كي لا ننسى ٠٠٠

المهندس عدنان خليفة

وما عايشته شخصياً في يوم السبت الأسود أواخر سنة 1975 في خضمّ الحرب الأهلية اللبنانية ٠٠٠
المكان: بيروت الشرقية – حالات ٠٠٠
أنا كاتب هذا المقال المهندس عدنان خليفة وكنت حينها أبن الخمسة عشر خريفاً ٠٠ لأن فصول تلك الفترة لم تتضمن ربيعاً!!..
وكنت أوزع وقتي بين المدرسة وماكنة جلي البلاط الموزاييك في معمل لتجارة مواد البناء يملكه أهلي – مفرق الصرفند – وكنا نضطر للذهاب إلى بيروت وما سميت بالشرقية بكميوناتنا لنقل الترابة من داخل منطقة حالات من كميون مسيحي إلى كميون مسلم (هكذا كان التصنيف) لأنه لم يكن مسموحاً من قوى الأمر الواقع تجاوز ما سمي بخطوط التماس!!…
طبعاً لصغر سني أنا لم أكن شوفيراً إنما عامل نقل ٠٠ وكنا ما مجموعه مع السائقين عشرة أشخاص من نفس العائلة ٠٠ واكثرهم ما زال حي يرزق ويتذكر ٠٠٠
وبالكاد إنطلقنا بعد نقل الترابة إلى شاحناتنا ٠٠ وعلى طريق حالات الساحلية وفي نقطة مرتفعة تفصل البحر عن تلة وعرة فاجأنا كمين مسلّح لحزب الكتائب اللبنانية (لم يكن وقتها بعد من وجود لحزب القوات اللبنانية ولا لشعار حالات حتماً) ٠٠٠ وعشرات المسلحين المدججين بالأسلحة والملثمين بالأقنعة ومنتشرين على التلة ثم قطعوا علينا الطريق ٠٠ ثم انزلونا من الشاحنات وصادروها وطلبوا منا الوقوف إلى جانب حائط ملاصق لمنزل هناك من طابق واحد بمحازات الطريق ولجهة البحر تمهيداً لتصفيتنا إعداماً بالرصاص وبسبب مذهب الهوية!!! ..
وعلى أثر الضجة خرج صاحب البيت ليستطلع الأمر ٠٠ ووقع نظره عليّ ليبادرني بالسؤال متفاجئاً بالشبه: شو بيقربك أبو وفيق مصطفى خضر خليفة ؟! قلت له إنه عمي ٠٠ علماً ان إبنه علي (ابو مصطفى) كان معنا وبجانبي ٠٠ وقال: لا تخافوا فعمك صديقي ورفيق درب وسواقة على خط السعودية عندما كنا نتجمع في قافلة شاحنات لإجتياز الصحراء ثم نرتاح سوياً على الغداء ٠٠ وبيناتنا في خبز وملح ٠٠
فتنفست أنا والجميع بعض الصعداء ٠٠٠
ودار الهرج والمرج بينه وبين المسلحين واشتغلت الأجهزة والإتصالات وطلبوا منه الإبتعاد ورفض قائلاً أمّا ان أقتل معهم أو تتركوهم ٠٠٠
فطلب مني أحد المسلحين الإبتعاد عن المجموعة مخرطشاً سلاحه ٠٠ ولم أكن أدري وقتها هل سأكون أنا كبش الفداء أو العكس ؟!!..
فوقفَت عائلة صاحب هذا البيت الطيب مع المجموعة ورافقني هو مع تبادل للصراخ والتهديدات ٠٠٠
وبعد ساعة أو أكثر تركنا المسلحون بعهدة هذا الشخص المؤمن برسالة المسيح الإنسانية الحقيقية وانسحبوا متوعدين بالعودة ٠٠ فما كان منه إلا أن أخذنا الى قبو تحت مرتفع الطريق على الشاطيء وخبّأنا هناك ٠٠
وأذكر أننا كنا نسمع بين وقت وآخر شجاراً ورصاصاً و صوت آليات عسكرية ولمدة يومين!!..
ولاحقاً وبعد هدوء الجبهات ٠٠ وكان قد تم تنفيذ التصفيات المذهبية للمئات في شوارع بيروت الشرقية ٠٠ وبعد الإتصالات على أعلى المستويات تم الإتفاق على تسليم ما تبقى من المخطوفين من الطرفين المسيحي والمسلم إلى الجيش اللبناني ٠٠٠
واصطحبنا نحن مسؤول كتائبي مع آلياته وكميوناتنا للمقايضة على الطرف الثاني من خط التماس عند الجهة المقابلة وما سمي ببيروت الغربية وأعتقد منطقة المتحف ٠٠ وأذكر هذا المسؤول ببدلته العسكرية ومسدسين ستانلس على جنباته ٠٠٠
وكذلك لم انس مشاهد عشرات الجثث الملقاة على طول الطريق٠٠٠
وقطعنا السبت الأسود والأحد الرمادي لنكون نهار الإثنين الأبيض في ديارنا ٠٠٠
وتماماً كما تجاوز لبنان الحرب الأهلية والإجتياحات الإسرائيلية وحروب الأخوة الأعداء على طرفي الجبهات وكل تلك الكوارث والمآسي التي صبغت لبنان ولسنوات بين الأسود والرمادي إلى أن كان إتفاق الطائف وبداية التسعينات واستعادة مشروع إعادة بناء الدولة الموحدة بعد ان قسمتها الحرب الى دويلات تحت سلطة الميليشيات وكل منطقة مدعومة مالياً وعسكرياً من دول الخارج وتمارس ما يشبه حكم ذاتي وخوّات ٠٠٠
واليوم ٠٠ وبعد كل تلك السنوات وبسبب أداء السلطة وفشلها وهذا الإنهيار الحاصل ٠٠ يعيش لبنان شحوباً سياسياً وإجتماعياً إقتصادياً وأجواء أكثر من رمادية يدفع إليها كل هذا الشحن والإصطفاف المذهبي والعقائدي السياسي والولاءات الخارجية لأكثر زعماء الوطن وجمهورهم الذي قد يأخذنا الى أكثر من سبت أسود لا بل إلى سواد كل أيام الإسبوع إذا لم نقل ما تبقى من العمر ٠٠٠
والخوف كل الخوف ان لا يكون قد بقي بيننا وعلى أطراف ومناطق النزاع ومع كل هذا الشحن من يحفظ الخبز والملح؟!!..
والشعب اللبناني اليوم هو أصلاً يفتقد الخبز والملح الذي تقاسمه المسؤولون وزعماء المناطق في ليل بهيم!!..
وقد صدق القول: الزعماء يأكلون الحامض والمواطنون يضرسون!!..
وإلى كل متضرر ويعاني شظف وقرف العيش هو وأهله وعائلته وخسر حلمه وكرامته ومستقبله في هذا الوطن٠نقول: اعقلوا وتفكّروا٠٠ فمشكلتكم داخل مناطقكم واحزابكم ومذاهبكم وعند من تزعَّم وتنعَّم وبإسمكم وعلى حسابكم هو وحاشيته٠٠
وهذا كان خياركم٠٠ وشاهدنا احتكاركم وخداعكم وممارساتكم وانانيتكم٠٠ واحتقاركم لكل آخر ومختلف عنكم قريباً كان أو بعيد ٠٠ وفي كل محميات لبنان ٠٠
فهل كتب على لبنان أن يبقى بسبب رعونة وأنانية البعض أفقياً وعامودياً أن يقدّم خيرة شبابه كالقرابين البشرية لإرضاء المتألهين كما كانت قديماً الممارسات الوثنية والجاهلية وعبادة الطوطم؟!.
ارجعوا إلى صوابكم٠٠ وأحسنوا التصويب٠٠٠
وإلى كل من ينادي: العين بالعين والسن بالسن والباديء أظلم٠٠٠
فليكن شعارنا الوطني: الود بالود والصفح بالصفح والباديء أكرم٠٠٠
ومن كان بيته من زجاج وهو من فلّين عليه أن لا يرشق الآخرين٠٠
بقلم المهندس عدنان خليفة

شاهد أيضاً

الصهيونية لا دين لها ولا شعب

بقلم الاعلامي ركان الحرفوش ومن الممكن ان نجد لبناني صهيوني وسعودي صهيوني و اماراتي و …