدورُ حول الشفتين
ويذوبُ في احمرارِ الخدين
ثمّ ينامُ على فراشِ الحلمِ
ويضعُ جنبهُ قنديلاً أزرقَ كي يبقى النهارُ حيّاً في سراديب العتمة !
صمتَ القومُ على حافة الهاوية
لكنّ الهاويةَ ارتعدتْ
في تلك الأزمةْ
ولم يرتدعْ ذاك القتيلُ الحيُّ المصلوبُ على أنيابِ الجوع …
زيفٌ زيفٌ يجولُ كالمجنون
كانت الجريدةُ قهوةَ الصباح
وكان الصباحُ يبزغُ من الجريدة
التي انطوت فيها الشموس …
نزْفٌ نزْفٌ حتّى الردّة
دجلٌ كأبناء الأزقّة يهرعُ بين البيوتاتِ
منكوشَ الشعرِ
يركضُ وراء فراشاتِ الربيعِ التائهةِ
التي
لم تعد تعثرُ على الزهراتِ
في الحقولِ
فقد جُمعت في إكليلٍ كبيرٍ
رُسمَ عليهِ الوطن !
عباس وهبي
05/11/2021

شاهد أيضاً

الجميع يتاجر بفلسطين

جمال اسعد  يزخر التاريخ بحوادث ووقائع ميليودرامية تتخطى العقول وتتجاوز المعقول ولكن المشكلة الفلسطينية قد …