الصحافي السياسي المخضرم محسن دلول: “إنهضوا واستفيقوا أيها العرب….”

كنت أول من سهّل اللقاء الأول للسيد نصرالله مع القيادة السورية

ترامب لن يخرج من البيت الأبيض

لا أزال عند رأيي بأن الـ BOT هي أحد الحلول الناجحة لمشاكلنا ومصائبنا..

الدخول إلى ذاكرة محسن دلول لكأنه الدخول إلى صفحات من تاريخ لبنان ومنطقة الشرق الأوسط وربما العالم. إن الحقبة التاريخية التي عاشها وعايشها السياسي والصحافي محسن دلول على إمتداد النصف الثاني من القرن العشرين والتحولات الكبرى التي شهدها العالم وما زالت ترخي بظلالها وتداعياتها السياسية والاقتصادية على لبنان والوطن العربي إلى يومنا هذا. تلك الحقبة من التاريخ ربما كانت الأكثر تعقيداً في لبنان، وفي الإقليم، وعلى المستوى العالمي أيضاً..
محسن دلول القارئ النهم، والسياسي المخضرم الذي عايش، على مدى ثمانية عقود، القادة الكبار، والقضايا الكبرى، والمنعطفات الكثيرة ..
من نائب لرئيس الحزب التقدمي الإشتراكي كمال جنبلاط، إلى نائب ووزير في الدولة اللبنانية. ولطالما شارك في صناعة العديد من الأحداث. البعض قال عنه صانع الرؤساء، وصانع الحكومات، الذي يختزن في ذاكرته الكثير من الأسرار عن لبنان، والإقليم، والعالم، أسرار لو وضعت في الضوء سوف تترك تأثيرها في قراءة مختلفة للماضي بالنسبة للبعض، وتطلعات مختلفة للمستقبل بالنسبة لبعض آخر…


من هذه النقطة بالذات، ودون إغفال الحآل الكارثي للوضع اللبناني الراهن، نسأل، ومن الطبيعي أن نسأل، هل كتبت مذكراتك وتريثت في نشرها لتفتحها في وقت وزمن ما…؟

* عشت الجمهورية الثانية من موقع نيابي ووزاري، ثم لاحقاً كمراقب من بعيد. هل كانت السياسات المتبعة توحي لكم بأن أوضاع البلاد ستؤول إلى ماهي عليه اليوم؟!! وهل كنتم تتوقعون حدوث الأزمة الإقتصادية والمالية التي أوصلتنا إليها تلك السياسات؟

– في الواقع إننا عندما شعرنا بصعوبة عملية تطوير الصيغة السياسية أي تطوير الدستور المنبثق عن إتفاق الطائف، بدأنا نقلق ونخشى على المستقبل.. فهناك نظرية ثابتة في العلوم السياسية والاجتماعية: أن كل شيء لا يخضع للتطوير والتقدم، سوف يفقد صلاحيته، وقد ينتهي بسبب ذلك إلى الفوضى والإنهيار.
إن لبنان ليس كما يقولون، أنه محكوم عليه بالأزمات والتوترات كل فترة زمنية معينة. ولكن إذا كان ذلك يحصل فعلاً، فالواقعية تدعوني للقول، أن الإحجام والتردد في تطوير الصيغ السياسية والاقتصادية والاجتماعية هو ما يولد الأزمات، التي تؤدي إلى التوترات والإنهيارات ويمكن أن تقودنا إلى الإنفجار.
الصيغة بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية يجب أن تكون مرنة، وأن تخضع للفكر الجدلي، أي لا يجب ان تكون جامدة، فكل شيء في الحياة يتطور ويتقدم. والصيغة برأيي، هي بمثابة كائن حي يجب أن نخضعها لعملية التنوع والإرتقاء..
من هنا يمكنني القول أنه كان في زمننا أو أيامننا العديد من وجهات النظر التي تتفاعل وتتصارع، حول أي لبنان نريد؟؟ إنه سؤال يُطرح ولكن لم تكن هناك إجابة واحدة كافية وقاطعة. فهناك من أراد أن يكون لبنان ساحة لمدرسة إقتصادية مقاومة، على طريقة هانوي، أيام الحرب الأميركية على فيننام، ظناً منه أن لبنان هو ملتقى لكل التفاعلات والتطورات المحيطة به. وهناك من كان يريد لبنان وإقتصاده على شاكلة هونغ كونغ..
ونحن بدورنا كنا نحذر، ونقول إذا كنا لا نريد نموذج هانوي، ولكن لا يجب أن نجعله بلد خدمات فقط… كنا نردد في كل مداخلاتنا على ضرورة تعزيز الزراعة والصناعة لأهداف تتعلق بالتركيبة اللبنانية، لأننا كما لاحظنا أن لبنان قد تحول بفعل ساحر مجهول أو معلوم إلى بيروت والضواحي..
وأحياناً كنا نتصارع في جلسات مجلس الوزراء حول موقع ودور لبنان، حتى أن أحدهم وبينما كنت أحذّر من تجاهل دعم التجارة والصناعة، قاطعني بقوله هازئاً: “إن فندقاً واحداً ببيروت أهم بكثير من كل الزراعة والصناعة التي تدعو اليها”..تأثرت كثيراً من هذا التعليق، فناصرني المرحوم رئيس الجمهورية إلياس الهراوي، قائلاً: “إياكم أن تصمتوا على مثل هذه الأقوال فإنكم تعرّضون حتى بيروت للخراب”…وانسجاماً مع قناعاتي في ضرورة تطوير النظام، تقدمت في مداخلة لي في “مركز أزهر البقاع “بمشروع دعوت فيه إلى تطوير الدستور اللبناني أي صيغة الطائف.. فهناك ثغرات كثيرة في دستور الطائف يجب أن تُعالج. وهناك قضايا يتضمنها دستور الطائف تتعلق بتاريخها وزمانها ومكانها يجب أن يعاد النظر بها، منها: “مثل المجلس النيابي يحل نفسه”. هذا لا يجوز على الإطلاق، لأن منطق الحكم الديمقراطي يقضي بوجوب وجود التوازن بين السلطات. فكيف يحق للمجلس النيابي أن يسقط الحكومة ولا يحق للحكومة أن تحل المجلس النيابي.. بالاضافة إلى مدة رئيس المجلس وأقولها بصراحة.. أنا شيعي أتمسك بإنتمائي وأحرص عليه، فكما أن حل المجلس ذاتياً، كذلك مدة رئيس المجلس ٤ سنوات، تحوّل هذه الواضعة النظام الى حكم مجلسي.

*ما رأيكم بدعوة أمين عام حزب الله بأن يتوجه لبنان إقتصادياً نحو الشرق، وتحويل الإقتصاد إلى إقتصاد منتج صناعياً وزراعياً؟
– التوجه نحو الشرق واجب وضروري فالدعوة بمحلها، لكن أن نتوجه لننهض من هذا السقوط المريع.. هل الشرق جاهز لمساندتنا ودعمنا!؟ إنه سؤال كبير وقد يكون الجواب عليه متعثراً أو مجهولاً، ولكن علينا أن نتساءل عن أسباب ما نحن عليه وماذا نريد؟!!، نحن بأمس الحاجة إلى الدولار وما أسوأه لأنه يتحكم بنا ومن يطيعه يحكم تقريباً نصف العالم..
كانت الدعوة مفيدة، لو أن هذا المدى العربي كان حراً ومباحاً لنا بدون تكلفة جمركية بدون وبدون وبدون……. بالإضافة إلى الروس والصين وإيران لو يمدوا لنا العون والمساعدة. فهذه الأمور نرغب بها لأنها تعزز سيادتنا واستقلالنا، وتؤكد بذلك مكاننا كواحد متحد بالمعنى المكاني والجغرافي، وفق نظرية الفيلسوف المصري جمال حمدان، عندما وصف التحدي الجغرافي بعبقرية المكان، فنجن ننتمي إلى هذا المكان الشرقي، ونأمل من هذا الشرق أن يتحد معنا ويعيننا على النهوض من السقوط المريع!!

*هل تختلف الخلفية الثقافية لقادة لبنان اليوم عن خلفية قادة الأمس؟

– نعم، بالتأكيد ..ما يفكرون به اليوم قد يختلف عن ما كنا نفكر به، فالظروف مختلفة والمتطلبات أيضاً مختلفة. وهناك مسألة أنصح بها دائماً قيادات اليوم: “أنه يجب عليهم أن يتعاملوا مع الواقع بكليته لا أن يذهبوا إلى منطق الإستنساب”.

* بإعتبارك تمتلك الكثير من الخفايا والخبايا، لو طلب إليك أن تسمي بعضاً من الذين يفترض أن يكونوا وراء القضبان في قضايا الفساد، من تسمي؟
– لا أسمي أحداً ولا يحق لي أن أسمي.. فالنبدأ بمساءلة من عملوا بمناصب أساسية في الكهرباء حيث تجاوزت الخسارة في هذا القطاع أكثر من نصف الدين العام، لماذا لبنان يعاني من العتمة لفترة طويلة من الزمن، ومن هو المسؤول.. وقد استمعت إلى كلام سماحة السيدعندما تحدث عن B.O.T
في إعتقادي، لا بد لنا من اعتماد هذا التوجه، وعندما تقدمنا به في العام ١٩٩٣-١٩٩٤ أُتهمنا بأننا نريد أن نبيع البلد، وهذا يمس بالسيادة والإستقلال.. ولا أزال عند رأيي بأن ال BOT هي أحد الحلول الناجحة لمشاكلنا ومصائبنا..

* كيف تصف حكومة الرئيس حسان دياب، وهل راض عن هذه التشكيلة الحكومية أم أنك كنت تفضل تشكيلة أخرى؟
– كنت أفضل حكومة سياسية بكل معنى الكلمة لا أفضل حكومة تكنوقراط..
هل يجوز لرئيس الوزراء أن يتحفنا بتصريحاته بالصوت والصورة بأنه وحكومته قد أنجزوا ٩٧٪ من الورقة الاصلاحية، بينما هناك قصور فاضح في علاج سعر صرف الدولار؟!!

هل الحكومة جادة بعلاج الأمور؟!!
من وجهة نظري لو تركت إدارة الكهرباء للمدير العام كمال الحايك لاستطاع أن يعالجها كما يجب..

* في هذه المرحلة الخطيرة، من تختار لرئاسة الحكومة، ومن تختار من الوزراء للتعامل بفاعلية مع المرحلة؟
– البلد مليء بالكفاءات وبأشخاص مميزين، لا أريد أن أسمي حتى لا أظلم أحداً.
زارني قبل مدة شخص من إخواننا السنة وقال لي:(انتوا الشيعة ممكن تشيلوا ايدكن وما بقى تشتغلوا فينا؟! بتريدوا نعمل كتلة لمصطفى الحسيني ٢ سنة و ٢ شيعة؟ انتوا بتدخلوا على الطائفتين)..إنها مراهقة سياسية..
هناك مقولة لجدتي رحمها الله عندما كان يتردد عريس على إبنتها، فسألها أحد أعمامي، لماذا كثرة الإهتمام بالعريس؟!!
فقالت له: “يا إبني البدك تصاهرو ما تقاهرو”..

* أصابع الإتهام تتوجه إلى كل الذين تولوا المسؤوليات منذ إتفاق الطائف، ولطالما كنت العراب في عهود وحكومات عدة، هل وقفت أمام المرآة يوماً ما واعتذرت من نفسك على أخطاء من الممكن قد تكون شاركت بإرتكابها؟
– أخطاء ابداً.. حسابات خاطئة، ممكن أكون قد أخطأت بالتكتيك وليس بالإستراتيجية ..
أنا كنت أول من سهّل للسيد نصرالله لقاءه الأول مع القيادة السورية، وطلب مني أن أحضر اللقاء معهم، وبعد إنتهاء الجلسة شكروني على هذا اللقاء، لكن أحد المسؤولين السوريين قال لهم أنتم تشكرونه، لكن أنا أقول لكم: “الله يسترو منكم”..

* ماذا يعني لك دونالد ترامب؟ وأين هي نقاط الإختلاف بينه وبين الرؤوساء الأميركيين الأخرين؟

– إسألي إبنة أخيه عنه، فهي أصدرت كتاباً تسرد فيه تفاصيل عن حياة ترامب، وهو يحاول منع نشر الكتاب بالقانون..
دعينا نتساءل، هل السياسي الذي يحكم بلاد مثل أميركا لا يستطيع حل مشكلة إرث لأخيه وإبنة أخيه، فكيف يمكنه أن يحكم بلداً!!؟
أعتقد أنه لن يخرج من البيت الابيض، وأراهن أنه لا يعترف بالهزيمة وسيبقى بالبيت الابيض وربما ستصل أميركا إلى حرب أهلية في عهده؟؟

* هل كتبت مذكراتك وأخفيتها لتفتحها في وقت وزمن ما…..؟
– نعم ها هي موجودة أمامي على المكتب، أكتب الماضي والحاضر وليس لدي أي شيء لأخفيه، وطبعاً ستنشر بوقتها.


* اذا أردت أن توجه خطاباً للعرب في هذه الأيام بالذات، ماذا تقول لهم؟
– أقول لهم: “استيقظوا أيها العرب كفاكم نوماً وغيبوبة، وأقول للدول المؤسسة لجامعة الدول العربية، لا أمل لنا بدون توحيد كلمة العرب. وللأسف هذه المنطقة غنية بثرواتها الطبيعية، بينما عدد من الدول الفقيرة فيها يلجأ للغرب أو للشرق لطلب المساعدة وهي نائمة.. عليهم أن يتحركوا ويتفاعلوا أكثر، وهنا تحضرني قصة إدريس السانوسي، عندما واجه جمال عبد الناصر وضعاً مادياً صعباً، أرسل صديقه السيد محمد حسنين هيكل إلى السانوسي ملك ليبيا، ليخبره أنه لم يعد هناك مال لدى عبد الناصر ليدفع رواتب الجيش، وأخبره أن المبلغ المطلوب، هو خمسة ملايين ديناراً، فقال له: قل لعبد الناصر، أننجالزمان أفضل وأكثر حمية منه اليوم. وليس لي سوى القول في هذه الأيام العصيبة: “إنهضوا واستفيقوا أيها العرب….”.

حوار: جمانة دلول

شاهد أيضاً

السفير الأممي أبوسعيد لـ”كواليس”: فرضية الإرهاب وأبعاد استهداف بيروت

 أحمد موسى “11أيلول لبنان” دمّر نصف بيروت موقعاً آلاف الجرحى والقتلىعون “تخزين غير آمن” …