ما سبب العدوانية عند الكائنات الحيّة؟

د. نزار دندش

كان يُحيّرني دائماً هذا الشرّ المتجذّر في نفوس الآدميين ، وفي تصرفات الحيوانات ، وحتى في الصفات البيولوجية للنباتات . كنت ألاحظ وجود عدوانية في تصرّف جميع الكائنات الحية على هذه الأرض باستثناء القليل منها ، لكنني كنت أجهل اسبابها ، فلم اقرأ يوماً تعليلاً واحداً مقنعاً يجيب عن تساؤلٍ قد يكون مشتركاً بين كل اصحاب الفكر والتفكّر والتفكير . كل الأجوبة كانت تُقنع بعض الناس وليس كل الناس . بعض الأجوبة كان يصمد لفترةٍ قصيرةٍ ثم يخرج من التداول .
بعض علماء النفس يعيد السبب الى عوامل نفسية وبعضهم يصنّفه في خانة المرض النفسي . وعلماء الاجتماع قد يعيدونه الى عوامل اجتماعية مثل الفقر والقهر والحرمان . لكن أجوبة كل هؤلاء تشمل البعض او بعضَ البعضِ من الآدميين ولا تشمل الجميع ، بل لا تشمل الحيوانات والنباتات .
أما دهاء الأبالسة والشياطين فيطال ضعاف النفوس فقط ، وليس هناك ذِكْرٌ لدور الأبالسة في التأثير على الحيوانات او على النباتات .
ما هو اذن العنصر المشترك الذي يؤثر في كل الكائنات الحية ويدفعها الى العدوانية ؟
اذا ما جلس انسان يراقب ما يدور حوله في البرّية ، او حتى في حديقته ، فإن بإمكانه ان يُسجّل عشرات عمليات الاعتداء من هذا الكائن على ذاك ومن ذاك على ذلك . سيرى منازلة بين الكلاب واخرى بين الكلب والهرة او بين هرتين او اكثر ، وسوف يرى هرةً تنقضّ على عصفور او تصطاد فأرة او تقتل صرصوراً فتتركه في ارض المعركة . وسوف يرى نحلةً تمتصُّ رحيق عشرات الزهرات وتذهب برحيقها الى حيث تُحوّله الى عسل يأتي ابن آدم فيما بعد ليسيطر عليه ويأكله . أما قضم الأعشاب من قبل الحيوانات وأكل الخضار والفاكهة من قبل الانسان فمن الأفعال يمكن تسجيلها في كل لحظة . وبجملة واحدة قد نختصر المشهد حين نقول :
كلٌّ يأكلُ كلاً في عالم الكائنات الحية !
واذا كانت هذه هي القاعدة في نموذج الحياة المعتمد على هذا الكوكب أفَليس من الممكن ، بل من المرجّح ، ان يكون هذا هو السبب في عدوانية كل الكائنات لأن بقاءها يعتمد على التهام الآخر ، وبقاء الآخر يعتمد على التصدي لها وعلى التهام غيرها من الكائنات ؟!
وقد يقول قائل ان الانسان قد تغيّر وارتقى ولم يعد كما كان في بداياته ، فنقول له : لكن ثقافة الانسان قد تشكلت منذ البداية وهو الآن يحاول تقديم نفسه على انه مؤسس جمعيات الرفق بالحيوان وانه قد دجّن الحيوانات وارتضى ببعضها ساكناً في منزله ، وانه يطعمها ويرعاها ويحميها ، لكنه في الواقع ما زال يأكلها ولا يمكنه ان يحيا بدون اكلها . اما تلك الحيوانات التي يقتنيها فهي في عداد الأسرى في منزله او في حديقته .
أما النباتيون فيأكلون بيض الدجاج وحليب النعجة حارمين صغارها من حليب الام ، ويأكلون عسل النحلة حارمين النحل من مونة الشتاء ، ويأكلون ايضاً انواع النباتات ، وهي كائنات حية .
وقد يسألني سائلٌ : ما هو الحلّ ؟ فأجيبه :
أنا لا أبحث في هذه المقالة عن حلٍّ للعدوانية بين الكائنات الحية بل أبحث عن اسبابها . وليس هناك من حلٍّ لها في المستقبل المنظور ! اما المستقبل البعيد فأقترح له حلاً سوف انشره في مقالة لاحقة.

شاهد أيضاً

دراسة تكشف فوائد الوظائف المرهقة على الدماغ !

أولئك الذين عملوا في وظائف ذات متطلبات معرفية أعلى، شُخّص إصابة 27% منهم بضعف إدراكي …