التغيير كلمة كبيرة

 

سارة غريب

أحببت ان اشارككم مقالًا كتبته منذ تسع سنوات بما أنه من تسع سنوات للآن، لا شيء تحسن (التغيير كلمة كبيرة) بل عدنا الى الوراء اشواطًا .. فيما يلي المقال:

 

قرأت نبأ إغتيال الفنان السوري “محمد رافع ” هذا الصباح.. تأثرت بالخبر،فها هي “الثورة” المزعومة وصلت للفن، واسترجعت في لحظات المأسي الكثيرة التي شهدتها في لبنان، من قانا ودماها وتموز واوجاعه التي لم تفارقني البتة، إلى غليان لبنان والمنطقة بأسرها الذي لا ينفك يشتد غلياناً..
من هنا، من غربتي، أتابع بشغف ما يحدث، فلا تحلو لي قهوة الصباح إلا مع تصفح بضعة مواقع إخبارية متنوعة.. ولحسن حظي أني في غربة، إذ بت أرى الأمور بشكل أوضح، فعندما تخرج من الدوامة، أمكنك رؤيتها وتحليلها بموضوعية أكثر، و أمكنك إستخلاص العبر وإستنتاج الخلاصات الواجب اتباعها في سبيل النهوض بمجتمعاتنا والمضي بها قدماً على مختلف الأصعدة الاجتماعية والإقتصادية والسياسية وغيرها..
بالعودة إلى إستشهاد الشاب السوري “محمد رافع”، أردت أن اكتب عنه قليلاً للاشياء الكثيرة التي ذكرني بها، كاستشهاد الفلسطيني “محمد الدرة” في حضن أبيه، وإستشهاد أطفال قانا الثكلى، وكل من قتل مظلوماً في سبيل تحقيق قضية كاذبة اختلقتها الدول الكبرى بكيدها وأطماعها التي لا تعرف نهاية..
بحث صغير على الانترنت للتأكد من مصداقية الخبر وصحته (نظراً للإشاعات الكثيرة مؤخراً)، وهنا الخبر الأهم..
من ميزات الفيسبوك أنه يمكنك من كتابة تعليقات في مواقع مختلفة وعلى مختلف الأخبار.. فسباب وشتم وشماتة بالموتى، تعليقات من هذا الطرف مجرحة ومسيئة للطرف الأخر الذي يرد بعبارات أقسى وأشد بذاءة! وإذ بنا نتحول من نبأ حزين فيه الكثير من الظلم والجور إلى حوارات بين شبان وشابات معظمهم “جامعيين” مليئة بالحقد والكره والضغينة والتكفير بالاخر! وهنا القضية!
عذراً مسبقاً على تعبير “سني” و”شيعي” وغيرهما، لكن يلزموني في ما يلي..
شابة شمتت بمقتل فناننا، لأنه مع النظام، فيقابلها بالرد شاب من الطائفة الشيعية الكريمة بألفاظ نابية مهينة نستحي استحياءً مجرد قراءتها.. ويسانده شبان اخرون، فيكون ما قرأناه انفاً غيضٌ من فيض!! يرد عليهم شاب من الطائفة السنية الكريمة رداً مهذباً في مكانه مختلفاً معهم في الرأي، فيتهجمون عليه مدعين أنهم “تربية حسينيات”!!! فلا يسع الشاب إلا أن يرد على كل منهم قائلاً “حسبي الله ونعم الوكيل عليكم، أهذه “تربية حسينيات”؟!! إذاً حسبي الله ونعم الوكيل عليكم!” .
أنا لست في معرض الدفاع عن أي من الطرفين، انما أحببت أن أصل إلى خلاصتين، قد أكون مخطئةً فيهما، لكن ساعرضهما على أي حال:
١- أولاً: إلى أبناء طائفتي الكريمة، تحديداً أولئك، ونحن على أبواب ذكرى عاشوراء، الأهم في احيائها هو الاقتياد بمسيرة امامنا “الحسين(ع )”، فها هو في قلب المعركة في كربلاء وفي مواجهة ثلاثين ألف جندي عاد، ولم يتوجه إلى أي منهم لا بلفظ ناب ولا حتى بكلمة مسيئة أو مجرحة، لا بل كان يستشهد بأقوال الرسول الأكرم (ص) الذي علمنا اداب الحديث ومكارم الأخلاق، وبايات من القرأن الكريم. هذا لا يعني أنه في موقف الضعيف، على العكس تماماً، إن الضعيف هو من يلجأ إلى السباب والشتم ليبرهن قضيته، في حين اننا إن اردنا أن نكون في موقف الأقوياء لا نهزم، لقرأنا الكتب والمراجع، ولبحثنا ولطالعنا، ولوجدنا من الحجج والبراهين والأمثلة الكثير الكثير نحاجج ونناقش ونحاور بها حواراً إنسانياً أخلاقياً حضارياً راقياً، يعكس صورتنا الحلوة المتزنة، وهنا لأمكننا المفاخرة بأننا “تربية حسينيات” ولبيضنا وجه امامنا(ع) ولا نكون قد أسأنا لا لأنفسنا ولا لتربيتنا ولا لديننا ولا لعقيدتنا. بالأسلوب الذي استعرضته أولاً، لا عجب من الصورة المسيئة التي نرسمها لأنفسنا في ظل تركيز إعلامي فائق على أدق تفصيل فينا إضافة إلى تضليل هذا الإعلام وتشويهه لايديولوجيتنا المقاومة ، وفي ظل تهكم عالمي كبير علينا.. فنحن بتصرفنا الساهي واللامبالي نكون قد اكدنا لهم اننا كما يصفون ونكون بالتالي قد أهلكنا أنفسنا..
فشتان ما بين الاسلوبين وشتان ما بين الطريقتين في التحاور والمخاطبة!
٢- ثانياً: إذا كنا مقتنعين بأن الدول الكبرى تدبر لنا مكيدة وفتنة طائفية سنية-شيعية -في لبنان تحديداً- ،فنحن، بالأسلوب الأول، جل ما نفعله هو تغذية هذه الفتنة وإلهاب نيرانها، فنقدم لهم النصر على طبق من ألماس وليس حتى فضة! إذاً، الخلاف العقائدي ما بين الطائفتين وما بين الأديان ككل لا يجب أن يترجم حقداً وكرهاً وبغضاً بين الأشخاص، أو بالأحرى بين مواطني الدولة الواحدة، هذا إذا كنا نريد أن نتكلم عن دولة واحدة ونكون دولة واحدة. إذ بالامكان أن يكون صديقي المفضل هو من اقتل وأخاصم من الطائفة الأخرى، وهذا لا يعود علينا بالنفع في أي شيء!
..
يا ليتنا نستطيع تخطي فروقاتنا جميعاً ونعيش معاً جنباً إلى جنب، يداً واحدة. ففي الفيتنام، هناك ٥٨ اثنية مختلفة، ويعيشون بسلام وطلابهم من أذكى أذكى الطلاب هنا في فرنسا، ونحن لا نقوى حتى على النظر مباشرةً إلى من يخالفنا الرأي في قلب الطائفة الواحدة، لا بل ننظر إليه بعين ساخرة مستهزئة وحتى كارهة..
ما هكذا نتقدم ونتطور، ما هكذا تبنى الأوطان. ما هكذا يبنى لبنان الذي ننشد ونحلم. لبنان لا يبنى ولا يصبح سيداً حراً مستقلاً إلا عندما أعلن عن انتمائي بأني، وبكل فخر و اعتزاز، “لبناني”، “لبناني فقط لا غير”، وليس “شيعي لبناني” أو “سني لبناني” أو “درزي لبناني” أو “مسيحي لبناني”.
ستقولون لي هناك القضية الكبرى -إسرائيل- ، أنا معكم، لكن يمكننا في نفس الوقت ألا نربي اولادنا، إن كان في البيت أو المدرسة، على التفرقة الطائفية، فنعبئ في رؤوسهم الصغيرة بأن هذا سني وهذا شيعي وذاك مسيحي وفلان يكرهنا وفلان يبغضنا. فنحن بذلك ندمرهم وندمر مستقبلهم. فلبنان الذي نعيش فيه اليوم هو لبنانهم غداً، وكلما زدنا فيه دماراً وحقداً وكرهاً وتفرقة، كلما أورثناهم أضعافاً أضعافاً متلتلة منها.
فرأفةً بأبنائنا، فلنفتح عقولنا وبصيرتنا وأفئدتنا لبعضنا البعض. الله سبحانه وتعالى اعطانا العقل لنفكر ونحلل، فإذا أمكنني أن أرى الخطأ فلأبتعد عنه. ولنفهم جميعنا أن من يتزعمنا، كلهم دون إستثناء، هم من اوصلونا لهذه الحال المتدهورة، وجيوبهم ممتلئة لا بل فائضة. جميعهم عائلاتهم هنا في باريس وفي بروكسيل وغيرهما من العواصم العالمية، يحيون أفضل حياة، ويتلقون أفضل تعليم، ونحن نشقى لنؤمن “الميمات الثلاث” (مؤونة، مازوت، مدارس) وحتى اضطرونا للهجرة والسفر.
فبالله عليكم أفيقوا من سباتكم!! أفيقوا من جهلكم!!
فأنا حقاً أريد العودة! اني مشتاقة مشتاقة لوطن ربيت فيه، وكم ارغب أن يتربى ابنائي فيه مستقبلاً!
وهذه قضية ثورة!!

-سارة غريب-

شاهد أيضاً

د. أحمد عبد العزيز من أشهر أطباء العظام في مصر الحبيبة 🇪🇬 ترك عيادته وذهب إلى غزة

د. أحمد عبد العزيز من أشهر أطباء العظام في مصر الحبيبة 🇪🇬 حين اشتدت الحرب …