لعودة الأموال السورية المجمّدة في المصارف اللبنانية إلى أصحابها السوريين وللتوقّف عن سياسة “النأي بالنفس”

✍ بقلم د. جمال شهاب المحسن*

من أروع ما تطرّق إليه السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد في خطاب القسم موضوع “النأي بالنفس” بشكل عام والذي ما زال ينطق به بعض الساسة الإنتهازيين ولا سيّما في لبنان دون أن يسميهم ، وبرأيي فإنَّ ” اللعي بالنفس” وصل الى غطاء وقِناع للتآمر والدخول من عدة أبواب أمنية وعسكرية وإعلامية وإقتصادية ضد سورية قلب العروبة النابض وقلب العالم أجمع في إطار توظيف أعمالهم الدنيئة وأدوارهم القذرة وأموالهم في الحرب الكونية العدوانية الإرهابية الصهيونية الأميركية التي تُشنُّ على سورية منذ عشر سنوات ونيّف .

وكم كان مصيباً ودقيقاً من حيث المفهوم السياسي والفكري حين أكد الرئيس الأسد أن النأي بالنفس هو سياسة، وأنه يقيناً من شظايا الإضطراب في محيطنا ، لافتاً إلى أننا نخسر عندما نعتقد أن القضايا المحيطة بنا منعزلة عن قضيتنا، ونربح عندما نفهم بالعمق أن أقرب تلك القضايا إلينا هي قضية فلسطين وأن الفلسطينيين هم أشقاؤنا وأن التزامنا تجاه قضيتهم وحقوقهم ثابت لا تبدّله أحداث أو ظروف ولا غدر أو نفاق، وهو لا ينفصل عن التزامنا بأهلنا في الجولان الذين ضربوا أروع مثل في الانتماء للوطن والتمسك بهويتهم العربية السورية، وأثبتوا أنهم سيبقون مخرزاً في عيون الطارئين من الغزاة في أرضه حتى تحريره كاملاً.

وفي مقاربة الرئيس الأسد للموضوع الاقتصادي كم كان واضحاً وشفّافاً حين أشار إلى أنه خلال عشر سنوات ونيف من الحرب كانت هواجسنا متعددة فطغت في البداية الأمنية منها والخوف على وحدة الوطن أما اليوم فجُلّها هو حول تحرير ما تبقّى من الأرض ومواجهة التداعيات الاقتصادية والمعيشية للحرب، فإذا كنا نرى أن الحالة الأمنية اليوم قد استقرت في أغلب المناطق وأن مجتمعنا حافظ على وحدته بل مكّنها فإنَّ ذلك ما كان ليحدث لو فقدنا إيماننا بقدرتنا واستسلمنا للأمر الواقع والأوهام التي سُوِّقت إلينا، إيماننا بجيشنا واحتضاننا له حقق الأمن وهو الذي سيكمل التحرير ولو بعد حين، إيماننا بأنفسنا، بتاريخنا، بثقافتنا عزز وحدتنا، هذا الإيمان حقق ما يشبه المستحيل في ظروفنا، وهذا الإيمان هو ما نحتاجه اليوم لمواجهة الحرب الاقتصادية لنحول نتائجها لمصلحتنا، ونحن قادرون على ذلك بكل تأكيد وعندما أقول قادرون فأنا لا أبالغ وأنا لا أحب المبالغة وأنا لا أقصد الإيمان بالوهم وإنما بالحقائق وبما أثبته الواقع.

وهنا تطرّق الرئيس الأسد الى المليارات السورية المجمّدة في المصارف اللبنانية وقال : فإذا الحرب والحصار لم يغلقوا الأبواب بشكل كلي، هي كانت مفتوحة، أغلقت جزئياً، نستطيع أن نمر منها، يكفي أن نعرف كيف نمر من هذه الأبواب؟ هناك عوائق، والعائق الأكبر حالياً هو الأموال السورية المجمدة في المصارف اللبنانية والتي تُقدّر بعشرات المليارات والبعض يقول بالأربعينات والبعض يقول بالستينات، كلا الرقمين كافٍ لإحباط اقتصاد بحجم اقتصادنا سواءً من خلال تجميد الأموال وحرمان دورة الاقتصاد من هذه الأموال الكثيرة أو من خلال عملية تهريب هذه الأموال أو إخراج هذه الأموال والضغط المستمر على الليرة السورية وتخفيض قيمتها الشرائية على مدى سنوات وبشكل متعاقب، هذا العنصر يشكل عائقاً كبيراً وتحدياً عسيراً وجُلّه مرتبط بتغير الظروف في لبنان، لكنه أيضاً درس للمستقبل لكل من فكر بنفسه بمعزل عن الوطن فخسر هو وخسر معه الوطن، يليه بالتأثير الحصار الذي لم يتمكن من منعنا من تأمين الحاجات الأساسية لكنه سبب اختناقات ولا من حرماننا من وسائل ومواد إنتاج لكنه خلق صعوبات وعلينا أن نطور أساليبنا لتخفيف آثاره تدريجياً، وهذا ما قمنا به ونجحنا إلى حد ما وسنستمر بالعمل عليه دون أن نعلن ما هي الأساليب التي استخدمناها سابقاً ولا الأساليب التي سنستخدمها لاحقاً، الكل يعرف ما هو السبب.

ومما تقدم أقول إنه من جملة الرسائل الواضحة الحاسمة للرئيس الأسد في خطابه التاريخي كانت هاتين الرسالتين الواضحتين الحاسمتين المانعتين لكل تأويل والتباس مما يجعلنا
ندعو بأعلى الصوت إلى عودة الأموال السورية المجمّدة في المصارف اللبنانية إلى أصحابها السوريين والتوقف عن سياسة “النأي بالنفس” انطلاقاً من روح الأخوّة السورية اللبنانية .. كما ندعو إلى عودة الأموال المنهوبة من المصارف اللبنانية الى المودعين اللبنانيين .

وطبعاً لا شيئَ مستحيلٌ تحت الشمس …

  • إعلامي وباحث في علم الإجتماع السياسي

شاهد أيضاً

وجه كتاب توصيات لوزارة التربية

مطر: “فلنخفف على طلاب المدارس الرسمية” تجاوبا” مع طلاب المدارس الرسمية في صرختهم حيال الامتحانات …