الدكتور أنيس وانا طبيب قضاء مرجعيون أخصائي زراعة القرنية: وزير الصحة اللبناني قائدًا ميدانيًا أقتدينا به فنجحنا في الحد من فيروس كورونا

للجنوب في قلبه عرش مكلل بالمواويل التي ما زال صداها يتمايل مع نسيمات عليلة تقطر كرامة وعزة وحبًا لا ينضب معينه. مواويل تهمس بأسماء أباء وأجداد وأحفاد سقوا الأرض رحيق الحياة وغابوا دون أن يغيبوا.. تاركين اسماء محفورة على صخور المجد، فتعلم كيف يكون سنبلة ففاض حقلًا مذهبًا واعدًا بعطاءات امه الأرض التي كانت ولم تزل وستبقى وسمًا تعلم منه الخير..

الدكتور أنيس وانا طبيب قضاء مرجعيون المختص بزراعة القرنية، الذي نوه بإنجازاته معالي وزير الصحة الدكتور حسن حمد، بمحافظته على السلامة الغذائية وسهره الدؤوب على الوقاية من جائجة كورونا التي أنتشرت عالميًا.

كان لنا معه لقاء حول عمله ورؤيته للوضع الصحي في منطقته التي يفتخر بتعاون فعالياتها معه، مما ساعد على تحقيق النجاح الذي أستحق التنويه على أمل أن يبقى التعاون مستمرًا لتخطي هذه الجائحة بأقل أضرار ممكنة، مؤكدًا على أنه كان لكورونا إيجابيات تؤخذ العبر منها.

*لماذا أخترت التخصص في طب العيون؟

تخصصي في طب العيون كان ردة فعل، بعدما كان أختياري أن أكون طبيبًا نسائيًا، وفي السنة الرابعة طب، بدأت التدريب في القسم النسائي، وصادف أن جاءت حالة صعبة جدًا، وتوفي المولود بعد أن كنا أمام خيارين إما التضحية بالجنين أو بالأم التي نجت بأعجوبة. أتذكر بأنني خلعت القفازين، وتوجهت لرئيسة القسم مودعًا وتاركًا القسم. لحظتها أيقنت بأنني كطبيب أعالج شخصًا واحدًا، أما الطبيب النسائي فإنه يعالج شخصين، هما: “الجنين والأم”، هذا إضافة إلى أن الطبيب النسائي ليس لديه حياة خاصة وليس لعمله وقت محدد لا بالنهار ولا بالليل، ولا يمكنه أن يبتعد عن المستشفى التي يعمل بها.. لكنني عدت و”أكلت الضرب” لأنني تزوجت طبيبة نسائية. وتصوري لو أنني طبيب نسائي وزوجتي طبيبة نسائية، أية حياة كنا سنعيشها..

بعد تركي القسم النسائي، أخترت طب العيون الذي رغم حساسيته ودقته، وجدته تخصصًا ممتعًا. وعندما بدأت التخصص أحببته، وفي السنة الثانية من تخصصي أعجبت بزراعة القرنية، لأن نجاح العملية ينقل الإنسان من الظلام إلى النور، ويبعث فرح لا يوصف لكلينا أنا والمريض الذي يأتيني في اليوم الثاني أو الثالث للعملية وهو مبصر، إنها فعلًا حياة جديدة، وهذه الحالات تبعث في روحي السعادة والأمل خاصة للذين ليس لديهم إلا عين واحدة ويمكن علاجها بزرع القرنية شرط أن تكون الشبكية سليمة. وهنا أستشهد بعمق مقولة الإمام علي (ع): “أغمض عينيك تعرف نعمة الله عليك”. ونعمة النظر هي من نعم الله العظيمة والمهمة.

التكامل بين وزارتي الصحة والزراعة يحمي المواطنين من التلوث والأهمال

ويضيف الدكتور ونة قائلًا: صادف وأن قمت أعددت برنامجًا تلفزيونيًا، عنوانه: “الحياة أقوى”، على قناة الـotv حول حالة رجل ضرير في الثمانين من عمره، يمشي في شوارع قريته الجنوبية مستندًا على الجدران عندما يريد أن يزور جيرانه، فأجريت له عملية زراعة قرنية نحجت بإمتياز لكون الشبكية في إحدى العينين عنده سلمية، فعاد إليه بصره وأصبح يرى بكل وضوح.

*كيف يتم الحصول على القرنية، هل عن طريق التبرع أو بوسيلة أخرى؟

نحصل على القرنية بالتبرع، ولكن ليس بسهولة، خاصة عندما منعت اللجنة الوطنية وبناء على القانون الأوروبي الذي ينص على ضرورة أن يعرف أهل الواهب الشخص المستفيد من القرنية المتبرع بها من قريبهم، فلم نستطع أن نتابع عملنا الذي كان يسير على نمط معرفة أهل الواهب المستفيد من القرنية الذي يقوم عادة بزيارة أهل الواهب وتقديم الشكر لهم. لذلك نحن اليوم نشتري القرنيات من الخارج، بأسعار تصل إلى الثلاثة آلاف دولار للقرنية الواحدة، يضاف إليها أجرة الشحن والعملية.

*هل عملية زراعة القرنية مضمونة؟

جميع عمليات زراعة الأعضاء ليست مضمونة 100%، لأن هناك إحتمالية لقبول الجسم للعضو الجديد أو رفضه، وإن كانت نسبة الرفض قليلة نسبيًا. أما فيما خص زراعة القرنية بكونها إختصاصي، أعمل على معالجة المشكلة التي أدت إلى تلف القرنية قبل البدء بزراعة جديدة، وإلا لن تنجح العملية،لأن المشكلة التي سببت التلف للقرنية الأساسية ستتسبب من دون شك في تلف القرنية المزروعة.

*هذه الحالات المبشرة هل زادت تعلقك بتخصصك الذي جاء بالصدفة؟

تشعرني بأنني أنجزت جديدًأ مفرحًأ، إنها نتيجة ملموسة ومهمة، تٌدخل المريض إلى عالم من البهجة والنور بعدما كان يعيش الظلمة. وكم صادفت مرضى يبكون كالأطفال من شدة سعادتهم عندما يرون ما حولهم. وقد أجريت الكثير من عمليات زرع القرنية في كافة المناطق اللبنانية منذ بدأت في العام 1998.

*ألا يؤثر البكاء على العملية، وهل تدمع العين؟

نعم تتساقط الدموع من العين عند البكاء الذي يؤثر على العين، لكننا لا نستطيع منع إنفعالات المريض وسعادته، لكننا نحرص  على  منعه من أن يفرك العين التي تكون القطب ما زالت موجودة فيها.

*وماذا أحببت أيضًا في طب العيون؟

أجمل ما في طب العيون أنه “موضة”، فهو أسرع طب يتطور، لأنه يعتمد على التكنولوجيا والآلات بشكل رهيب، لدرجة أن عمليات تصحيح النظر تطورت كثيرًا وأصبحنا في مرحلة أن نصف العملية تقريبًا يقوم بها الجهاز وليس الطبيب، وهذه العمليات لا تستغرق إلاّ ثواني، وأمس أجريت عملية أستغرقت  26 ثانية كوقت عملية في العين، وهذه العمليات آمنة إذا كان التحضير لها جيدًا قبل العملية، وعلى الطبيب أن لا يكون متسرعًا، ويجب أن يقوم بدراسة كل جوانب العملية ونسبة الخطورة أو نجاحها.

*هل يصل الإمر إلى أن إجراء عمليات العيون تصبح مهارة أم لكل عملية خصوصيتها؟

ليس هناك عمل من دون مهارة، فإذا كان اي إنسان لا يمتلك المهارة ولا يحب عمله فمن الصعوبة أن ينجح به. ودائمًا تحمل عملية القرنية المفاجئات، ونحن نسمي القرنية بـ”الليدي”، تيمنًا بالسيدة التي عادة ما تزعجها كلمة أو أنها لا تتأثر مهما فعلت معها، كذكل القرنية ليس لها قاعدة، مزاجية جدًا وتفاجئنا.

*ما هي أسباب التشوهات في العيون التي تولد مع الجنين وهل بالإمكان تفاديها؟

أول شيء يجب دراسة الأمراض الوراثية في العائلة الخاصة بالعين، والتي قد تنتقل بين أفرادها. هناك دراسة تجرى للطب الجيني الذي من خلاله يمكن معالجة الكروموزون المسبب للتشوه ونقله للمرض، لكننا لغاية الآن لم نصل إليه، وفي المستقبل قد يكون العلاج من خلال دراسة علاج الأمراض قبل الإصابة بها، لكن لغاية الآن ما زالت عبارة عن دراسات.

*هل تناول المرأة الحامل للأدوية أو التدخين أو غيرهما يؤثران على عيون الجنين؟

عادة التدخين يضر بصحة المرأة الحامل وجنينها أو أصابتها بفيروس معين، اليوم ممكن أن يتم علاج الجنين من بعض الأمراض القليلة وهو في بطن امه، ولكن ليس في مجال العيون، وما زالت أسباب ولادة طفل وعنده مياه زرقاء أو مياه سوداء مجهولة سوى الوراثية منها.

*هل يعالج الطب في لبنان المياه الزرقاء أو السوداء إذا ما ولدت مع الطفل؟

لبنان منارة الشرق بكل المجالات الطبية، حتى أن الشركات العالمية في المجال الطبي والتي تعتبر لبنان نقطة في بحر السوق العالمي تعرف أن لبنان هو السبّاق دومًا، فأي دواء جديد أو علاج جديد يأتي إلى لبنان مع الدول المتقدمة إن لم يكن أولها.

*هل هذا التميز نتيجة جهود شخصية أم عبر الحكومة؟

هذا التميز نتيجة جهود شخصية، خاصة من قبل الأطباء الذين يطّلعون على كل جديد في عالم تطور الطب، والمعروف ان المستشفيات الخاصة هي التي تطور نفسها وبسرعة. أما في المستشفيات الحكومية فإن الروتين الإداري كان سببًا في تاخير الكثير من التقدم، لكننا اليوم مع معالي وزير الصحة الدكتور حمد حسن نجد نقلة نوعية في تطوير المستشفيات الحكومية التي أصبحت مقصدًا للمرضى وأكبر مثال على ذلك مستشفى رفيق الحريري الجامعي الذي لعب دورًا مهمًا وفعالًا في مكافحة جائحة كورونا في لبنان.

 تنويه الوزير بطبابة قضاء مرجعيونبسبب القفزة النوعية التي شهدها بسلامة الغذاء

*أنت كطبيب عيون تتطلع على التطور العالمي فيما خص تخصصك، هل أنت راضٍ عما وصل إليه طب العيون في لبنان؟

أكيد، لبنان في مصاف الدول المتقدمة في عالم الطب بشكل عام وفي العيون بشكل خاص، وللأسف لبنان أُستهدف من الأقربين أكثر من الغرباء، ولا ننسى أن الطائرة التي كانت تصل إلى مطار بيروت مثلًا من العراق يأتي  ثلاثة أربع الركاب فيها للعلاج في لبنان.

*يعني ما زال لبنان كما أطلق عليه سابقًا مستشفى الشرق الأوسط؟

هذا كان قبل جائحة كورونا، فما قبل كورونا ليس كما بعدها، لكن نأمل أن نتخطى هذه المرحلة الصعبة ويعود لبنان كطائر الفينيق ينتفض من تحت الرماد لكي يستعيد دوره في مجال الإستشفاء في هذا الشرق.

*هل تقصد مرحلة إرتفاع الدولار أو جائحة كورونا؟

 أقصد أنهما نفس المرحلة، هما مرتبطان ببعضهما البعض، لأن كورونا حرب بيولوجية وإرتفاع الدولار حرب إقتصادية.    

*يعني كما بدأنا حديثنا أن اللبناني دائمًا ومنذ زمن طويل يستيقظ على لغم لا يعرف كيف ومتى سينفجر به؟

اللبناني يستيقظ على عدة ألغام وليس لغمًا واحدًا، يستيقظ على لغم أمني ولغم صحي ولغم إقتصادي، وأسوأ ما يعانيه الخوف الدائم من المجهول الذي لا يعرف بماذا سيأتي. كما يعيش عدم الإستقرار الذي يجعل الناس على أهبة الجهوزية لمغادرة لبنان عندما يستطيعون ذلك.

*إلى أين الرحيل وكل الدول غير مستقرة حاليًا مع العلم أننا في لبنان أقل الدول إصابة بفيروس كورونا؟

لبنان أكثر الدول تأزمًا، وكورونا ليست السبب الرئيس في عدم إستقراره بل هي إحدى أدوات الضغط عليه، لقد أقفلنا البلد أكثر من ستة أشهر، واليوم أعدنا فتحه مع أن حالات الإصابة بإزدياد، لأنهم لم يجدوا للفيروس لقاحًا.. هناك سباق محموم بين عدة دول كل منها تدعي أنها وجدت اللقاح، لكن لا يوجد شيئًا ملموسًا على الأرض، وأرى أننا في ظل التطور الذي نعيشه ليس من الصعب إيجاد اللقاح!!!.

*هل تؤيد مقولة أن فيروس الكورونا عبارة عن مؤامرة عالمية لها أهدافها التي لم تتضح حتى اليوم؟

ليست مؤامرة، وإن كان تأثيره على كبار السن مزعجًا، لكن لا ننسى بأن للكورونا جوانب إيجابية، فقد جاءت كناقوس خطر يحذرنا مما نمارسه كبشر من عبث بالطبيعة وتلويثها بالنفايات، لوثنا البحار والأنهار والفضاء، للأسف أهملنا بيئتنا ولم نعتني ابع، إنسان هذا العصر يشبه جهاز كمبيوتر، جاء فيروس كورونا ليعمل له إعادة برمحة “Resetting”. بعد الكورونا سينهض العالم على مفاهيم جديدة، وبالتأكيد سننضبط، ومثال على ذلك وجود شركة فيها 25 موظفًا، وبسبب جائجة الكورونا أصبح كل موظف منهم يعمل من بيته عبر الكمبيوتر، فتبين إن إنتاجية الموظفين كانت أفضل، كما أن هذا الموظف لم يعد مضطرًا أن يستعمل سيارته صباحًا متسببًا بتلوث الجو وإزدحام السير والتزمير والحوادث، لم يعد يدفع مصاريف شخصية، وبقيت إنتاجيته كما هي إن لم نقل زادت وفي نفس الوقت خفف من التلوث. وبالنسبة للشركة التي تحتاج لأكثر من 400 م2 لتسع الـ 25 موظفًا وتستوعب إحتياجاتهم وتلبية أعمالهم، هذه الشركة ستدفع أكثر من 4000 دولار إيجار شهري إذا كان مثلًا وسط بيروت التجاري، اليوم بإستطاعة صاحب الشركة إستئجار مكتبًا صغيرًا نسبيًا، بمعنى كورونا قلص الإحتياجات وزاد الإنتاج.

*لكن سهولة التواصل هذه كانت متاحة قبل الكورونا؟

صحيح، لكن لم يكن أحد يهتم، كورونا أجبر الناس على هذا النمط من التواصل، فالإنسان عادة يحتاج أن يخاف حتى يغير مساره، دائمًا يجب أن يكون هناك حافز أو خوف حتى نتقبل فكرة لم نقبلها قبلًا.

هذه كانت بروفة لعالم آخر بعد كورونا، بالتحضير للـ 5G، بعد الـ 4G، ويقال أن الجيل الخامس أُستعمل في الصين في أزمة يوهان ونجح، لقد دخلت المعلوماتية وداتا الإتصالات في جميع مناهج حياتنا، لم يعد الإنسان اليوم يستطيع العمل من دون داتا، كل شيء أصبح يعتمد على المعلومات والمكننة، وسنصل إلى مرحلة لم يعد للورق أية قيمة، سيوضع الورق في المتاحف كورق البردى المغلف حتى لا يأكله السوس، كذلك لوح الطبشور الموجود في المدارس سيصبح من التاريخ، إنها نقلة جديدة كنا بحاجة إليها، فجاءت عن طريق صدمة الكورونا.  ما أقوله هو رؤية خاصة من خلال معايشتي للحالات وليست معلومات، خاصة وأنني طبيب قضاء مرجعيون، عايشت كورونا منذ بدأت بالعالم، وأستبقت دخولها إلى لبنان بتنظيم عدة محاضرات عن ماهية الكورونا وعن التعقيم والغسيل وعن الحجر المنزلي، الذي يطبق اليوم بإمتياز، والجميل بالأمر أننا ببلد مثل لبنان ضعيف جدًا بإمكانياته بينما تم التنويه بآدائنا من قبل منظمة الصحة العالمية، نحن أبلينا بلاءًا حسنًا في الحد من إنتشار فيروس كورونا، وما زلنا مع فتح البلد نحاول قدر الإمكان ضبط الوضع لمنع حصول آلاف الإصابات. وبالتأكيد توجد في بعض المناطق المكتظة إصابات، وشخصيُا كطبيب قضاء ما زلت مصرًا كما أن البلديات مصرة على المحافظة على كبار السن الذين نحبهم ونعتبرهم ذخيرة لنا وهم أيقونتنا، ويجب أن نحافظ عليهم،  لذلك حذرنا ونحذر من الإقتراب منهم خاصة للذين يأتون من خارج المنطقة ومن خارج لبنان، ونطالب بعدم الإختلاط بهم والإبتعاد عنهم عبر الحجر للمدة المطلوبة والآمنة لهم.

*ما زالت نسبة الحالات ضئيلة في منطقة مرجعيون؟

صحيح، الحالات عندنا لم تتعدى الثمان إصابات، منهم حالة واحدة محلية والسبعة من الوافدين، من دون أية وفاة، وقد تم شفائهم والحمدلله، واليوم  القضاء نظيف ليس فيه أية إصابة، ولكننا نتحضر لكي نمنع حصول عدد أكبر من الإصابات لأنه من المتوقع في 15 تموز الحالي ستكون ذروة الإنتشار، بسبب فتح البلد وما قد ينتج عنه من إختلاط.

*كطبيب لقضاء مرجعيون، إلى أي مدى كان لدور معالي وزير الصحة من أهمية في تنظيم مثل هذه الأمور؟

لمعالي وزير الصحة الدور الأكبر في حماية الوطن من تبعات أكبر، لأن أهم ما بالقائد أن يتقدم جنوده ويسير أمامهم في المعركة، كما فعل الوزير الذي زار كل المناطق اللبنانية، وهذا يشهد له، فقد تواجد على الأرض إينما حدثت مشكلة، ونحن أقتدينا به.

*برأيك، لو كان وزير آخر هل كانت النتيجة نفسها في الوقاية والحماية من كورونا؟

لا أستطيع أن أقول لو.. يمكن بالوضع الذي نحن فيه كل وزير سيبذل جهدًا كبيرًا لينقذ أهل بلده من الأخطار، أما بالنسبة للوزير حمد حسن، ترفع له القبعة وقد أبلى بلاء حسنًا، وأهم ما بالموضوع أنه كان رئيس بلدية ثم رئيس إتحاد بلديات بعلبك – الهرمل، وهو طبيب مختبر، وأنا أعرف أهمية هذه التجربة الحية بحيث خضت العمل البلدي في بلدتي “القليعة” ثم أستلمت طبابة القضاء مما أوجد عندي معرفة بالعمل الإداري، الوزير هو تكنوقراط بجدارة وفي مكانه، وقد كان لي تجربة حية معه في منطقة مرجعيون عندما طلبنا بعض المساعدات والهبات المستعجلة، فوافق عليها بسرعة مع التنويه والتشجيع على أي عمل نراه مناسبًا للمصلحة العامة، بينما وزير آخر ليس لديه الخبرة الميدانية التي أكتسبها وزير الصحة من عمله في الشأن البلدي إضافة لكونه طبيبًا، كان سيمارس الروتين الإداري كما هي العادة في لبنان. وبذلك أقول أن كل المعطيات المطلوبة تمثلت بمعالي وزسؤ الصحة، فكان والحمد لله في هذه الظروف الصعبة والحساسة هو الشخص المناسب من كل النواحي، وقد أختاره “حزب الله” مع أنه ليس عضوًا فيه، وكان إختيارًا موفقًا إضافة للفريق المساعد معه، ومن خلال خبرتي أنا كطبيب قضاء لو لم يكن معالي الوزير متعاونًا معي لما حققت ما نتباهي به اليوم، لأنني لست إنسانًا خارقًا يستطيع أن يعمل المستحيل، كنت أتعامل على الأرض مع رؤساء بلديات المنطقة والمخاتير  وحزب الله وحركة أمل، والفعاليات والهيئة الصحية، الكشافة الإسلامي، الصليب الأحمر والهلال الأحمر وفي مقدمهم جميع الأجهزة الأمنية، كل هؤلاء ساعدونا، كنت أنا رئيس الخلية، لكننا جميعًا كنا يدًا واحدة بتعليمات من معالي الوزير. بكلام آخر أذاعدنا للمقولة الثلاثية التي قالوا عنها أنها خشبية أرد عليهم بأنها ثلاثية ذهبية، فما ينطبق علينا في لبنان لا ينطبق على بلد آخر، ومثلما قالوا الجيش والشعب والمقاومة، نفس الشيء في معركتنا كنا ككوادر صحية نمثل الجيش الأبيض وكانت المقاومة متمثلة بالهيئة الصحية والكشاف الإسلامي من حزب الله وحركة أمل والشعب تمثل بالهيئة المدنية المؤلفة من المتطوعين الذي نزلوا معنا على الأرض وساعدونا دون مقابل، إن كان من أطباء أو ممرضين أو أناس عاديين، كانوا يتركون عائلاتهم  ويرافقونني في عملي على الأرض، هذا غير موجود في بلد آخر لا يمكن أن يعمل أحد من دون أجر. شعبنا لديه ولاء وإنتماء خاصة في منطقة الجنوب، نحن مغموسون بهذه الأرض رغم ما مر علينا لأنها رويت بدماء أهلنا.

*منطقة مرجعيون تجمع الطيف اللبناني الإنساني الجميل ويشهد لها عبر الأزمات عدم إنجرارها الطائفي البغيض، برأيك إلى ماذا يعود ذلك؟

الحمد لله، لم تعترضنا أية مشاكل طائفية حتى عندما مر لبنان بأزمة الذبح على الهوية، معروف عنا أن الجار يحافظ على جاره لأي طائفة أنتمى، فكل منا يمارس طقوسه في بيته بينه وبين ربه، أرضنا نزرعها سوية وغلالنا مشتركة، والكل يعرف كله، والكل يركض على كله، عندما تحتاج قرية ما إلى العون نهب هبة رجل واحد، بغض النظرعن كونها مسلمة أو مسيحية ، سنية أو شعية أو درزية، لا أحد يفكر بهذا المنطق البغيض، عندما ننظر لخريطة الجنوب نجد الإختلاط المتنوع والكبير وكل واحد منا يعرف كيف يخاطب الآخر في أفراحه وأتراحه وجميع مناسباته، وهناك الكثير من الأسماء الإسلامية في القرى المسيحية والعكس صحيح، فانا في قريتي المسيحية يسمون محمد وحسن وهذه ميزة للمنطقة حمتها وأعطتها المناعة التي تحارب دخول المرض، هذه المناعة جعلتنا على مر العصور نصد أي غريب يحاول أن يدخل بيننا ويفرقنا، هذه المناعة الوطنية إكتسبناها بالخبرة، تصدينا بها الغزوات والإحتلال العثماني والفرنسي والإنكليزي ومؤخرًا الصهيوني الذي رحل مهزومًا وبقينا نحن، لأننا سقينا أرضنا بالدم، وبقينا متعلقين بها والدليل أننا نجري حوارنا اليوم أنا وأنت في “منتزه زهرة حصن الوزاني” وعلى مرمى حجر من فلسطين المحتلة التي قد يكون جنود الإحتلال المغتصبين يراقبوننا من دون أن نأبه لهم، ولو لم يكن للسيدة زهرة عبدالله صاحبة المنتزه هذا الإيمان الكبير وحب الأرض لما وضعت ملايين الدولارات لتبني هذا المنتزه في أرض مجاورة لعدو شرس، وهي المرفهة التي كانت تعيش في فرنسا وكان بإمكانها أن تبني مشروعها في أي مكان آمن، يدر عليها الكثير من الأرباح، لكنها أبت إلا أن تقاوم سلميًا، سياحيًا وإقتصاديًا، هذه هي مقاومة البقاء التي يتميز بها أهلنا في الجنوب، كذلك أنا عندي بيت في بيروت وكنت مسافرًا بالخارج وجاءتني منحة إلى  أميركا، لكنني رفضت وجئت إلى قريتي لأقوم بواجبي تجاه أهلي.

*بكونك إبن المنطقة وعلى تماس مع شرائح متنوعة من الناس، ماذا أكتشفت من أمور لم تكن تعرفها؟

عملي بالشأن البلدي لمدة ست سنوات كعضو بلدي وست سنوات نائبًا لرئيس البلدية، جعلني على تماس مباشر مع الناس، تعرفت على كل مشاكلهم ليس فقط في قريتي بل في كل المنطقة لأن العمل البلدي الذي يعتبر سلطة محلية يتكامل من خلال تبادل الخبرات والتعاون من أجل المصلحة العامة.

 وثانيًا لكوني طبيب متخصص بزراعة القرنية، أتاح لي تخصصي أن أجري عددًا كبيرًا من عمليات زراعة القرنية على مساحة الخريطة اللبنانية، وبالتالي كنت أتعرف على أنماط حياة الجميع، وأصبحت أكثر قابلية لتقبل الآخر مهما كانت طائفته أو تفكيره أو إنتمائه الحزبي أو العقائدي، وأفضل ما في عملي أنني كنت أزرع قرنية واهب مسلم في عين مريض مسيحي والعكس صحيح. ولم يكن يمنعني من تركيب القرنية إلا أذا كانت غير مناسبة مهنيًا. لم أرضخ لأية ضغوطات إلا للعمل المناسب والذي فيه مصلحة الجميع. كذلك في طبابة القضاء اتسعت دائرة علاقاتي، والذي لاحظته أن قوات اليونيفيل يدركون إنفتاح أهالي قضاء مرجعيون وما يتميز به من توازن واحترام متبادل بين جميع القرى وجميع الطوائف وبين الناس وعلاقتهم ببعضهم البعض وبينهم وبين جيرانهم، قوات اليونفيل تعلموا من تقاليدنا الكثير، وإذا ما سافر أحدهم، يتمنى العودة إلى الجنوب ثانية، وهم يقولون بأنهم يشعرون أن لديهم قرية ثانية إسمها إبل السقي أو كفركلا أو القليعة أو الخيام أو مرجعيون…. مع أنهم خدموا في كل دول العالم، لكن يبقى للجنوب في وجدانهم الصورة الأحلى.. والسبب أن المجتمع الجنوبي منفتح مضياف يستقبل ضيوفه برحابة بعيدًا عن المصلحة، هذه الصفة الجنوبية ثبتتنا في أرضنا.

*الا ترى معي أن الإغتراب الجنوبي أستفاد من ثقافات الدول التي ذهب إليها وصقلها بخصوصية جنوبية مميزة؟

أعتبر ان الإنسان اخ الإنسان، لم يختر أحد دينه ولا أمه أو ابيه أو إسمه ولا جنسيته، الله سبحانه وتعالى أعطاه العقل ليجعله متنورًا يؤمن أن هناك رب مهندس لهذا الكون العجيب بكل تفاصيله، ولكل إنسان حريته في أن يسلك الطريق المؤدية إلى الله حسب ما يريد، شخصيًا تدهشني شبكية العين عندما أرى هذا الغشاء الذي يظهر تحت المجهر كورقة السيجارة يحلل الضوء ويبعثه إلى الدماغ حتى يرى الإنسان، ليس من مجال إلا الإيمان برب الكون وخالقه، الإنسان عندما يبتعد عن التعصب ويتقبل الآخر يؤمن يمساعدة أخيه الإنسان بمحبة وإنسانية من دون إذلال وإهانة للمحتاج.

*  برأيك لماذا لا يعمل بقية الوزراء في هذه الوزارة والوزارات التي سبقتها بمهامهم كما وزير الصحة حتى لا ينهار البلد؟

أنا لست بوضع تقييم لعمل الوزراء الآخرين، فالأزمة التي يمر بها البلد هي بسبب إستهدافه رغم صغره بحكم موقعه، هذه الـ10452 كلم مربع تطمع بها كل دول العالم، بسبب القضية المركزية الأساسية والتي هي المشكلة، والإسرائيلي لن يهدأ له بال حتى يجد وطنًا بديلًا للفلسطينين، فقد أرتكب الإسرائيلي غلطة كبيرة عندما أحتل أرض لها أصحاب، وهو اليوم يبحث عن وطن بديل لأهلها، في الوقت الذي كان بإمكانه أن يأخذ أية أرض غير مسكونة وكانت كثيرة في العالم، لذلك عانينا سابقًا من تجربة الوطن البديل في السبعينيات وسقط المخطط، لأننا رفضنا أن نترك أرضنا، اليوم يبحثون عن تسوية، من هنا نجد أن لبنان بلد مستهدف من كل الدول لأنهم يرون فيه فكرة الوطن البديل لتوطين الفلسطينين، وعندما يتم التوطين أعتقد أن هناك أمور كثيرة ستتغير وتصبح أكثر سهولة طبعًا بالنسبة لهم.

*والحل برأيك؟

الحل يكمن بسلام الشجعان المقاومين وليس بالخنوع.

*هل يمكن أن يرضخ للسلام، عدو بنى إستراتيجيته على الأطماع؟

عندما بنى الإسرائيلي هذا الجدار الإسمنتي العالي أعتقد أنه لم يعد لديه أطماع وأيقن أن تخطيه هذا الجدار يكلفه وجوده، وأننا وصلنا إلى مرحلة يجب أن يذهب إلى الحل دون الإملاءات التي ولى زمنها.

*كطبيب عيون كيف تنظر إلى لبنان وما يعانيه من وضع إقتصادي مزري؟

رؤيتي البسيطة أننا ذاهبون إلى تأزم أكبر والى الأسوء وفي النهاية ستنفرح إنطلاقًا من مقولة: “أشتدتي يا أزمة بتنفرجي”، الحل لا أعرف ما هو، نحن مقبلون على مشكلة كبيرة بعدها سيكون الحل.

*إلى أي مدى قادرهذا المواطن اللبناني على تحمل الجوع؟

نحن اليوم نعيش الحصار لتجويعنا ولكنهم نسوا أننا مررنا بأزمنة أصعب من هذا الوقت بكثير وتخطيناها، وما نراه من تأقلم المواطن إلا فترة هدنة يستعيد فيها مقاومته لتحقيق النصر الموعود على الفساد وأربابه.

*هل الزراعة هي الحل؟

 الزراعة والصناعة  هما أساس بقاء الإنسان، فـ”ويل أمة لا تأكل مما تزرع ولا تلبس من تصنع”، للأسف وصلنا إلى مرحلة أن الجيل الجديد المتلهي بالكمبيوتر وغيره لن يحافظ على الأرض كما أهله، وكل ما يعنيه منها ثمنها وما يستطيع أن يشتريه مثل سيارة موديل السنة، هذا الجيل لا يعرف قيمتها المعنوية التي تساوي كل المال،  لا يعرف أن من لا أرض له لا عرض له، لقد نزح أكثرية أهل القرى إلى المدن وأهملواالأرض وأصبحوا يزرعون على الشرفات وعلى السطوح وفي الأواني الزراعية، من دون أن يعرفوا أن الزراعة تجعل الإنسان ثابتًا في أرضه.. ففي الصحراء كانوا يتحاربون على الماء والكلأ لأنهما يمثلان الحياة، فالأجهزة الإلكترونية لن تخلق حياة لأنها تتعطل عندما تنقطع الكهرباء، لكن الأرض معطاءة دائمًا وفي كل الظروف والأحوال، جدودنا ثبتوا في هذا الأرض بالزراعة أكلوا وشربوا وعاشوا، مهما وصلنا للتطور، ينتهي كل شيء بكبسة زر، لكن الأرض تبقى وتعطي الحياة.

*يعني كما قال وليد جنبلاط، سنرجع لأيام جدودنا؟

نحن اليوم رجعنا لأيام جدودنا بكل معنى الكلمة، والجميل بأخواننا الدروز أنهم لم يتركوا أرضهم وأهتموا بها كما يهتمون بأولادهم وهذا يشهد لهم. عندهم ولاء كبير وثقافة الإنتماء للأرض، لذلك مناطقهم من أجمل المناطق.

*من موقعك كطبيب مسؤول عن النواحي الصحية في مطاعم ومنتزهات القضاء، هل تطمئن الناس بأن الأمور ممسوكة؟

هناك تقدم كبير وملحوظ على ما يسمى بسلامة الغذاء منذ عام 2017 لغاية اليوم، مما أستدعى تنويه  بطبابة  قضاء مرجعيون  من معالي وزير الصحة، ومن هذا المنطلق أقول للناس أنهم في أمان من نواحي السلامة والنظافة والرقابة في منتزهات المنطقة، لكن هذا لا يعني أنهم لا ينتبهوا لأنفسهم من الإختلاط والوقاية بما يختص بجائحة كورونا.

*متى أستلمت طب القضاء، وما هي مسؤولياتك؟

طبابة القضاء هي وزارة صحة مصغرة في القضاء، وقد تم تعييني من قبل وزارة الصحة في شهر حزيران عام 2017، ومسؤوليتنا تتضمن الترصد الوبائي وكل ما يسمى تلقيح وتحصين ومراقبين صحيين لسلامة الغذاء، وأطباء مراقبين للإستشفاء في المستشفيات والمستوصفات التابعة لوزارة الصحة. أما بالنسبة للتنويه فكان بسبب القفزة النوعية التي شهدها القضاء بما يتعلق بسلامة الغذاء، بحيث لاحظ معاليه نشاطنا وحجم المراقبة والإنذارات عبر كثافة التقارير اليومية التي ما زلنا نقدمها بكل دقة ومسؤولية، لأننا نؤمن بأهمية دور السلامة العامة وتحديدًا الغذاء الذي نتناوله بإعتبار أن المعدة هي بيت الداء ووالغذاء هو الدواء، فإما أن نتغذى أو نمرض.. لذلك أرى أن دورنا في الكشف على ما يتناوله الناس يحتاج إلى مهنية وإلى الضمير معًا، ومن خلال موقع مجلتكم، أتمنى أن يبقى التعاون مستمر بين وزارتي الصحة والزراعة بالتشدد بمراقبة المبيدات والأدوية الكيماوية التي توضع للمزروعات حتى تنمو بسرعة، لما له من أثار سلبية على صحة الإنسان إذا ما كانت الكميات غير مدروسة وغير ملتزمة بالإرشادات، خوفًا من المستهترين الذين يتلاعبون بلقمة الناس، وضرورة أن يلتزموا بمعايير معينة كما المزارعين الذين يصدرون للخارج، مع الشكر للمراقبين الزراعيين في القضاء.

*كلمة أخيرة للناس من طبيب قضاء؟

مع إنفتاح البلد أخاف على كبار السن، لذلك أتمنى الإهتمام بهم وعدم تعرضهم للإختلاط وتجنب الغرباء والوافدين خاصة الذين يعانون من أمراض مستعصية لأنهم إذا أصيبوا بفيروس كورونا قد يتعرضون  لمضاعفات، هم ونحن بغنى عنها.

فاطمة فقيه

شاهد أيضاً

أفرام: “اقتراح قانون مع زملاء لتأمين تغطية صحية واستشفائية فعلية ولائقة للأجراء من خلال إتاحة خيار التأمين الخاص”

كتب رئيس المجلس التنفيذي لـ”مشروع وطن الإنسان” النائب نعمة افرام على منصة “أكس”: “نظراً للآثار …