أدباء وشعراء

إعداد وحوار الشاعرة رانية مرعي

مريم أديب كريّم، مواليد عام 1991، من لبنان
مجازة في اختصاص اللغة الإنكليزية وآدابها وحاصلة على شهادة ماستر (1)
مجازة في اللغة العربية وآدابها وحاليًا أكمل دراساتي العليا (ماستر 2)
مدرّسة لغة إنكليزية في متوسطة سحمر الرسمية
عملت مع المجلس الثقافي البريطاني، كمدربة لمدة 3 سنوات، في برنامج الصوت العالميWorld Voice، الذي يعمل على تعزيز دور الفن والموسيقى كوسيلة لإيصال الأهداف التربوية والتعليمية في المدارس.
كتبت عدة مقالات في جرائد ومجلات عربية، وحاليا أعمل على إتمام كتابة روايتي وإنجاز ديواني الشعري الأول على أمل أن يبصرا النور قريبا.
أهتمُّ بكتابة قصص الأطفال وأغنيات مع تلحينها، وقد صدر لي مؤخرًا مجموعة قصصية عن دار بيان في لندن، إضافة إلى قصص مصورة عرضت على قنوات للأطفال

الشاعرة مريم أديب كريّم:

الشِّعر زادي وعتادي،

لا بل هو أنا في عبوري من المستحيل إلى الممكن

 

*المتابع لكتاباتك يلاحظ الشغف في علاقتك بالقلم.
حدثينا عن تجربتك?

نشأت في بيت علمٍ كان الكتاب حاضرًا فيه دائماً وبقوة، أكثر من أي شيء آخر.. وكان ولا يزال الميدان الإنساني هو المساحة الأرحب التي أتحرّك فيها وأبي، حبيب قلبي .. ملهمي وأستاذي وشرارتي الأولى، مؤلف رواية (يا ابتي إنها طيور لا تغرد)، ورواية ( رسائل إلى ماديانا.. كآبة في عقلي!) والتي ستبصر الضّوء قريبًا. وفيما يخص تفاصيل تجربتي المتواضعة، أنا غالبا ما أعرف نفسي بابنة أبيها، بابنة الشمس التي يستفزّها الضّباب وتثيرها دهاليز الليالي، فتمضي بكل ما أوتيت من ضوء ووردٍ ومداد، سالكةً درب الشّوك، مثخنةً بجراحها، باحثةً عن المعنى لكل هذا اللامفهوم واللامنطقي. والشِّعر بالنسبة لي زادي وعتادي، لا بل هو أنا في عبوري من المستحيل إلى الممكن، الشّعر صلاة وانتشاءٌ خالص وخلاصٌ نبيذيٌّ لمن أدرك حجم الهوّة الكارثية بين أحلامه والواقع.

 

*أطفال العصر الذي نعيش فيه أصبحوا يستخفون بالقصص التقليدية إذ إن عقولهم أصبحت تطلب ما هو مثير وممتع .
كيف تخاطبين الأطفال في قصصك ، وما هي المواضيع التي تركزين عليها ؟

-من المؤسف القول ان الطّفولة قد تلوّثت وجدانيا وعاطفيا وفكريا في ظل انتشار الوسائل الحديثة التي تبثُّ كل يوم خليطًا هائلًا ومزيجًا مخيفًا من قصص وأحداث لا تمتُّ إلى أبسط مبادئ تربية الطفولة وتنشئتها البريئة بصلة، فالطفولة اليوم تعيش أزمة البحث عن ثقافة تقليديّة كلاسيكية، تلك الأقرب إلى وجدانها البريء ومشاعرها الطريّة ومخيلتها الهادئة، ودعيني هنا أضرب مثلًا يتمثّل في الفارق بين قطعة موسيقية منضبطة متناغمة وهادئة وأخرى مضطربة شاذة وصاخبة، وانطلاقًا من هنا، قصصي كانت بمثابة جرعة هادئة خاطبت الطفولة في وعيها وتحاول استثارة حس الإبداع وتحريك المخيّلة بٱتجاه الضوء.. والضوء فقط!

 

*من خلال عملك مع المجلس الثقافي البريطاني ، ما هو دور الفن والموسيقى في إغناء العملية التربوية سيّما أنّ برامجنا التعليمية تثقل كاهل الطلاب؟

-تجربتي مع المركز الثقافي البريطاني كانت من أكثر التجارب غنى، حيث عملت على تدريب الكوادر التعليمية على استخدام الموسيقى والغناء بغية إيصال الأهداف التعليمية والقيم الأخلاقيّة والإنسانيّة للأطفال، متمحورين في عملنا حول الطفل كإنسان، كعالم قائم بذاته، كطاقة قادرة على صنع المعجزات، فالموسيقى حياة وثورة وتحليق ناح الضوء بسلاسة ومتعة وحيويّة، بعيدًا عن التلقين والصّرامة والحشو، خاصة في بلادنا العربية التي وللأسف الشديد تفتقر كثيرًا إلى ثقافة الحياة في ظلّ طغيان ثقافة الموت والتشرذم والعصبيات.

 

*المرأة الشاعرة، هل تكتبُ لترضيَ حواء وتنتقدَ آدم؟

-هذا تقزيم للمرأة واختزال غير إنساني، فالمرأة كما الرجل،  تتألم وتعشق وتعاني وتحلم، ولكل منهما أزماته ومشكلاته، وإن كان ثمة أزمة ما، خصوصا في مجتمعاتنا العربية، فإنّي أميل إلى الاعتقاد بأن المشكلة لا تكمن في الرجل فقط فالطرفان يتحملان مسؤولية أي اختلال في العلاقة بينهما، إذ ان تراخي المرأة وتبخيسها لكيانها ومكانتها من الطبيعي أن يصب في رصيد الرجل حضورا وقوة وذكوريّة. وطبعا، لا أنكر أن الموروث معقد وقد ظلم المرأة في مكان ما، لكن في هذه المرحلة من تاريخنا أرى أن المسؤولية الكبرى للتغيير وخلق توازن بين الطرفين يعود للمرأة نفسها، فكلما ضعفت المرأة قوي الرجل؛ وعليه على المرأة أن تثبت حضورها بطريقة إيجابية. وقضية الشعر بالنسبة لي هي أكبر من علاقة بين آدم وحواء، هي علاقة إنسانية وجدانية عميقة، أكبر من علاقتنا مع الطبيعة وحتى من علاقتنا مع السماء.. هي تعبّر باختصار شديد عن وجع الحياة ووجع البحث عن اليقين والحقيقة.

 

٥-يقول الفيلسوف اللبناني جبران خليل جبران :
“ليس الشعر رأياً تعبر الألفاظ عنه ،بل انشودة تتصاعد من جرح دام أو فم باسم “

القصيدة التي كتبتها الشاعرة مريم بدم القلب، ما كانت مناسبتها ؟ وهلّا قرأناها معك.

=مع كل تقدير للفيلسوف اللبناني الذي أنحني أمام إبداعاته، إلا أني من وحي تجربتي المتواضعة جدا أستطيع القول ان القصيدة هي في المجمل وفي العمق والصميم تعبير عن جرح دام، وإن تبسم الفم فهذا التبسم يتوارى خلفه دائما جرح فاض عن الكأس، فإنّا حين نضحك أو نرقص أو نغني هذا تعبير عن جرح عميق وغامض.. وكلما كانت الجراح غامضة وعميقة كلما تحولت الابتسامة الى قهقهة… ومن قصائدي التي كتبتها بدم قلبي:

إنّي أرى ما لا تراهُ وما ترى
وكذا ترى ما لا أراهُ وما أرى!
إنّي أرى في وجهكَ المغبرِّ وجهيَ
والأماسي المهمله
وصدى ٱرتدادات النّحيبِ
ونكسةً كونيّةً قد لبّدت صحو المُشاةِ
وساقت العُشّاقَ ناح المقصله!
قل لي بربّك ما ترى!
هذي القصائدُ تُنجبُ الفقراء مثلكَ يا شبيهُ ومثلنا
هذي القصائدُ بالمفارق والمقاعد مثقله؛
تمدُّ شالًا فوق رعشةِ غنوةٍ حُبلى بأحزان الشّتاءِ
ونحرِ غانيةٍ رماها البرد في قعر الخواءِ
فظلَّ يحتضنُ انتكاسات الغريبِ
ويقطعُ اللّيل المهيب بجلجله…
وتلملمُ الأمل الّذي سكن ٱشتهاء الجائعين لسنبلهْ
والحالمين اللّايرون سوى الشّموس الثائراتِ على المغيبِ
على المدى..
فالضّوء في عين المغيّبِ يا شبيهيَ سكّرٌ
والقطبُ إذ لاقى الرّحى ما أجمله!
قل لي بربّك ما ترى!
أهو الصّياح صياحُ ديكٍ واثقٍ
أم أنّ نافذة المشارق مقفله؟!

أما مناسبتها، فما من مناسبة محددة، إنما كانت من وحي إحساسي بالعجز والحيرة أمام هذا الغموض الذي يلفني ويلف هذا الوجود من حولي… ويجعلني تائهة عن إدراك ذاتي وحقيقة انتمائي، ويدفعني أيضاً إلى بذل مشاعر الإشفاق على الانسان كإنسان، كقيمة إنسانية عظيمة أريد لها أن تلعب دور الجلاد في مكان والضحية في مكان آخر، وهو في الحالتين يسير على غير هدى وبغير رغبته وبغير إرادته… فمشكلتي كانت ولم تزل مع المبهم، الغامض، اللامرئي، اللامدرك، اللامعنى..أو بالأحرى مع هذا الكشكول المشؤوم الذي ما فتئ يسبب عذابات إنسانية لا يمكن لأي قصيدة أو أنشودة أن تحتويه أو تختزله…

 

*تحضرين لرواية ولديوان شعري.
حدثينا باختصار عن مضمون هذين العملين اللذين يُتوقّع صدورهما قريبًا.

-الديوان الشعري خليط من وجع إنساني وحب إنساني ومحبة، بحث عن الوطن، عن الأبوة الأبدية والأمومة التي لا تموت والوطن الذي لا يتلاشى…  هو ديوان الفقد، الحنين، الشوق، البحث عما يطمئن له القلب.. أما الرواية فمحورها علاقة غرامية تربط بين شاب وفتاة، لسوء حظهما وقعا ضحية ديانتيهما المختلفتين، مما سبّب لهما معاناة قاسية تزرع في طريقهما عقبات كأداء.. يتخلل ذلك صراع مرير بين حب نقي صادق وبين عادات وتقاليد وعقليات وأعراف متزمتة لا تعرف للرحمة معنى، وعلى هامش هذه القصة المحورية، تبرز بعض الحكايا من وحي وجع الوطن وخراب الأمل وانحطاط القيم وشيوع الفساد.

 

*كيف تتعاملين مع رقابة الخطوط الحمراء التي تسجن الكلمات في قمقم الإرهاب الفكري؟

-حتى اللحظة لم تواجهني أية مشكلة في هذا الإطار، ولكن لا أتوقع في القادم من الأيام أن يكون الطريق معبدًا أمامي فالإرهاب الفكري يحاصرنا، خاصة ذاك الذي يتقنع بقناع الدين.. وفي عقيدتي لا خطوط حمراء في فضاء حرية الفكر وحرية التعبير… لست متفائلة كثيرا حين أنظر إلى الأفق البعيد الملبّد ولكن كلّي إيمان بأن حرية الفكر هي الغالبة دوما خصوصًا في بلاد الأرز ووطن الحريات والإنسان…

 

*الثورة هي الكلمة الأكثر بطولةً في جميع اللغات.
إن طلبت منك اختيار قضية ضاغطة من مجتمعنا – وما أكثر قضاياه – ماذا تختارين ولماذا؟

-من أكثر القضايا التي أشعر أنها ضاغطة ومقلقة للغاية هي قضية الجهل المستشري والمستفحل بشكل مريع ومخيف، فحين يغيب الكتاب أو بالأحرى الثقافة الإنسانية عن يوميّاتنا سنسقط حتما في حفرة الجهل لتبتلعنا كهوف التخلف والتعصب الديني والطائفي والمذهبي. أشعر بحزن كبير حين أجد شرائح واسعة في مجتمعي تساق كقطعان، عقولها مبرجمة، حريتها مستلبة، إرادتها منكسرة، تعلن بالفم الملآن ولاءها الطائش وطاعتها العمياء لهذا الزعيم أو ذاك، وهذا نذير شؤم تسبب ويتسبب في تدمير وتحطيم القيم الإنسانية والوطنية وفي إفراغ المحتوى الإبداعي لأجيال كاملة.

 

*أترك لك الختام مع قصيدة تهدينها لقرّاء كواليس.

مسرفٌ في الحُبّ

أنا مسرفٌ في الحُبِّ يؤلمني فمي
ما لم أمرِّغ في الحلاوةِ والطّراوةِ مبسمي
ما لم أُزِح غَبَشَ الزُّجاجِ لكي يَرى
ذاك الهَزارُ النّرجسيٌّ
الضّوءَ عند تبسُّمي…
في الذّاتِ عالقةٌ
وجلَّادي نبيٌّ
غير كلِّ الأنبياءِ
وسارقٌ أخذ السِّوارَ
فضجَّ خفقًا معصمي!
ووجدتُني.. بل “لستُ أدري”
حالمًا ومسالمًا
بظلالِ شعرٍ أحتمي…
أنا مفلسٌ في الحربِ مهزومٌ إذا
رُفِعت نصالٌ
أستجيرُ بأنجُمي!
لا.. ليس ضعفًا..
إنّما بل “ربّما”
أنا وردةٌ
شاء الزّمانُ بأنْ تُكوَّن من دمي!
أو “لستُ أدري” قد أكونُ
لفرط ضعفي عاجزًا
أن أَبلُغَ المرآة دون توشُّمِ…

 

🌿تحية كواليس🌿

مريم أديب كريّم إبنة أبيها، هذا ما تجب أن تقدم  به نفسها، شهادة وشكر وحب لمن زرع في روجها حروف الخير لتنبت مواسمها وارفة ظلالها وآتية ثمارها، خاصة وأنها تتعامل برقة وأناقة مع الحروف التي تبدو وكأنها شعوراُ ووعياً تنسجها على منوال حزننا المعتق في خوابي عمرنا

الشاعرة الحريصة على أن تكون جديرة بحمل إسمها تنافس نفسها وهي تبني أسس رحلتها مع الأطفال الذين عليهم أتكالنا ومستقبلنا وخلاصنا من جهل عشعش في أعمارنا وتاريخنا وبطريقتها الهادئة تتسلل لنفوسهم بالطيب قبل أن يتناولوا السموم التي تقتحمنا بوقاحة نعرفها وندرك أهدافها لكننا نتلهي بجنس الملائكة.

من يقراء حواركما يشعر بأن هناك خطوة أولى ممكن أن نبدأ بها في زمن الضياع المتقن رسمه.

فاطمة فقيه

شاهد أيضاً

وجه كتاب توصيات لوزارة التربية

مطر: “فلنخفف على طلاب المدارس الرسمية” تجاوبا” مع طلاب المدارس الرسمية في صرختهم حيال الامتحانات …