المجتمع الدولي أوجد لبنان ليكون مارونيا وغير ذلك لن يكون هناك لبنان، وتسجيل هام لبشير الجميل.

 

بقلم ناجي أمهز

قبل أن تستغربوا وتستعجبوا وتتلخبطوا وتستهجنون، وتضربون أخماسا بأسداس، اسمعوا جيدا ما أخبركم إياه، لأنكم كما أصبحتم تعرفون فأنا أكتب من خارج الصندوق، لان الذين علموني بعض القواعد السياسية هم الذين اخترعوا هذا الصندوق الذي يعيش بداخله سبعة مليارات إنسان.

حقيقة أن اللبنانيين والسوريين والأردنيين كانوا تواقين إلى الاستقلال، وقدموا الكثير في سبيل هذه القضية المقدسة، لكن النظام العميق الذي يسبقنا بتفكيره اقله لعقود، والذي تعود أن يستفيد من كل شيء حوله، وضع مخططا جهنميا، أولا لتنفيس الغضب الشعبي على انتدابه واحتلاله لبعض الجغرافيات الإسلامية والتي تعرف اليوم بالدول العربية، وأيضا لتنفيذ مخططه بقيام الوطن البديل.

بداية: تعالوا معي إلى غرفة ضيقة للغاية لنستمع لنقاش دار حول استقلال لبنان وما تسمعونه الآن، هو مختلف تماما عما تعرفونه أو تتخيلونه، فالنقاش بهذه الغرفة له أبعاد لن يتصورها عقلكم، أو تدركها حواسكم، فحديث أبناء الأرملة، شيء معقد للغاية وعميق جدا عمق وجود الإنسان على الأرض، ونحن نتحدث هنا عن عقول أصلها من أفعى، هي التي أخرجت آدم من الجنة، وغيرت وجه الصراع دنيويا ودينيا وعقائديا إلى يومنا هذا.

كان الحديث في هذه الغرفة الضيقة بين البريطانيين والفرنسيين، حول تنامي موجة الغضب الشعبي ضدهما وضد مصالحهم الاستعمارية، واين مصلحة بريطانيا وفرنسا من استقلال لبنان وسوريا والأردن، ودائما تذكروا الحكمة التي هي أساس كل الدول: لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة، وإنما مصالح دائمة!

إذا أول سؤال عن فائدة استقلال لبنان، كان الجواب بحال قبل العالم الإسلامي، بقيام كيان مسيحي مستقل، يعني بأنه سيتقبل فكرة قيام الدولة اليهودية المستقلة، يعني أن لبنان كان مقدمة لمتغير سيغير الشرق الأوسط.

وحقيقة كان تحديا كبير للغاية أن يتقبل المسلمين قبل مائة عام تقريبا، فكرة أن يكون هناك دولة مسيحية، وهم أساس كان يحرمون على المسيحيين السير على الجانب الأيمن من الطرقات.

وخاصة أن الخلافة الإسلامية العثمانية، وفتاوي ابن تيمية أفتت بان المسيحيون كفاروانهم من اتباع الأقانيم الثلاثة: الأب، والابن، والروح القدس؛ قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}

وعند السؤال عن سوريا، كان الجواب على الشكل التالي: إن استقلال سوريا يجب أن يكون قبل استقلال لبنان، لأنه عندما تكون سوريا منشغلة باستقلالها وترتيب بيتها الداخلي ووضع دستورها لقيام الدولة السورية، لن يكون لديها الوقت لمعرفة ماذا يجري بفلسطين، وأيضا لن تكون قادرة على الدخول بأي معارك خارجية، يكفيها معاركها الداخلية على تقاسم النفوذ والسلطة.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى استقلال الأردن.

لذلك عندما تضعون أمامكم كتب التاريخ، وتتسألون لو لمرة واحدة ما هو السبب الذي دفع بالغرب لمنح استقلال سوريا ولبنان والأردن دفعة واحدة، وربطتم الأحداث جيدا وخاصة أن استقلال هذه الدول حصل قبل عاميين فقط من عام النكبة عام 1948 حقيقة ستكتشفون الكثير، ولن نزيد أكثر.

إذا كان لبنان هو بداية المتغير بالشرق الأوسط، ومعه تغير العالم العربي والإسلامي، مع أنه في تلك الحقبة لم يكن هناك شيء اسمه العروبة بمفهومها الذي كرسه عبد الناصر، إنما بمفهوم أن تعود قيادة الخلافة الإسلامية إلى العرق العربي.

وقد وضع المشرع الفرنسي بتوافق دولي نصا دستوريا جعل من كل اللبنانيين درجة ثانية في الدستور اللبناني،

أولا لان الدستور نص بأن يكون رئيس الدول مارونيا،

وثانيا لان كافة الصلاحيات الدستورية والقانونية كانت بيد الرئيس الماروني، لذلك استغرب عندما يكتب أحدهم أن فلانا كان زعيما وفلان رجل دولة، مع العلم أنه، لو اجتمع كل مجلس النواب على قرار كان يكفي رئيس الجمهورية كلمة كي يحل المجلس النيابي، وكأن النواب والذين انتخبوهم والقرار غير موجودين، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مجلس الوزراء، فأي قرار لا يوافق عليه رئيس الجمهورية هو مجرد حبر على ورق.

ولكن مع مرور الأيام فشل الموارنة بإدارة لبنان، وهذا الكلام ليس لي بل إنه لبشير الجميل، الذي حمل الموارنة مسؤولية الفساد الكبرى في لبنان، وأنهم السبب بضياع لبنان الوطن.

وبما أن المجتمع الدولي أوجد لبنان ليكون وطن قومي مسيحي بامتياز، وهذا الأمر ليس سر، يمكن مراجعة كافة الكتب والمقالات والدراسات، إذا مع انتهاء الوجود السلطوي الماروني تحديدا، ينتهي دور لبنان الذي أوجده المجتمع الدولي.

وقد قدم المجتمع الدولي للقيادة المارونية، كل الدعم، ومنحها كل التسهيلات، وسمح لها أن تصبح الدولة الأولى في الشرق الأوسط من حيث الخدمات، ودعم قيام أكبر نظام مصرفي بالعالم بعد سويسرا.

وأيضا قام المجتمع الدولي بتعزيز دور الموارنة في الشرق الأوسط، بربط غالبية الزعامات العربية بالمارونية السياسية، حيث كان الغرب لا يستقبل أي سياسي عربي إلا بموافقة أو مباركة أو مرافقة من شخصية مارونية.

وأمام هذا الملخص، يستنتج التالي، بأن الغرب لم يعد مهتما بلبنان، لأن لبنان فقد دوره، المالي والخدماتي، والسياسي، كما أنه فقد تأثيره بالمحيط العربي، فغالبية الدول العربية التي كانت تستنجد بالماروني لتسويقها غربيا، هي اليوم أقرب إلى الغرب من الماروني الذي فقد عناصر قوته.

وبسبب هذا المتغير العالمي اتجاه لبنان، أصبح المواطن عاجزا عن التنقل، واستخدام الكهرباء بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، وفقدان الدواء، واليوم فقد قدرته على الاتصال، وغدا سيفقد رغيف الخبز، ومع فقدان الرعيف يفقد المواطن وجوده.

لذلك نحن قادمون على وطن يشبه مخيما كبيرا يعيش فيه شعب كان اسمه الشعب اللبناني، وبحال هذا الشعب إن لم يتوجه شرقا لإيجاد بدائل للغرب الذي تخلى عنه، سيكون الوضع كارثيا.

وكل ما تسمعونه من السياسيين هو مجرد كلام يدغدغ الأحلام، لبنان فقد أكبر احتياط مالي عالمي وصل إلى ما يقارب ال 172 مليار دولار، وكان هذا المال قادرا أن يخلق من لبنان وطنا حقيقيا متطورا اقتصاديا وزراعيا، ومنتج صناعيا، وناشط سياحيا.

وللأسف لم يستفاد من كل هذه المقدرات، وهكذا لبنان انتهى، وكما قال بشير الجميل الحق على الموارنة، الذي قال علينا ان نحاسب انفسنا قبل ان نحاسب الشريك المسلم.

شاهد أيضاً

مؤمن الرفاعي بحث مع معاون الامين العام ل “حزب الله” الاوضاع في لبنان والمنطقة

التقى المستشار في العلاقات الدبلوماسية الشيخ مؤمن مروان الرفاعي، معاون الأمين العام ل”حزب الله” الشيخ …