منذ انطلاقتها لم تتوحّد حول برنامج وقيادة وانتهت الى “المياومة” “الثورة” تغزوها “الأنا” في تشكيل اللوائح واختيار المُرشحين للانتخابات

كمال ذبيان

لا تشبه ما سمي “ثورة” في لبنان اخرى حصلت في التاريخ اذ بعضها حقق اهدافه، واخر فشل وانتهى بقادة ثورات،الى الاعدام او الاغتيال او السجن، ومن نجح من الثورات شكل محطات مضيئة من التاريخ وتحريكا لمجتمعات بدءا من “الثورة الفرنسية” الى “البولشفية – اللينينية” الى “ثورة الزنوج” في اميركا و”الثورة ضد التمييز العنصري” في جنوب افريقيا و”ثورة الجزائر” للتحرر من الاستعمار الفرنسي الى ثورة “الضباط الاحرار” في مصر والانقلابات العسكرية في سوريا والعراق بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي الذي وصل الى السلطة وهو ما جرى في ليبيا مع “ثورة ضباط” بقيادة العقيد معمر القذافي، اضافة الى “ثورات” حصلت منذ حوالى ثلاثة قرون، في العالم يضاف اليها “الثورة البوليفية” في اميركا الجنوبية.

اما في لبنان،فان ثورة شعبية مسلحة قادها انطون سعاده مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي في 4 تموز 1949 واعدم بعد محاكمة صورية، اثر اعتقاله بيوم واحد في 8 تموز من ذلك العام ليتبعه حزبه في “ثورة” هي اشبه بانقلاب عسكري قام به ضباط قوميون في ليل نهاية عام 1961-1962 وفشل وزج بقادة الحزب واعضائه واصدقائه في السجون بعد تنفيذ اعدامات بحق افراد تمت تحت جنح الظلام نفذها ضباط من المخابرات في الجيش اللبناني، وما عرف بـ “المكتب الثاني” لتقوم ما بين “ثورة” 1949 و1961 اللتين نفذهما الحزب القومي “ثورة” سميت بالبيضاء في العام 1952، وانضوت تحت اسم “الجبهة الوطنية الاشتراكية” قادها كل من كميل شمعون وكمال جنبلاط والحزب القومي وسواهم ونجحت في اسقاط الرئيس بشارة الخوري سلميا والذي استجاب “للثورة” وقدم استقالته لتتولى حكومة برئاسة قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب تأمين انتقال السلطة وانتخاب رئيس للجمهورية فكان من اعضاء الجبهة كميل شمعون الذي انهى عهده بازمة سياسية،رافقتها اعمال عسكرية في العام 1958 وتدخل عسكري اميركي مباشر لتأمين انتقال السلطة الى قائد الجيش فؤاد شهاب وانتخابه رئيسا للجمهورية بتوافق اميركي – مصري اي بين محوري الصراع في لبنان.

فخارج هذه الاحداث فان لبنان لم يشهد ما سمي “ثورة” ضد النظام السياسي واركان السلطة فيه بل تحركات مطلبية في الشارع وبعض التظاهرات السياسية، المرتبطة بمطالب مرحلية لاصلاح في النظام السياسي ،حركتها احزاب يسارية ومن الحركة الوطنية اللبنانية مع دخول العامل الفلسطيني كوجود مسلح على الصراع الداخلي اللبناني – اللبناني، فانحرف عن مطالبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وارتبطت ازمة لبنان بأزمات المنطقة وهو ما يحاول تكراره بعض من هم في “الحراك الشعبي” بادخال “سلاح حزب الله” في الصراع واعتباره كأولوية لخروج لبنان من ازماته اذ تقرأ مصادر حزبية رافقت العمل الوطني والسياسي في لبنان ما حل بما سمي “ثورة” بما جرى للحركة الوطنية حيث تشتت الاهداف واندلعت الحرب الاهلية التي تسللت اليها حروب اخرى شارك فيها اضافة الى الفصائل الفلسطينية الجيش السوري بدخوله العسكري الى لبنان، والجيش الاسرائيلي باحتلاله لاجزاء من الجنوب عام 1978 واجتياحه عام 1982 للبنان ثم التدخل الاطلسي وحضور قوات اميركية وفرنسية وايطالية مما زاد من تعقيد الازمة الى ان تم الافراج عن لبنان اقليميا ودوليا فكان اتفاق الطائف الذي تزامنت ولادته مع الغزو العراقي للكويت وسقوط الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية وافتتاح “مؤتمر مدريد للسلام” بين العدو الاسرائيلي واطراف الصراع سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية ،والى حد ما لبنان المعني بوجود فلسطيني على ارضه وكذلك الاردن.

هذه التطورات رافقت ولادة اتفاق الطائف الذي لم يطبق بكامل بنوده ولم يحرز اصلاحا في النظام السياسي والغاء الطائفية منه وتطوير اللامركزية الادارية واصدار قانون انتخاب خارج القيد الطائفي وتحرير اقتصاده بالاتجاه به نحو الانتاج اذ اراده من وصل الى السلطة بعد الطائف ان يبقى اقتصادا ريعيا وسيطا وبلدا للسياحة فقط دون دعائم اقتصادية اخرى في الصناعة والزراعة والمعرفة.

في هذه المناخات وبعد انطلاق ما سمي “ربيع عربي” عام 2011 حاولت اطراف يسارية ووطنية ان تستفيد من ذلك وتطرح “ربيع لبنان” في العام 2012 لاسقاط النظام السياسي او اقله تطويره لكن هذا التحرك اجهض ليحصل اخر اثر اقفال مطمر الناعمة في مطلع تموز 2015 لكنه فشل ايضا وحصل بعد اربع سنوات حراك شعبي ضد زيادة الرسم على “اتصال الواتساب” فسارت تظاهرات في 17 تشرين الاول 2019 وكانت عفوية لكن بعد فترة تم اكتشاف انها كانت مدفوعة سياسيا وماليا لاطراف فيها من جهات خارجية، لكن في غالبيتها كانت “ثورة” مطالب عن حق لكن بدأ التشكيك حول اهدافها الحقيقية وبدأ يدخل على ساحاتها مجموعات مختلفة وتُركب خيم بشعارات متعددة مما ضيّع اللبنانيين الذين ظنوا ان في البلاد “ثورة” فلبى عدد لا بأس منهم نداءاتها ليكتشفوا انها غير منظمة ودون برنامج واضح ولو مرحليا حتى لو كانت العناوين براقة ضد الفساد والهدر وتغيير الطبقة الحاكمة، لكن لا بد من ان تكون للثورة قيادة موحدة او اقله “هيئة تنسيق” وجرت محاولات عدة ولم تنجح وخلى الشارع من “الثوار” واقتلعت الخيم واصبحت الدعوات للتظاهر او الاحتجاج “على القطعة” او على “الساعة” وتحول الثوار الى “مياومين” وفق وصف من كانوا من بدايات محركي الانتفاضة التي لم تحقق ايا من اهدافها اذ باتت السلطة الحاكمة الفاسدة اقوى والطوائف متحكمة عبر احزابها بالارض، والناس انكفأوا الى منازلهم يجلسون على مقاعدهم امام محطات التلفزة يشاهدون على شاشاتها كيف ان جيلا ولد بعد الحرب الاهلية او اثناءها يحمل في عقله وقلبه الفكر الطائفي والمذهبي والعنصري والتبعي حيث تظهر التعبئة المؤيدة للزعماء واحزابهم وطوائف الاحزاب ويشاهد المواطن امامه حربا اهلية التي يتم غرس الشباب بعقلية ان زعيمك وليس زعيمي هو المسؤول وان حزبك وليس حزبي هو صاحب الاداء السياسي الفاشل في تحميل المسؤوليات،فيما الحيادي يكون في موقع الرمادي او المتطرف

هذا المشهد الذي رافق ما سمي “ثورة” في لبنان منذ عام 2012 بحراك موسمي دون قيادة موحدة وبرنامج واحد فان مشاركة اجزاء منها في الانتخابات كشف عن انقساماتها وعن الفردية التي تطغى على من يعلن انه في صفوفها الامامية حيث الصعوبات كانت كبيرة في توحيد “الثوار” على مساحة كل لبنان ،وقام بهذه المحاولة تجمع “مواطنون ومواطنات في دولة” برئاسة شربل نحاس اذ الخلافات كانت كبيرة داخل المجموعات سواء في الفريق الواحد او اطراف اخرى فقدموا صورة سلبية عن “الثورة” امام المواطنين تقول مصادر عدة شاركت في عملية اختيار المرشحين وتركيب لوائح “الثورة” حيث تتحدث عن “الانا” التي تتقدم على ما عداها فكل مجموعة تعلن عن انها تمثل اكثر وكل فرد يقدم نفسه “زعيما” او “قائدا” منقذا مما اوقع الخلافات بين من يعلنون عن حالهم بانهم “ثوار” اذ يتحدث اكثر من طرف وفرد عن الصعوبات التي رافقت ولادة اللوائح وهي لا تمثل كل المجموعات بل من استطاع التنسيق او التوافق وفرضت الظروف السياسية حصولها.

شاهد أيضاً

إسرائيل سقطت،،

كَتَبَ إسماعيل النجار بعد تهديدها طهران بالرَد على مهاجمتها في العُمق، إسرائيل تناور أم تُعيد …