في ذكرى رحيله، ما يزال عبد الحليم حافظ، “حكاية شعب”…

زياد سامي عيتاني

أهي صدفة؟ أم أنه موعد مضروب مع القدر أن تتصادف ذكرى رحيل ” صوت الثورة” عبد الحليم حافظ، مع ذكرى يوم الأرض الفلسطينية!؟
ليس غريباً هذه المصادفة الملفتة، فالعندليب الراحل عبدالحليم حافظ كان أكثر الفنانين المؤثرين لدى الجماهير المصرية والعربية، التي تعلقت به وأحبته، كونه لعب دوراً هاماً في الثورة المصرية عام 1952، حتى أنه لقب بأنه “صوت الثورة”…


فقد إعتبر عبد الحليم فتى مصر الأول والمعبر عن شبابها وصوت الرومانسية والحب منذ خمسينيات القرن الماضي، وفي نفس الوقت صوت الثورة والمقاومة والقومية العربية، الذي أصبح رمزاً وتحول لأسطورة في أقل من 25 عاماً قضاها بين فنه ومرضه، حتى وفاته في 30 آذار من العام 1977 عن عمر يناهز 47 عاما، حيث غنى لثورة ٢٣ يوليو المجيدة وللزعيم عبد الناصر ٦٧ أغنية ونشيداً…

•مطرب السلطة!؟:
رغم أن عبد الحليم بدأ إحتراف الغناء قبل سنة من ثورة”23 يوليو 1952″، إلا أن نجاحه لم يبدأ إلا مع إعلان ميلاد الجمهورية سنة 1953، عندما غنى في حفلة أمام مجلس قيادة الثورة آنذاك، مما جعل الجماهير المصرية والعربية يطلقون عليه لقب “مطرب الثورة”.
رغم أن البعض إتهمه بأنه “مغني السلطة”، إلا الحقيقة التاريخية تؤكد أنه كان عبد الحليم فعلاً “مغني السلطة”، لكن السؤال: “ما هي السلطة”؟ السلطة التي كان عبد الحليم رجلها هي السلطة الناصرية، والتي غنى لها كثيرون من شعراء ورسامين وممثلين وكتاب، وكلهم تقدميون ويساريون أو ذووا نزعة إجتماعية تنحو للعدالة، كصلاح جاهين وسيد حجاب وعبد الرحمن الأبنودي. هؤلاء هم الذين كتبوا الكلمات التي غناها عبد الحليم للمرحلة الناصرية.”

•اللقاء الأول مع عبد الناصر:
كان يصنف عبد الحليم بأنه السلاح السري لعبد الناصر والثورة، وعلاقة عبد الحليم حافظ بضباط ثورة يوليو بدأت قبل إندلاع الثورة بحوالي ستة أشهر، فقد كان محيي سالم الشقيق الأكبر لصلاح سالم صديق وجار عبد الحليم حافظ، وفي شهر نوفمبر عام 1952 أي بعد قيام الثورة ذهب عبد الحليم إلى مجلس قيادة الثورة بالجزيرة واستقبله الدكتور عبد القادر حاتم وقدمه صلاح سالم إلى الرئيس جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وأنور السادات وللوهلة الأولى أدرك عبد الحليم حافظ أن جمال عبد الناصر الذي كان وزيرا للداخلية في ذلك الوقت هو مفجر الثورة واستمر اللقاء نحو 30 دقيقة، وخلالها تحدث الرئيس جمال عبد الناصر عن دور الفن في بناء المجتمع والتعبير عن الثورة وقال لعبد الحليم حافظ: “أنت ابن هذه الفترة وأنا أعرف ماحدث عندما غنيت في حفل أمام جمهور الإسكندرية، وأن الناس لاترفضك ولست فاشلاً، لكنك أسلوب جديد في الأداء”.

•مولده الفني في عيد الثورة:
كان مولد عبد الحليم حافظ في عالم الغناء من نتاج ثورة 23يوليو. فقبل ساعة من ظهوره على مسرح الأزبكية ليغني في الإحتفال بمرور سنة على قيام ثورة تم الإعلان عن إلغاء الملكية لتصبح مصر جمهورية، وفي الثانية عشرة مساء قدم الفنان يوسف وهبي مسؤول الحفل عبد الحليم حافظ قائلاً : “مع إعلان ميلاد جمهورية مصر العربية سنقدم لكم ميلاد مطرب جديد إسمه عبد الحليم حافظ”… وغنى عبد الحليم وصفق الجمهور طويلاً.


وبعد إستفتاء عام في 23 يونيه عام 1956 تم انتخاب الرئيس جمال عبد الناصر رئيساً لجمهورية مصر، فاجتمع الشاعر صلاح جاهين والموسيقار كمال الطويل والفنان عبد الحليم حافظ وقدموا أول أغنية وطنية “إحنا الشعب”… وذات مساء كان محمد حسنين هيكل في مقر مجلس قيادة الثورة فشاهد الرئيس جمال عبد الناصر في الشرفة يغدو ذهاباً وإياباً في سعادة بالغة وكان يستمع للأغنية التي ألهبت خيال الشعب وأخذ كل مصري يرددها وأصبح عبد الحليم حافظ من أوسع المصريين شهرة وكانت اللازمة في الأغنية ( سبنا في إيدك مصر أمانة ) وقال الرئيس جمال عبد الناصر لهيكل: “أحسست بشعور غريب وأنا أسمع هذا التعبير ( سبنا في إيدك مصر أمانة ) إن مصر فعلاً في ظرف خطير وهى بالفعل أمانة مرهونة على حسن تصرفنا وعلى شجاعتنا في المواجهة.

•الصحف البريطانية تصفه بالمؤثر الأكبر في الجماهير:
تحدثت الصحف البريطانية عن عبد الحليم حافظ ووصفته أنه أحد أهم كوادر ثورة يوليو وأكثرها تاثيراً في الجماهير العربية فقد كتبت الصنداي تايمز عام 1963 مقالاً طويلاً ذكرت فيه أن عبد الحليم حافظ وصل إلى مركز سفير كبير دون أن يفعل شيئاً سوى غناء الألحان العاطفية والحماسية التي تلهب مشاعر الجماهير .
ثم أضافت الصنداي تايمز : إن سر شهرة عبد الحليم حافظ يمكن أن نجده في عنوان أغنيتيه “المسئولية” و”حكاية شعب” وقالت التايمز : إن عبد الحليم حافظ هو أحد الأسلحة السرية التي يستخدمها جمال عبد الناصر لنشر رسالة الثورة .

•أيقونة الثورة:
لقد كان عبد الحليم معبراً عن مرحلة بالغة الحساسية والأهمية في التاريخ العربي في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي، فقد نفض تراب اليأس من قلوب المصريين ومن ورائهم الجماهير العربية بعد نكسة حزيران عام 1967 برائعة “عدى النهار”.كما أنه شد من أزر الجيش المصري البطل في حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 برائعة “خلي السلاح صاحي” قبل أن يرحل عنا جسداً عام 1977.
إن الأجيال التي عاشت تلك الفترة وحتى حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 وبعدها بقليل تتذكر أغاني العندليب الوطنية المعبرة والمؤثرة مثل “فدائي” و”صورة” و”ذكريات” و”عدى النهار” و”حكاية شعب” و”السد العالي” و”حبيب الملايين” و”خلي السلاح صاحي” وغيرها، والتي كان عبد الحليم يؤديها بصوته القوي وإحساسه المرهف، وهي أغان سبقت عصرها، وفق الكثير من النقاد.
فالجماهير العربية طوال تلك الحقبة الزمنية المفعمة بالحماسة والعنفوان كانت تردد، لا بل تصدح حناجرها مع شباب مصر رائعة العندليب “فدائي” التي كتبها الشاعر عبد الرحمن الأبنودي:
“لو مت يا أمي متبكيش
راح أموت علشان بلدي تعيش
أفرحي يُمه وزفيني �وفي يوم النصر افتكريني..
وإن طالت يُمه السنين
خلي أخواتي الصغيرين
يكونوا زي فدائيين…”

وكذلك رائعة صلاح جاهين “صورة”:
“صورة صورة صورة كلنا كدة عايزين صورة�صورة صورة صورة تحت الراية المنصورة�صورة صورة صورة كلنا كدة عايزين صورة�صورة للشعب الفرحان تحت الراية المنصورة�يا زمان صورنا صورنا يا زمان�حنقرب من بعض كمان�واللي حا يبعد م الميدان�عمره ما حيبان في الصورة”

•الأغاني الوطنية:
قدم عبدالحليم حافظ نموذجاً فريداً وناجحاً في الأغنية الوطنية بشكل عام، بين الأغنية ملتهبة الحماس مثل “خلّي السلاح صاحي” و”أحلف بسماها” إلى الأغنية “الوطنية_العاطفية” مثل “صورة” و”عدّى النهار”، وكذلك الأغنية التاريخية لتلك الفترة مثل “حكاية شعب” والتي روى فيها معاناة مصر في ذلك الوقت أمام الاستعمار الأجنبي والعدوان الثلاثي وبناء السد العالي.
وفيما يلي أبرز أغاني عبد الحليم الوطنية:
« العهد الجديد «سنة 1952: أول نشيد وطني غناه عبد الحليم حافظ في حياته، من كلمات محمود عبد الحي وألحان عبد الحميد توفيق زكي، وقد غناها عبد الحليم بعد قيام ثورة 23 يوليو.
«إحنا الشعب»، أول أغنية يغنيها حليم للرئيس جمال عبد الناصر بعد اختياره شعبياً لأن يكون رئيساً للجمهورية سنة 1956 وهي أول لقاء فنى بين الثلاثي عبد الحليم والملحن كمال الطويل والشاعر صلاح جاهين.
على ارضها أو أغنية المسيح، التي تتغنى بالقدس من كلمات عبد الرحمن الأبنودي وألحان بليغ حمدي وتوزيع علي إسماعيل.
«ابنك يقولك يا بطل» من كلمات عبد الرحمن الأبنودي، لحن كمال الطويل.
«حكاية شعب» سنة 1960 من كلمات أحمد شفيق كامل ولحن كمال الطويل، وذلك في حفل أضواء المدينة الذي أقيم بمدينة أسوان للإحتفال بوضع حجر الأساس بيناء السد العالي.
«أحلف بسماها» 1967 التي وعد حليم أن يغنيها في كل حفلاته إلى أن تتحرر أرض مصر في سيناء.من كلمات عبد الرحمن الأبنودي وألحان كمال الطويل.
«عاش اللي قال» أول أغنية غناها عبد الحليم بعد نصر أكتوبر1973 من كلمات محمد حمزة وألحان بليغ حمدي.، وكانت أول أغنية أشاد فيها بدور الرئيس محمد أنور السادات في انتصار مصر .
«النجمة مالت على القمر» 1975 كلمات محسن الخياط وألحان محمد الموجي، و»المركبة عدت» من كلمات مصطفى الضمراني وألحان محمد عبد الوهاب بعد إعادة افتتاح قناة السويس للملاحة العالمية
«نشيد الوطن الأكبر» من كلمات أحمد شفيق كامل «والحان محمد عبد الوهاب
«صورة» غناها في عيد الثورة في 23 يوليو 1966 كلمات : صلاح جاهين الحان : كمال الطويل
مطالب شعب بمناسبة العيد العاشر للثورة 23 يوليو 1962 كلمات : احمد شفيق كامل الحان : كمال الطويل توزيع : علي إسماعيل.
فى عام 1956 أثناء العدوان الثلاثى، ظهر نشيد «الله أكبر فوق كيد المعتدى» والذى لحنه محمود الشريف وكتبه الشاعر عبدالله شمس الدين، فأصبح شعاراً ناجحاً وقتها.
البندقية اتكلمت كلمات : عبد الرحمن الابنودى الحان : كمال الطويل.


*
لا أحد يستطيع أن يفسر سر تعلق قلوب الجماهير بعدالحليم حافظ ذات الملامح المصرية السمراء والبسيطة الفرحة والممزوجة بألام الوطن والجسد…

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.

شاهد أيضاً

علامة: “هناك وحدة موقف في لبنان حول ملف النازحين “

أكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين النيابية النائب الدكتور فادي فخري علامة:” إصرار الدولة اللبنانية …