الشراكة الصينية ـ الإيرانية فرصة للشرق العربي.. نوعٌ جديد لموجهة أميركا الشاملة

“برنامج التعاون” استثماراته تقدر بنحو 400 مليار دولار على مدى 25 عاماً

أحمد موسى

ما أعلن حول الاتفاقات الاقتصادية والمالية بين الصين وإيران، يشير الى نواة تكتّل جديد ستنهض بنتيجته “قوة اقتصادية عملاقة في الشرق والعالم”، مشكلاً بحدّ ذاته فرصةً ثمينةً لسورية ولبنان والعراق واليمن، حيث إيران تعطي أولوية توجهاتها لشركاء محور المقاومة

برنامج التعاون المشترك

في طهران جرى التوقيع على “برنامج التعاون المشترك” بين الصين وإيران والذي تقدر استثماراته بنحو 400 مليار دولار على مدى 25 عاماً، ويشمل برنامج التعاون في مجالات الطاقة والنفط الخام لجهة الإنتاج والنقل والتكرير والبتروكيماويات والطاقة المتجددة والطاقة النووية، الطرق السريعة والسكك الحديدية، والتعاون المصرفي والسياحي والعلمي والاكاديمي وتحسين الظروف المعيشية ومجالات أخرى مهمة.

مبادرة الحزام والطريق

توقيع الاتفاق وقّع عليه عن الجانب الإيراني وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وعن الجانب الصيني وزير الخارجية الصيني وانغ يي، استتبع حينها جولته الإقليمية وشملت دول عدة، من بينها السعودية وتركيا، جولة من المؤكد نقل محاور “برنامج التعاون المشترك” بين الصين وإيران إلى قيادات تلك الدول، وفيها جملةً من الرسائل “الواضحة والصارمة”.
وكان مجلس الوزراء الإيراني أقر هذا البرنامج في حزيران الماضي، وهو اتفاق مهم سيكون فيه للنفط والغاز والبنى التحتية شأن كبير، وتعتبره الصين محطة مهمة جداً في مشروعها العالمي القاضي باحياء ما كان يعرف قديماً بـ”طريق الحرير”، وذلك في اطار جديد عنوانه: “مبادرة الحزام والطريق”.

أفق التعاون الاقتصادي

أولا: إن هذه الشراكة تؤشّر الى أفق واسع للتعاون الاقتصادي بفضل ما لدى الصين من مزايا تقنية وصناعية متطورة ولقوتها الاقتصادية العالمية، التي وصفها علماء وباحثون في الغرب والشرق بأنها تحوّلت الى قطب عظيم واسع والتأثير، وصفه البعض بأنه استطاع أن يتحوّل في زمن قياسي الى “إمبريالية سوق”، باتت قادرة على غزو جميع بلدان العالم وربطها بمصالح مشتركة.
يركّز علماء الاقتصاد السياسي في الغرب على مزايا القوة المالية الصينية الضخمة والطاقة الاستثمارية، التي يوظّفها الصينيون في مشاريع التعاون الصناعي والزراعي وتنمية الطاقة المنتجة عند البلدان، التي تشاركها الصين، وهذا أمر يختلف جوهرياً عن توجّهات الإمبريالية الغربية بجميع دولها، ولا سيما الولايات المتحدة، التي حوّلت البلدان التابعة في العالم الثالث الى أسواق استهلاك، دُمّرت فيها فرص النمو ومرافق الإنتاج، والميزة الصينية النوعية لا تقوم فحسب، على احترام سيادة الدول وخياراتها الوطنية، بل إنها تحاكي فرص التنمية الاقتصادية وتعزيز القدرات الوطنية لدى الشركاء وتكافؤ الفرص في التجارة البينية، وأهمية الاستثمارات الصينية في العالم الثالث أنها تركز على خطط الآجال الطويلة لتنمية الصناعة والزراعة وتطوير الصادرات.

التجارة البينية

ثانيا: في جميع الشراكات الصينية مع دول العالم الثالث كان تطور التجارة البينية مع الشركاء ونمو الصادرات الصينية الى الدول الأخرى مرتبطا بالحقائق الاقتصادية، والصين، التي يصفها بعض الباحثين بـ”إمبريالية السوق” نظرا لحجم انتشار منتجاتها واتساع نطاق نشاط استثماراتها المالية والاقتصادية في الخارج، تقيم علاقات متكافئة في خارطة المصالح المشتركة مع الدول الأخرى، وتحترم السياسات العليا للشركاء، وبالتالي فهي تقدم فرصا تاريخية للنهوض باقتصادات البلدان الشريكة في العالم الثالث، وتساهم في نقل التكنولوجيا وتطوير الصناعة والزراعة وتنمية الموارد الوطنية لشركائها.

نزعة الهيمنة والنهب الإستعماري

لذلك فإن الشراكات الصينية بعيدة عن نزعة الهيمنة والنهب، التي لازمت ولا تزال نهج الغرب الاستعماري بجميع دوله، حيث تّقيَّد الدول بشروط خانقة وتُقرَن المساعدات والهبات والقروض بإملاءات مهينة، تمسّ بالسيادات الوطنية للبلدان، وتتحول معها الدول الأخر الى أسواق استهلاك للسلع الغربية، بينما تُنهَب الثروات دون قيد أو شرط لمصلحة الشركات الأميركية والغربية، ويَقترن كل ذلك بأخطبوط بنكي متعدّد الجنسيات، يلقي القبض على روح التنمية وفرصها.

لتحرير لبنان من قبضة الهيمنة الغربية

ثالثا: إن لبنان بموقعه وبطاقته البشرية وبالفرص المقبلة، التي قد تنطوي عليها مكتشفات النفط المحتملة في المياه الإقليمية، يقبل على إمكانات تنمية موارد اقتصادية متنوعة وتحقيق قفزة هائلة في معدلات النمو خلال العقود القادمة، ولكن ذك يتطلّب التحرّر من قبضة الهيمنة الغربية، ومن الأفكار المتخلّفة، التي تبقي البلد مستعمرا وخاضعا للهيمنة، وتجعل الشعب مستَلَبا لفكرة التبعية للغرب ولوظيفة السوق الخاضع للهيمنة، بينما البلد اليوم يستغرق في انهيار خطير وكارثة كبيرة، في حين يدور الاهتمام السياسي حول “السفاسف” والهوامش السخيفة في استلاب وارتهان لأخطبوط الهيمنة الأميركية والغربية والانخلاع الثقافي، الذي نجد منوعاته في صحفنا، بتكرار مضجّر لمفردات الارتهان للغرب ولنمط الاستهلاك البائس، وبالتالي إغلاق العيون والعقول عن تحولات كبرى في العالم والمنطقة، تفترض التخلّي عن إدمان البلاهة والتخلّف، وتطوير أفكار جديدة وخلّاقة، تتوسل فرص النهوض من الكارثة، ومن المؤسف أن يخلو الإعلام اللبناني، بمعظم منابره، من أي مبادرة جدية للمساهمة في تفكير جديد يناسب التحوّلات، وهذا المستنقع الثقافي والإعلامي لا تعوّضه مصنفات الادّعاء الفارغ والخطب الرنانة عن المعجزة المفقودة، بينما تزدحم الكوارث على أبواب البلد، وتقرع بشدّة.
إن الظرف العالمي المتحوّل يقدّم لنا فرصة تاريخية يجب التقاطها والتفكيَّر بطريقة جديدة بعيدة عن إدمان التبعية والتخلّف، فالتوجه شرقا هو حبل النجاة، وغيره مستنقع موحل للدماء والأزمات، والآتي أدهى من كلّ ما سبق.

وانغ يي

وقال عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي، خلال اجتماعه مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، إنه بغض النظر عن كيفية تغير الأوضاع على الصعيد العالمي، فإن الصين “لديها رغبة لن تتغير في تطوير العلاقات الصينية ـ الإيرانية”، فالشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وإيران “صمدت أمام اختبار التغيرات التي شهدها الوضع الدولي”.
وفي معرض إشارته إلى أن العام الجاري يوافق الذكرى الـ50 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، قال وانغ “إن وثيقة التعاون الشامل” التي وقعها الجانبان “ستضع مخططاً شاملاً لتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وإيران”، وستعمل ليس فقط على نفع شعبي البلدين، ولكن أيضاً على “الحفاظ على السلام الإقليمي والعالمي”.
لافتاً إلى “أن الصين تدعم إيران بقوة في الدفاع عن سيادتها وكرامتها الوطنيتين، وحماية مسار التنمية الذي تختاره”، وبغض النظر عن الماضي أو الحاضر أو المستقبل، فـ”إن الصين لديها موقف ثابت إزاء معارضة العقوبات الأحادية غير المعقولة المفروضة على إيران من جانب دول أخرى، لأنها تنتهك القانون الدولي، لا سيما تلك العقوبات القائمة على الأكاذيب والمعلومات الخاطئة، لافتا إلى أنها غير أخلاقية ولا تحظى بشعبية وتمثل إهانة للضمير الإنساني”، فالصين على استعداد للعمل مع إيران والدول الأخرى “للتصدي بشكل مشترك لأعمال التنمر التي تقوم بها بعض القوى، ودعم الإنصاف والعدالة على الصعيد الدولي، والدفاع عن الأعراف الأساسية للعلاقات الدولية”.
مشيراً، إلى أن الوقت قد حان للتفكير بجدية في العواقب السلبية التي تلحق بالمنطقة جراء التدخلات الخارجية، و”العمل سويا لاستكشاف طرق فعالة للحفاظ على الأمن والاستقرار على الصعيد الإقليمي على المدى الطويل”، والسعي لإيجاد مسارات تنموية مناسبة للظروف الوطنية لدول المنطقة، و”وضع إطار أمني يتماشى مع مصالح هذه الدول”، معرباً عن “استعداد الصين للعمل مع دول المنطقة لتحقيق هذا الغرض”.
ورأى وزير الخارجية الصيني إن انسحاب الإدارة الأمريكية السابقة أحادي الجانب من الاتفاق النووي، يمثل “سابقة سيئة لعدم الامتثال للاتفاقيات الدولية، وأدانه المجتمع الدولي بأكمله”، معرباً عن ترحيب الصين برغبة الحكومة الأمريكية الجديدة في “العودة إلى الاتفاق”، فالصين “تؤمن بأن حماية الاتفاق تعني دعم التعددية وسلطة مجلس الأمن الدولي”، فالاتفاق ليس باباً دواراً، وينبغي ألا يغادره أحد أو يعود إليه متى شاء، داعياً “واشنطن إلى التفكير في الضرر الذي ألحقه انسحابها من الاتفاق، بالسلام الإقليمي والاستقرار الدولي”، وكذلك الخسائر التي لحقت بالدول المعنية جراء هذا الانسحاب، فـ”رفع العقوبات أحادية الجانب ضرورة ضد إيران، وإجراءات الولاية القضائية طويلة الذراع ضد دول أخرى، من بينها الصين، في أقرب وقت ممكن”.

روحاني

من جانبه، قال الرئيس الإيراني إن كل الأوساط في بلاده “تعد الصين أهم شريكة لإيران”، فالزيارة التي جرت عام 2016 كانت ناجحة بل و”عزّزت التطور الكبير للعلاقات الإيرانية ـ الصينية”، وأن توقيع وثيقة التعاون الشامل بين البلدين “سيوضح خريطة الطريق للتعاون المستقبلي بين البلدين”، أملاً في تعزيز إيران تعاونها مع الصين في مكافحة مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، وتعميق التعاون متبادل المنفعة في “مختلف المجالات”، وتعزيز التعاون في “مكافحة الإرهاب”، فإيران والصين تشتركان في المواقف نفسها أو في مواقف متشابهة بشأن “قضايا إقليمية وعالمية”، فإيران تؤيد حل المشكلات من خلال “الحوارات وتأمل في زيادة تعزيز تنسيقها مع الصين إزاء الحفاظ على الأمن الإقليمي”.
وقال روحاني إن خطة العمل الشاملة المشتركة، اتفاقية متعددة الأطراف، و”ينبغي للولايات المتحدة عدم فرض أي شروط مسبقة لاستئناف تنفيذها للاتفاق النووي، وعليها التحرك أولاً”، فإيران تُقدّر الدور المهم الذي تضطلع به الصين في الحفاظ على الاتفاق، واستعداد بلاده لتعزيز اتصالاتها وتنسيقها مع الصين في هذا الشأن، فالاتفاق بين إيران والصين “إنجاز مهم للتعددية تم تحقيقه بشق الأنفس”.

شاهد أيضاً

الرحالة الكاتب عدنان عزام لرئيس تحرير (سيرياهوم نيوز):

اعتقلتني الشرطة الفرنسية في مطار ديغول وأوقفتني في زنزانة نتنة لمدة 24 ساعة وأساءت لي …