شخصيّتان فريدتان :*

من محاضرة عاشورائية للعلاّمة المرجع السيد محمد حسين فضل الله تاريخ 10 محرم الحرام 1426ه/19_2_2005م

…. ثم إنّنا نجد في عاشوراء شخصيّتين في موقع العنفوان، والعظمة، والروحانيّة، والعلم، والحركة، والانفتاح على الواقع والعمق الإنساني الثّوريّ، والانفتاح المطلق على الله تعالى، فهناك الحسين(ع)، الّذي إذا حدّقت فيه، رأيت بعضاً من ملامح رسول الله(ص)، في ما عاشه في طفولته مع رسول الله(ص)، وتجد فيه بعضاً من ملامح فاطمة الزّهراء(ع)، في ما عاشه في أحضانها من كلِّ انفتاحات القيم والروحانيّة والمسؤوليّة والشّجاعة، وتجد فيه عليّاً(ع)، في كلِّ شموخ البطولة والشّجاعة، وفي كلِّ ما يتمثّل فيه من هذه الرحابة الفكريّة والثقافيّة، التي امتلأ بها فكر عليّ(ع)، وتجد فيه كلّ هذه الأخلاقيّة الرائعة في انفتاح الحلم والخلق العظيم، في ما عاشه مع الإمام الحسن(ع). وقد لا نجد شخصية في التاريخ، حملت كلّ هذه العناصر، وكلّ هذه الملامح؛ هناك ثوريّون قُتِلوا أو استشهدوا، وهناك شخصيّات حركيّة تحرّكت، ولكنّنا لن نقرأ في التاريخ، بما في ذلك التاريخ الإسلامي بعد رسول الله(ص) وعليّ(ع)، شخصيّة في مستوى شخصيّة الإمام الحسين(ع). لذلك، فإنّنا عندما نقدِّم الإمام الحسين(ع) في (كربلاء)، بكلِّ هذه العناصر، فإنّنا نصنع مجداً للأمّة في تاريخها الّذي ينفتح على حاضرها، ويتحرك في صناعة مستقبلها. تجد هناك الحسين كوناً هائلاً في العلم، وفي الروحانيّة، وفي الثّورة، وفي الأخلاق.

لذلك أقول: ربّما نكون قد ظلمنا الحسين(ع)، لأنّنا أخذنا منه جانب المأساة، واستغرقنا في كلِّ جراحاته، وفي كلِّ آلامه، ونسينا الحسين(ع) الإمام، واقتصرنا على حسين الثّورة. وشخصيّة الحسين الثّائر، إنما هي من عمق إمامته، فإمامته أعطت للثّورة شرعيّتها، لأنَّ الثورة تحتاج إلى شرعيّةٍ في كلِّ انطلاقتها وخلفيّتها، وما إلى ذلك. إنَّنا نريد أن نأخذ الحسين(ع) كلَّه، بمواعظه، وبوصاياه، وبأخلاقيّته، وبفقهه.

ثم نلتفت لنجد شخصيّة السيّدة زينب(ع)، الّتي امتلأت علماً، وارتفعت روحانيّةً، وعاشت شجاعة الموقف في صبرها وصمودها، في تحدّيها لكلِّ هؤلاء الّذين صنعوا المأساة؛ في الكوفة عندما خاطبت ابن زياد، وعندما خاطبت الجماهير، وفي الشّام، عندما خاطبت الطاغية يزيد. إننا قد لا نجد امرأةً في التاريخ الإسلامي، بعد الزّهراء(ع)، في مستوى شخصيّة زينب(ع) في كلّ هذه العناصر.

لذلك، فإنّ ذكرى عاشوراء تمثّل ذكرى تنفتح على كلِّ عناصر الشخصيّة المتنوّعة التي يمكن أن تقدّم مدرسةً لكلّ الأجيال في تنوّعاتها البشريّة، مما قد لا تجده في أيّة معركة أخرى. قد نجد هناك أناساً يسقطون في مأساةٍ هنا وهناك، وقد واجهنا الكثير من المآسي التي حدثت وتحدث في فلسطين، أو في العراق، أو في إيران، وما إلى ذلك، ولكنّنا لا نجد مثل هذه العناصر المتنوّعة في مواقفها، وفي إيحاءاتها، وفي وعيها، وفي إسلاميّتها، كما نجده في (كربلاء). هذا من النّاحية العامّة.

ولذلك، نحن بحاجة إلى كربلاء في كلّ جيل، لتصنع كربلاء جمهورها في كلِّ تنوعاته، ولتقدّم النّموذج الأمثل الَّذي يمكن أن يكون القدوة لكلّ الأجيال في المستقبل …..
يتبع ⏮️⏮️🔚🔚.
https://chat.whatsapp.com/CE61btHUAW13qyrvqIlKkH

شاهد أيضاً

ضاهر:” تمنى على الأحزاب المسيحيّة الأساسيّة وقف السجالات العدائية “

تمنّى النائب ميشال ضاهر على “الأحزاب المسيحيّة الأساسيّة”، وقف “السجالات العدائيّة في ما بينها، وإيلاء …