دمعةٌ وغربة*

بقلم الدكتور نبيل سرور


( رثاء لفقيد الغربة ابن الخالة المرحوم محمد جعفر مرتضى رحمه الله، الذي غادر الوطن بحثا عن لقمة شريفة، ومات غريبا بعيدا عن ثرى الأهل والأجداد)
********
*”الفقر في الوطن غربة ، والغنى في الغربة وطن”*
*الامام علي ع*

هي أقدارُنا القاسية ..تأخذنا الى حيث تشاء !

نسافر مع أحلامنا المهاجرة عبر موانىء غربتنا … نترك الوطنَ على أعتابِ الصمت والسكون ..
يغيبُ الوطنُ عن العيون، ويبتعد ويبتعد في المد المتلاطم الموج … وكأنه زورق يصارع الرياح العاتيات …
آه يا وطني، كم أحببناك ؟!…
كم كتبنا اشعار حُبِك فوق أشفار عيوننا ..خِفنا عليك وأدمَعنا المآقي عند الرحيل!… رحلنا عنك يا وطني، ولمّا ترحل عن القلوب ..غادرناك يا وطني ، وهربنا منك اليك !
الرغيف المُّر يا وطني دفعَنا للرحيل والهروبِ خلف البحار …كتبنا قصائدنا حُباً وعشقا، وبثثنا اليك الوان الحنين !…هو لونُ حبّنا لك ..والشوقُ المتمادي قميصُ وفائنا لترابك الغالي..هذا الثرى الذي هجرناه رغما عنا ..
يا وطنا احببنا ترابك ..وما نسيناه !
غادرناك يا وطني ولم تغادرنا ..خضنا غمار البحار بحثا عن عيشٍ كريم ..وكنتَ أنت وما زلت الهوى والهويّة ، والأملُ والقضيّة..
في غربتنا يا وطني حملناك ، وعلى شغاف القلوب، نسجنا ملامح وفائِنا لأرضك الطاهرة ..

يا وطني ..
ها هوالراحل “محمد” يموت غريبا هناك ..هناك ويُدفن في ثرى غربته المريرة، الحزينة ، المغمسة أسىً وحزنا ً وحُباً وشوقا الى تراب الآباء والأجداد في بلدته “عيتا”… أرضُ الطهر ومرتع الطفولة والأيام الخوالي ، والتاريخ المزيّن بالكرامة وبكل الحكايات الجميلة!!…
غادرك محمد يا وطني ، منذ غدرَهُ الزمنُ الخؤون ، وارتحل عنك، كما الكثيرين ممن قست عليهم الأيام ،في ارضهم ووطنهم، فغادروا مكرهين …يلملمون في غربتهم اذيال الشوق ويكتبون من دار هجرتهِم لواعجَ النفس والقلب وعميق الأحاسيس..غادر *محمد جعفر مرتضى* ولكن بقي الوطنُ في قلبه وعقله وكل كيانه ..

غادرنا محمد وهاجر مبحرا ًفي أمداء غربته ..ترك دنيانا كاتباً سطور سفره الى نهاية النهايات ..
تركَنا محمد الى دنيا الخلود ، بعيداً عن ضجيج دنيانا الخؤون ..استسلم لقدرِه ، فتوقف قلبهُ عن الخفقان ..فأدمع عيونَنا التي تعتصرُ حُباً وشوقا لرؤياه ..غادر محمد ولم نره…غاب عن أعيننا في غربته وحيداً ، حزينا ، جريحاً، يائسا، بعيداً عن الوطن الذي أحب ..

آه ما اقساك ايها القدر ُالخؤون ، وما أصعبَ أن يغادرنا حبيبٌ في غربته ..فلم نطفىء لظى شوقنا اليه، أو نشبع من عينيه، حُبا ًيروي شجرة الأخوّة التي انكسر غصنها بفقد أخٍ وعزيز ٍ وحبيب ..
رحمك الله ايها الأخ الغالي ..وسلام عليك في غربتك ..ونحن نبكيك شوقا ً، وأنت الذي غادرتَنا ، ولما يعُد الينا جسدُك الذي احتواه ثرى الغربة ، دون أن يغادرنا صفاءُ قلبك ، وطهرُ نفسك الحبيبة ، وروحك الغيورة التي لا ننساها ابدا ..
لك وفائي وأشواقي ودموعي.. وللوطن الحزين على مغتربيه ، المتخبطِ بمشاكله وهموم بنيه وقسوة اقدارهم ،كلُّ العزاء
٢٠١٢/٧/٢١
نبيل سرور

شاهد أيضاً

جائزة أفضل صورة صحفية في العام… لقطة من غزة “تفطر القلب”!

فاز مصور “رويترز”، محمد سالم، بجائزة أفضل صورة صحفية عالمية لعام 2024، الخميس، عن صورة …