“الإمساكية” ظهرت في عهد محمد علي وتطورها وروجها تاجر يهودي

زياد سامي عيتاني*


قبل التطور التكنولوجي وإبتكار أشكال مختلفة للتنبيه والإنتباه على المواقيت والمواعيد، كانت إمساكية رمضان تعتبر دليل الصائم والمصلي خلال أيام الشهر الكريم، فهي بمثابة المنبه بالنسبة للصائمين خلال شهر رمضان، حيث تحتوي على أيام الشهر الفضيل مع مواقيت الصلوات الخمس وموعد الإفطار وبدء موعد الصيام، التي كان يرجع لها المصلي للتعرف على موعد آذان المغرب وموعد الإمساك وكذلك أذان الفجر.


من هنا جاءت فكرة إمساكية شهر رمضان التي تحتوي على أيام الشهر الفضيل مع مواقيت الصلوات الخمس ومواعيد الإفطار والإمساك كل يوم، إلى أن أصبحت الإمساكية من طقوس الشهر الفضيل، حيث تتبارى مختلف المؤسسات الدينية والتجارية والإعلانية في إعداد ونشر إمساكيات شهر رمضان في مختلف الدول والمدن حول العالم.
أما تسمية إمساكية رمضان فجاءت إشتقاقاً من الكلمة العربية إمساك.
ويعني الإمساك توقف الصائم عن الأكل والشرب في نهار رمضان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
وعلى مدار التاريخ كانت إمساكية رمضان لوحة فنية مرسومة ومطبوعة بعناية فائقة، لا سيما الرسومات والزخرفات والخطوط التي تتميز بها، لتزيد من جمالياتها ورقيها الفني والإبداعي…
فما هي الإمساكية وكيف ومتى ظهرت؟ هذا ما سوف نلقي الضوء عليه:


•أولى الإمساكيات في مصر:
لا تتوفر أي مزاجع تاريخية توثق أو تحدد متى ظهرت أولى الإمساكيات في التاريخ، وتكاثرت الأقوال والآراء حول أول إمساكية فى التاريخ، لكن المرجح وفقاً للباحثين أنها ظهرت لأول مرة في مصر في عصر محمد علي باشا، ويعود تاريخها إلى رمضان سنة ١٢٦٢ هجري، سبتمبر/أيلول ١٨٤٦ ميلادي، أي قبل أن يفارق الحياة بعامين، وطبعت في دار الطباعة الباهرة الكائنة ببولاق مصر القاهرة على ورقة صفراء ذات زخرفة بعرض 27 سنتيمترا وطول 17 سنتيمتراً، وكتب في أعلاها أول يوم رمضان الاثنين، ويرى هلاله في الجنوب ظاهراً كثير النور قليل الارتفاع، ومكثه خمس وثلاثون دقيقة ومرفق صورة محمد علي باشا، وكانت تُعْرَف بإمساكية ولي النعم.
والإمساكية كانت عبارة عن جدول كبير به مواعيد الصلاة والصيام لكل يوم من أيام شهر رمضان بالتقويم العربي، وتم توزيعها على كل ديوان من دواوين الحكومة، مع أمر لكل الموظفين بعدم الكسل والإهمال في العمل وعدم التراخي في توزيعها.


•تطور الإمساكية:
تطورت إمساكية رمضان من العشرينيات إلى الأربعينيات القرن العشرين على صور وأشكال مختلفة، فكانت أول إمساكية يتم توزيعها على سبيل الدعاية والإعلان إمساكية مطبعة تمثال النهضة المصرية لصاحبها محمود خليل إبراهيم في شارع  بيبرس الحمزاوي في رمضان من العام 1347 هجري الموافق فبراير (شباط) من العام 1929 ميلادي.
وأعلن في الإمساكية استعداد المطبعة طباعة كافة الكتب.


•وسيلة للدعاية:
وفي أوائل القرن العشرين تطور شكل الإمساكية حسب الغرض من إصدارها، فآستخدمت في الدعاية والإعلان عن المحال أو الجهات التي تصدرها.
وتطورت إمساكية رمضان من العشرينيات إلى الأربعينيات في القرن العشرين على صور وأشكال وأغراض مختلفة فكانت أول إمساكية يتم توزيعها على سبيل الدعاية والإعلان إمساكية مطبعة تمثال النهضة المصرية لصاحبها محمود خليل إبراهيم في شارع بيبرس الحمزاوي في رمضان من العام 1347 هجري الموافق فبراير من العام 1929 ميلادي.


•يهودي يطور الإمساكية ويروج لها:
ثم انتقلت الإمساكية لمرحلة الإعلان التجاري عن المنتجات والبضائع على يد رجل الأعمال اليهودي داوود عدس، الذي طبع أول إمساكية لسلسلة محلاته في رمضان سنة 1364 هجرية الموافق أغسطس من العام 1945، لكن اختلفت إمساكية داوود عدس عن غيرها كون أنها كانت إمساكية مرفقة بمعلومات الصيام وفضله وأسباب فرضه، وأسفل كل هذه المعلومات إعلان دعائي لمحله وتوفر البضائع فيه.


وإمساكية رمضان التي طبعها داوود عدس تعتبر الملهمة لأغلب إمساكيات رمضان ذات الورق المتعدد، حيث طور إمساكية طُبِعَت من أحد تجار العطارة سنة 1356 هجري الموافق نوفمبر من العام 1937 والتي احتوت على أحكام الصيام والأدعية والآيات القرآنية وأذكار الصباح والمساء وأحكام زكاة  الفطر وأجندة ومواعيد.
وسر إمساكية رمضان المطبوعة من محلات داوود عدس، أنها كانت توزع على المارة في الشوارع والمصلين في المساجد، فضلا عن تطور الإمساكية وشكلها عاماً بعد عام حتى وصلت إلينا بهذا الشكل.
وتُعتبر  إمساكية رمضان التي طبعها «داوود عدس» الملهمة لأغلب امساكيات رمضان ذات الورق المتعدد، حيث قام بعدها  أحد تجار العطارة سنة 1356 هجري الموافق نوفمبر من العام 1937 بطباعة إمساكية احتوت على أحكام الصيام والأدعية والآيات القرآنية وأذكار الصباح والمساء وأحكام زكاة الفطر وأجندة ومواعيد.


•أول إمساكية تنشرها “الأهرام”:
نشرت جريدة الأهرام في رمضان عام 1936 أن أول إمساكية نشرتها جريدة الأهرام لإعلام الناس بمواقيت الصلاة والصيام والإفطار كان في يونيو 1918.
وفي عام 1931 أهدت دار الكتب المصرية جريدة الأهرام إمساكية أخرى لشهر رمضان مكتوبة على قطعة من القماش ومجلدة تجليداً بديعاً، صنعتها مطبعة أمين عبدالرحمن بشارع محمد علي.


•إمساكيات ملوك مصر:
ومن أشهر المطابع التي قدمت إمساكية رمضان، مطبعة تمثال النهضة المصرية لصاحبها محمود خليل إبراهيم بالحمزاوي، وقد بدأت في طباعتها عام 1929م، الموافق 1347 هـ.
وفي ديسمبر 1932 صدرت إمساكية شهيرة صنعها تاجر الطرابيش عبدالحميد أحمد الطرابيشي، وطبع على غلافها صورة الملك فؤاد الأول ملك مصر آنذاك، وكتب عليها (في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق).
أما في عام 1936، ومع بداية تنصيب فاروق الأول ملكا على مصر، كان بداية حلول شهر رمضان، مما جعل اهتمام الملك بمظاهر الشهر الكريم تبدأ بأن يوجه كلمة تهنئة إلى الشعب المصري عن طريق الإذاعة، ثم مع بداية عام 1937 بدأ ظهور إمساكية رمضان تحمل صورة الملك فاروق، ذلك الصبي الذي كان وقتها لم يتجاوز السابعة عشر عاما، ولأول مرة تحتوي الإمساكية إلى جانب مواقيت الصلاة بعض أحكام الصيام.
وقد أنتجت شركة صابون نابلسي شاهين إمساكية تحمل صورة كل من الملك فاروق والملك عبدالعزيز ملك السعودية.


كانت إمساكية رمضان من زمان إلى الان دليلا على مدى وجاهة ورقي صاحبها سواء أشخاص أو شركات أو جمعيات، وكانت تؤرخ للعصر الذى صدرت فيه من ناحية التقدم في الرسم والطباعة وفكرة. ومع التقدم التقني الحالي تحولت الإمساكية الورقية الى تاريخ وحالة من الزمن الجميل يحرص الهواة على إقتنائها بعدما أصبحت الهواتف الذكية بديلاً عنها وعن أمور كثيرة في حياتنا…


*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.

شاهد أيضاً

البعريني تابع مع كركي أوضاع الضمان ونوه بالمباشرة بقبض الإشتراكات في مكتب حلبا

استقبل المدير العام للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي الدكتور محمد كركي في مكتبه في المقر الرئيسي …