مساهمة في النقاش؛ سورية في حقبة احتواء الازمات تأسيسا لحقبة النهوض والقيادة… ٤/٢

ماذا عن الازمات وارتباك الادارة ؟؟

الاخطاء والارتباكات في السياسات والادارة الاقتصادية والاجتماعية

بيروت؛ ٢٢-٢-٢٠٢٢

ميخائيل عوض

 

تقادم الادارة والبنية والسياسات المرتبكة والارتجالية فاقمت الازمات؛ فما صارت عليه سورية اليوم من ازمات واختناقات يمكن ضبط مقدماته بخطايا السياسات المالية والاقتصادية والادارية التي سبقت انفجار الازمة وتطورها الى الحرب والاخطر انها استمرت اثنائها، فالمنطقي بدء تجلي نتائجها تفاعلا مع اثار الحرب والتدمير الممنهج للبنى التحتية والقطاعات الانتاجية واستهداف القطاع العام. منها؛ -الادارة الاقتصادية والاجتماعية لم تتنبه لحجم المؤامرة ولم تتحسب لطول سنوات الحرب ولخطر الاحتلالات والتدمير الواسع المستهدف، فبرغم اتضاح المخاطر، وامتلاك القيادة السياسية والعسكرية رؤية واستراتيجيات عبقرية واستباقية، ووضعت خططها ونجحت، فالقيادة المالية والاقتصادية الاجتماعية لم ترسم سياسات واستراتيجيات تتناسب مع الاستهدافات ولم تستثمر في المعطيات وتفعيل القدرات الموفورة والكامنة، فتم التفريط بالاحتياطي من العملات الاجنبية عبر سياسات واجراءات ارتجالية ومستهجنه؛ كبيع الدولارات للعامة وعبر المزايدات للصيارفة والتجار، بينما كان يجب اعتماد اجراءات مناقضة لحماية الاحتياطات وتقنين الانفاق منها، وحصره بتامين الحاجات الضرورية ومستلزمات المؤسسة العسكرية، وكمثلها من سياسات واجراءات تنتمي الى اقتصاديات الحرب لا التفريط بالمقدرات. -كما في سوابق الحروب والازمات الكبرى كانت تلجا الدولة الى خطط تعامل المناطق الانتاجية والقطاعات الاقتصادية الحيوية والمعنية بتامين الحاجات الاساسية كمناطق عسكرية ذات اهمية استراتيجية، فتؤمنها عسكريا وتؤمن خطوط الاتصال والمواصلات معها، الامر الذي غاب عن السياسات والخطط. – اشارت تجارب الشعوب ان الاقتصاديات الوطنية المخططة والمحسوبة قدراتها وفرصها تستطيع التكيف مع الحروب وتزيد من نسب النمو لاسيما في المنتجات الغذائية والصناعية، والانتاج الوطني، لتامين المجتمعات بحاجاتها والمؤسسة العسكرية بلوازمها، وهذه ايضا لم تلمس عناصرها ولا اعدت الخطط والدراسات لتحقيقها، وما جرى من اجراءات جاءت لاحقه واضطرارية وغالبا ارتجالية وتحت ضغط الحاجات. – غابت ايضا سياسات واستراتيجيات اعادة البناء والنهوض في المناطق التي تم تحريرها، وتأخرت كثيرا، وضلت الخطط التوجيهية رهينه المكاتب والجوارير واعدت بمفاهيم وخطط لا تتوفر عناصرها الاساسية لا في البيئة والبنى ولا في ظروف الحرب وكأن المخططون يعيشون في العالم الحاسوبي والافتراضي ويستعيرون من تجارب اخرى مخططاتهم وسياساتهم وجرى معظمها بعقلية ومناهج الليبرالية والاوهام ولتخديم مشاريع الربحية، وكأن البلاد في البحبوحة ومقصد للسواح والمستثمرين. فعدم الشروع بوضع خطط واستراتيجيات اعادة البناء والنهوض العقلانية وبأبعاد وطنية اجتماعية عطل واخر اطلاق الدورة الاقتصادية” اقتصاد الحرب” وتطويرها بالاعتماد على القدرات والمهارات والمواد المتوفرة وتكريس الاتجاه لتنمية الصناعات المحلية، وتعظيم الانتاج الوطني واكتشاف مكامنه ومصادره ومواده المتوفرة فضاعت سنوات وفرص وهجرت رؤوس اموال وكفاءات وخبرات من الصعب استعادتها او انتاج مثيلاتها او استيرادها. – بينما ادارت القيادة السياسية الحرب بأبعادها وفروعها المختلفة بتقانة مشهودة وبتخطيط ورؤية استراتيجية استباقية تحسبت لكل المخاطر، وعالجتها، وسدت الثغرات وعوضت النواقص، وترجمتها الدبلوماسية بإبداع والقيادة العسكرية وفروعها واجهزتها بأفضل ما يمكن تخلفت الادارة الاقتصادية والاجتماعية عن المواكبة واو التمثل بالإدارة والقيادة السياسية والعسكرية. فانعكس ذلك بسياسات ارتجالية واضطراب في القرارات والتوجهات واخفاقات في الاداء والتنفيذ. -بينما الحروب الوطنية والدفاعية وحتى الاهلية شكلت لشعوب ودول وتجارب فرص ذهبية لإعادة هيكلة الدول وفروعها والبنى الاجتماعية والاقتصادية وعصرنتها لانتزاع النصر في الحرب والتحول الى قاطرات وقوى قائدة فيما بعدها، غابت هذه الرؤية والاجراءات عن الدولة السورية فاستمرت تعمل بذات الطرائق والاليات والهيكليات المتقادمة والبيروقراطية والمحشوة بالبطالة المقنعة وشبكات الفساد والاستزلام والمحاباة والهدر،
واستمر جهاز الدولة وموظفي القطاع العام ثقيلا ومكلفا وبإنتاجية متدنية جدا. ( وهذه كانت ايجابية وموروثة من حقبة الاشتراكية والدولة الاجتماعية، ومسؤوليتها بتامين الوظائف للخرجين والداخلين الى سوق العمل كون العمل حق لكل طالبه، ولم تنجح الليبرالية بتصفيتها، لرفض الرئيس فصل وتفنيش عدد كبير من الموظفين وتجويع عائلاتهم).
شكلت كتلة الموظفين في القطاع العام اهم عنصر في حماية الدولة وسورية والانحياز للاستقرار ورفض كتلة اجتماعية واسعة الانخراط بالمؤامرة ما امن فرص وشروط النصر، الا ان معطيات اليوم والتحولات الاجتماعية وتطور اليات الادارة والاهم تراجع وانهيار القدرة الشرائية للرواتب وعجز الدولة والاقتصاد عن تامين اكلاف الدولة والادارة المثقلة بالأعداد الضخمة وغير المنتجة، وقد ازدادت فيها مناسيب المماطلة والتعطيل والفساد بمستوياته المختلفة لاسيما الصغير، واصبحت الرشوة علنية وقاعدة معتمدة لضيق ذات الحال وتدهور قيمة الرواتب. – على عكس ما كان يجب من اقصاء وتهميش قوى ورموز ومراكز الليبرالية الاقتصادية التي اخترقت الدولة والادارات والمؤسسات واستولت على عقل التخطيط والسياسات وتمكنت من الادارة الاقتصادية والاجتماعية والمالية، وتحكمت بها قبل الحرب وطيلة حقبة الدردرية وقيادتها لإعادة الهيكلة، بناء لوصفات صندوق النقد واجماع واشنطن، وقامت بتصفية القطاع العام والمخازين الاستراتيجية وفرطت بكثير من عناصر القوة الاقتصادية والاجتماعية فقد استثمرت بالأزمة والحرب واستأثرت بالمشاريع والاموال وزادت من سيطرتها، واكدت دورها في تمويل بعض الميليشيات والمجموعات الرديفة للمؤسسة العسكرية، فأمنت لنفسها موقعا ومكانا ونجحت في شفط خزائن الدولة، واستولت على الودائع الاحتياطية من العملات في المصارف الاوروبية جراء العقوبات بالاتفاق مع مافيات المصارف والتجارة الاوروبية ولم يصل لسورية وللشعب سوى القليل منها وذات الممارسة حصلت لخطوط الائتمان الايرانية التي ذهبت غالبيتها الى خزائن الفاسدين والى مشاريع وهمية او غير ضرورية ولا مجدية. وامتصت اموال البنوك بعقود ديون بضمانات وهمية وأنشأت شبكات التهرب الضريبي ولم تدفع حقوق الدولة وعززت الاقتصاد الموازي، وقد تأخرت” لظروف الحرب وادارتها وحرصا على تماسك المجتمع والوحدة الوطنية” عمليات التطهير ومحاربة الفساد الكبير والمتوسط وتحصيل حقوق الدولة والشعب وعندما بدأت جاءت كخطوات اضطرارية لمواجهة انهيار العملة الوطنية، وليس في سياق خطة استراتيجية لإعادة هيكلة البنى الاقتصادية الاجتماعية، والتطوير الاداري على ما يجب في ظروف الحروب وتأسيسا لإعادة البناء والنهوض. -برغم الحاح ومتابعة الرئيس شخصيا والقصر لخطط التنمية الادارية وللإصلاح الاداري وبرغم توفر الامكانات المادية واللوجستية والكادر والخبرات الا انها لم تؤتي اكلها حتى الساعة فاستمر هدر الأموال والقدرات والطاقات والزمن الثمين. هكذا اذن توفرت الاسباب والظروف والشروط الموضوعية للتفاعل مع نتائج الحرب والتدمير وحرمان سورية من مناطق الثروة والثراء لتغدو الحكومة عاجزة عن تلبية الحاجات والاموال فتلوذ برفع الدعم وتحرير اسعار السلع والحاجات الضرورية والحياتية ورفع اسعار الخدمات وتقنينها لتوفر في كلفتها وتقليل الخسائر فاتسعت نسب الفقر، وظهرت حالات نقد وهجوم على السياسات والادارة وتختمر حالات اعتراض وتمرد في بيئات حاضنة للدولة. .
غدا؛ اقتراحات، وتوصيات للاستثمار بالوقت والظرف والقدرات للإحاطة بالأزمات والتاسيس لمرحلة النهوض والريادة
…يتبع

شاهد أيضاً

قرغيزستان تحجب تطبيق تيك توك بحجة حماية الأطفال

أكثر من مليار مستخدم نشط في أنحاء العالم كافة يستخدمون التطبيق الذي يواجه تحديات جمّة. …