فصيح تهامة اليمن

قلم الكاتب اليماني سهيل عثمان سهيل

“فوق جبال الوادي، بلادي الخضراء
في أعماق الوادي، في قلب الصحراء”

ماذا أقول سيدي ففي ذكرى وفاتك يصبح الفصيح أخرساً والكاتب أُمياً والمُتقن للحروف الهجائية أبكماً ..
– ماذا أقول أخبروني؟

 

الإعلامي الكبير والقيل اليماني المعروف بإسمه وشخصه المتواضع يحيى علاو صاحب برنامج (فرسان الميدان) هو فارس الميدان بما تعنيه الكلمة وما تحمله من معانٍ..
– من منكم يتذكر حين غادر الحياة ورحل..؟
رحل عن وطني “المُحارِب والمُحَارب”_اليمن الغير سعيد حالياً..

أتذكر أني كنت طفلاً صغيراً، أدمنت مشاهدة قنوات الأطفال_كونان روميو ألفريدو…
وعند مجيء شهر رمضان كان الشعب ينتظره لمشاهدة أنفسهم وللاستمتاع بفصاحة لسانه وسلاسة أسئلته ومقدماته..
عند بداية الحلقة الأولى لكل عام كان يذهب إلى أجمل مناطق بلدي ويدخلنا في غيبة الخطابة وكاميرا قناة السعيدة تجوب تلك المناظر الخلابة …
أحببت إلقائه وبشاشة وجهه وحسن أداء مهنته..
كيف لا وهو الإعلامي الذي اشتهر وذاع صيته بإنسانيته وحبه للخير وما كانت جوائز برنامجه إلا وسيلة ظهور لا أكثر.

كنت أتعجب من جدي – رحمه الله – يجيب على بعض الأسئلة الشعبية قبل أن يجيب ويتلعثم متلقي السؤال ويساعده على الحل ذلك العزيز الراحل، لقد كان متقناً لاختيار الأسئلة كحكم وأمثال شعبية.

أصبحت مولعاً به، أشاهد حلقاته عبر نافذة جهازي اللوحي كل عام وعلى مدى الأيام حتى اللحظة، أفتح اليويتوب وأرى.. أرى هذا الشعب الذي يصارع الموت بعد أن غادره شخصه الذي ظل مخلصاً لأبناء الشعب طيلة حياته..

وعندما أصيب فصيح تهامة اليمن بورم خبيث في كليته اليمنى ونفس الورم ظهرت علامات انتشاره في الرئة والغدد اللمفاوية.

كانت بلادي تتمخض ذلك الربيع الآتي بعد وفاته، الباقية آثاره حتى اللحظة..
وزارة الثقافة اليمنية لم تسمع صرخاته وجاءته دعوة اسعافه من المملكة العربية السعودية وتحمل سفرية علاجه الأمير سلطان بن عبد العزيز، ومن هناك تم نقله إلى ألمانيا للعلاج واستقبلته ألمانيا النازية بينما بلاده الأقحاح ينتظرون ظهوره في رمضانٍ قادم، ثم فوجئ الشعب بعدم ظهوره في تلك السنة المظلمة، ولم يكتمل العام الذي عانى فيه ألم المرض وتهميش الدولة إلا وداهمتنا الفاجعة الكبرى،

سافر إلى ألمانيا للعلاج وعاد للأردن ثم لمسقط رأسه_اليمن ثم مكث في الرياض وعاد إلى صنعاء وغادر الحياة فارس الإعلام اليماني في سنة 2010

منذ ذلك الحين ونحن نعيش في التيه وتساقطنا بعد عامٍ مضى من رحيله تساقطٌ لا زال قائم، نعم نصعد للوراء كشباب هذا الجيل بسبب ذلك الربيع المشؤوم، داهمنا فجائية ولم يكن في الشعب يحيى علاو، ليربت على كتف المواطن اليمني في برنامج فارسهُ رحل وبقيَّ الوطن ميدانٌ لفئران الحروب وتجار الدين بالسر والعلن.

غاب فارس الميدان ولم يعد في الميدان فرسان فارسٌ لليمن.
غاب واشتعلت بالوطن العربي ثورات التغير، كنا السباقون إلى الميدان، كنا يا سيدي الأوائل في الفوضى ولا زلنا الأوائل في سفك دماء أنفسنا وهجومنا على الدفاع والقفز على إبل الزرانيق، وقذفنا بالبالون المفخخ عكس ذلك المشهد بشط بحر الحديدة.. نتقاذف بالقنابل اليدوية التي تعتبر من مخلفات الحرب العالمية الثانية… بل أصبحنا نتوج بميدالية قتل الأشجار وزرع الألغام وقتل الإنسان اليمني.

أتدري ياسيدي أننا سنقول لك بلسانٍ يمنيٍ لا يسمعه أحد غير الله فتصبح أمانينا دعوات جماعية للترحم عليك
سنقول لك وبالفصحى رداً على بيتاً من الشعر كنا نغنيه عند رؤيتك كل ليلة من ليال رمضان :
عُد يا علاو فالجبال يتمترس فيها الوحوش الضارية_ذرية آدم وحواء والوادي يختبأ فيه فئران اليمن الأصيل ومرتزقة الحرب العالمية الثالثة يمنياً.
عُد إنك في أعماقنا يحيى لم نجعل لغيرك في القلب إعلامياً يعبث في صدور صحراء هويتنا القاحلة.

بقلم الكاتب اليماني سهيل عثمان سهيل
2021/11/7م

شاهد أيضاً

دراسة تكشف فوائد الوظائف المرهقة على الدماغ !

أولئك الذين عملوا في وظائف ذات متطلبات معرفية أعلى، شُخّص إصابة 27% منهم بضعف إدراكي …