بلدةُ الألفِ شاعرٍ وشاعرٍ

حسن عليّ شرارة

وأنتَ تنحدرُ منْ حيثُ (يصطفُّ الهوا) إلى بنتِ جُبيلٍ
ترتقي إلى حيثُ ينتظمُ الشّعرُ بيوتًا مُشرِّعةً قوافيها
على مواقفَ… رويُّها القاني!
أهلوها يتوارثونَ البيوتَ الّتي قوافيها قوافلُ هيهاتَ تضلُّ الطّريقَ
فالمدينةُ قِبلتُها القدسُ، وبيتُ قصيدِها ثرى فلسطينَ. ..
صنوُ الجهادِ، بالكلمةِ والموقفِ، فهيَ والشّعرُ والنّضالُ توأمانِ:
ينهضانِ معًا معَ سقسقاتِ النّدى كلَّ صباحٍ
ويأويانِ معًا معَ شقشقاتِ المدى كلَّ مساءٍ..
يـنـبـلـجُ الفـجـرُ مـنْ أردانِـهـا
ويختلجُ اللّيلُ في أحضانِها
أبناؤها يبوحونَ بالشّعرِ كما الأطيارُ
ويـفـوحـونَ بــالـعـطـرِ كـمـا الأزهــارُ
ويـصـدّونَ كـلَّ مُـعـتـدٍ كـمـا الأحـرارُ
يتنزّلُ الشّعرُ فيها على لسانِ طائرٍ صدّاحٍ يطيرُ خفيفًا يزقزقُ على أفنانِ أشجارِها
ويـتـدفّقُ مـنْ ثـغـرِ شـاعـرٍ يـتـرقـرقُ شفيفًا ليرتّلَ ألحانَ أشعارِها
وتتباهى بأرتالٍ منَ المُقاومينَ مرّغوا أنوفَ الغُزاةِ بقَتامِ غُبارِها
يُولدُ الطّفلُ فيها تحتَ ظلالِ أبياتٍ منَ الشّعرِ توضعُ في مهدِهِ
تبشَرُ بمولدِهِ الميمونِ؛ لتؤنسَ سريرتَهُ
وتأبى روحُ الكهلِ إلاّ أنْ ترقدَ تحتَ أفياءِ حروفِ مرثيّةٍ
تـوضـعُ فـوقَ لـحـدِهِ؛ تــؤرّخُ ســيــرتَــهُ..
وما بينهما مسيرةُ جهادٍ وكفاحٍ، ومقاومةٌ للظّلمِ، ومُقارعةٌ للطّغيانِ.
وبـنـتُ جـبـيـلٍ بِـركـةُ مـاءٍ، وبَـركـةُ دماءٍ
تكتبُ الملاحمَ بمِدادِ الأدباءِ والشّعراءِ
وتسطّرُ المواقفَ بدماءِ المُجاهدين والشّهداءِ
فلا تمرُّ حركةٌ ثقافيّةٌ أو نضاليّةٌ
دونَ أنْ تعمّدَها بنتُ الجُبيلِ
بالحِبرِ القاني، والأحمرِ الدّامي
فحـيـثُ حـلـلْـتَ أو ارتحلْـتَ تجدُ شابًّا أو شابّةً
ينشطانِ في مجالاتِ النّضالِ والأدبِ والفنّ..
شـعـراؤها بـلابـلُ أدواحٍ
وشهداؤها دلائلُ أرواحٍ
ومن بِركةِ الماءِ إِلى بَركةِ الدّماءِ
تبقى بنتُ الجُبيلِ
عُـنـوانَ الـعَـبـقِ
وعُـلـوانَ الألـق.
أسعفَ أهليها نقاءُ المحتدِ فمكّنَهم منْ صوابيّةِ اللّغةِ
فأثرى أريحيّتَهم
وشنّفَ صفاءُ الفطرةِ قرائحَهم
فأغنى عبقريّتَهم..
يتوارثونَ، ولكنْ ليسَ كما يتوارثُ الآخرونَ العِقاراتِ والأموالَ
بل الشّعرُ أحدُ عناصرِ سلسلةِ مورثاتِهم (D N A)
لذلكَ تجدُ تحتَ كلِّ حجرٍ تقلبُهُ في ربوعِها شاعرًا
فحقّتْ تسميتُها بنتُ جبيلٍ الشّاعرة!
ولا غلوَّ في قَوْلِنا إنّها بلدةُ الألفِ شاعرٍ وشاعرٍ
وهلْ يُمكنُ أنْ نَذْكُرَ الكثيرَ منَ المَجدِ، مجدِها
دونَ أن نذكُرَ آل (شرارة) وأثرَهم في كثيرينَ…
على دروبِ النّضالِ، والفقهِ، والشّعرِ، والثّقافةِ، والتّربيةِ؟