أدباء وشعراء

إعداد وحوار الشاعرة رانية مرعي

الكاتب الأردني رشاد ابو داود بدأ حياته العملية مترجماً ثم صحافياً في جريدة الأنباء الكويتية العام 1976 . تنقل بعد العام 1990 بين عدة صحف عربية منها “الدستور” في الأردن ، “الخليج” في الشارقة ، “الوقت” في البحرين التي ساهم في تأسيسها ومدير تحريرها .

غير أن حبر الصحافة وضجيج الطباعة وأهوال السياسة لم تحل دون أن يتنفس رشاد الأدب، فهو خريج أدب انجليزي – جامعة دمشق. فكان له عمود يومي في هذه الصحف اتسم باسلوب أدبي عرفه البعض بالأدب السياسي. تأثر بأسلوب الكاتب الكبير سمير عطا الله الذي زامله في جريدة الأنباء الكويتية بداية الثمانينيات.

وكان “يسرق” بعض الوقت من الصحافة للقراءة و الكتابة فكان له مقال أسبوعي في مجلة “المجلة” اللندنية ، كما نشرت مقالاته صحيفة “الوفد” المصرية “القدس” المقدسية وعدة مواقع الكترونية .

مهنة المتاعب اللذيذة أتعبته فتفرغ العام 2018 للكتابة حيث يكتب مقالاً اسبوعياً في “البيان” الاماراتية وآخر في “الدستور” الأردنية.

في رحلته التي قاربت الأربعين عاماً أصدر رشاد ابو داود كتاب نصوص “لكم أنت بي” العام 2008 ، “كلام طري” العام 2015 ، “اسمعي ما تقول يداي” العام 2017 ، وأخيراً “ظل أحمر” .
فكر ثائر وقلمٌ عاشقٌ للأدب، يغمسه في حبر المعاني فينسج على الورق ظلالًا وارفة لأفكاره المتوقّدة ..

الكاتب الأردني رشاد أبو داود:

الابداع موهبة غير مرتبطة بالزمن بل سرها أنها متجاوزة له.

*هل بداية الكاتب مع كتابه الأول ة؟ أو لحظة ولادته؟ ويتفاوت زمن الاعتراف؟


بداية الكاتب هي تلك اللحظة التي سقط فيها حبره على الورقة. هذا الحبر الذي تجمعت في دواته حصيلة ما قرأ وواته الشجاعة أن يرى الآخرون ما نبت منه على أغصان الحروف.
لكل كاتب أو أديب بداية ليست مرتبطة بالعمر أو بالزمن. فالشاعر طرفة بن العبد توفي في سن السادسة و العشرين، وعالم الفقه اللغوي في سن 45، أبو تمام في سن ال 40، أبو فراس الحمداني توفي في سن ال36، الرسام الهولندي ربما الأشهر في التاريخ عاش فقط 37 سنة، وغيرهم كثر. ما يعني أن الابداع موهبة غير مرتبطة بالزمن بل سرها أنها متجاوزة له.

*هل القصيدة هي هوية الشاعر أم أن النقطة الأخيرة في القصيدة هي لحظة انفصال بين القلم والحالة الشعرية التي استحدثتها الفكرة؟


القصيدة هي الشاعر نفسه. نبضه في لحظة ما، نتيجة احساس ما، يعبر عن هذا النبض بالكلمة. لذلك فان اجمل الشعر أقربه إلى القلب المحب و ما كان حقيقياً غير متكلف. ليس ثمة انفصال بين الشاعر وقصيدته حتى لو انتهت تلك “اللحظة” التي نسميها الحالة الشعرية . هي محطة من محطات قطار عمر الشاعر. عندما نعى نزار قباني زوجته بلقيس في تلك المرثية العظيمة كان هو نزار الذي كتب أجمل ما قيل في المرأة وتغزل في تفاصيل جسدها.

*ديوانك الأخير “ظل أحمر ” ومضات نفحاتها وجدانية ووطنية.
هل بات شعر الومضة سمة العصر الحديث علمًا أنّه مغامرة في المعنى بكلمات محددة؟


الحقيقة لم أكن أجلس لأكتب ومضات “ظل أحمر” وغيرها من دواويني، كنت أنقل حالات أعيشها وارسمها على الورق أو على الموبايل بكلمات قليلة . بمعنى أني كنت أتنفس وأبوح بما لا يسمح الظرف أن أبوح به. ولم أكن ادري أني كنت أيضاً أغرف مما تجمع في ذاكرتي ما قرأت على مدى سنوات وما رسخ في ذهني من جماليات اللغة بخاصة الأدب واللغة الانجليزية التي درستها في جامعة دمشق أوائل السبعينات.
نعم، هو سمة عصر اصبح فيه كل شيء يجري سريعاً . الوليمة أصبحت “فاست فود” ، القهوة من الأكشاك في الشوارع ، والجينز لباس العصر. لكن هذا لا يعني أن شعر الومضة خال من دسم المعنى ففي هذه الحالة لا يعتبر شعراً.

*بدأت حياتك العملية مترجمًا.
هل تتم ترجمة الإصدارات العربية إلى لغات أجنبية أو نحن متلقون فقط؟ وهل هذا التقصير متعمد كنوع من حرب ثقافية لطمس الإبداع العربي؟


ليس في الترجمة فقط، فنحن أصبحنا متلقين لكل شيء من حبة القمح إلى الطائرة. الشعر ليس استثناءً . نحن نمر في مرحلة تراجع، ولا اريد ان اقول مرحلة انحطاط، على كافة المستويات السياسية و الاقتصادية والحرياتية. نحن مهزومون من بيت الشعر الى رغيف الخبز.

كان الغرب يترجم ابداعات العرب الادبية والعلمية في الطب و الحساب و الجبر والهندسة في العصر العباسي والأموي عندما كنا أقوياء ، فماذا يترجمون الآن؟؟

*المبدع مثال للحرية والتمرّد ولا يخضع إلا لقناعاته الراسخة في وجدانه.
كيف استطاع قلمك من الصحافة إلى الأدب أن ينتصر لقضايا مجتمعه؟


جيلي عاش في مرحلة الحلم العربي “بلاد العرب أوطاني، من الشام لبغدان، ومن نجد الى يمن، الى مصر فتطوان” كمشروع قومي في مواجهة المشروع الصهيوني “من الفرات الى النيل”. وكانت فلسطين القضية المركزية للعرب من المحيط إلى الخليج. لكن..للأسف صارت فلسطين فلسطينات ونسينا فلسطين الأولى، والقضية المركزية للدول هي حدودها، وللمواطن معدات أطفاله!
الصحافة أيضاً ليست استثناءً. تراجعت هي الأخرى بعدما عشنا وجيلي زمن الافتتاحية التي تحرك مظاهرة، والمقال الذي يصور و يوزع كمنشور والصحيفة التي كالطعام على مائدة الأسرة العربية. قد يكون لعصر النت تاثير على وفاة صحف و احتضار أخرى لكن السبب الرئيسي هو الانحطاط العام.

*الألقاب باتت هاجس الكثيرين على الساحة الثقافية .
كيف تقيّم هذه الظاهرة ومن المسؤول عن التفلت في توزيع الألقاب والشهادات دون رقيب أو حسيب؟


المسؤول بالدرجة الأولى هو الضياع العربي ، وبالدرجة الموازية الاستغلال السيء والمسيء لوسائل التواصل الاجتماعي التي انتجت شعراء بلا شعر ومثقفين بلا ثقافة وانتشرت السرقات الادبية لسهولة “القص و اللزق” . هذا الواقع أفرز ألقاباً مزيفة وجوائز وهمية وشهود زور لم يقرأوا شيئاً يوزعون المسميات والألقاب على هوى مصالحهم .

*وزارات الثقافة في العالم العربي برأيي وزارات سيادية واجبها نهضوي من خلال التشبيك بين مختلف الأقطار .
من المسؤول عن تقصيرها في الدعم الداخلي والخارجي للفكر والكلمة؟


الثقافة في آخر اهتمامات الدول العربية. ولولا العيب لألغوا وزاراتها ومخصصاتها المالية الشحيحة جداً من موازنات الدول . فكم من مثقف مات محتاجاً ومن عرض مكتبته ليأكل أو ليتمكن من اطعام ابنائه . “الثقافة ما بتطعمي خبز” كم مرة سمعت هذا القول ؟؟

*إلى أيّ حدّ يمكن للشّعر والأدب أن يُساهما في الحركة التحرّرية والمسارات النضالية الوطنية؟


عندما نجد ديغول عربي يعين أندريه مارلو وزيراً للثقافة !

*اترك لك الختام مع قصيدة تهديها لقراء كواليس.

أبحث عن حذاء

يمشي إلى الخلف
في هذا الوطن العربي المهزوم
لا شيء يتقدم
لا شيء يتغير
……
لا أذكر
أني كنت طفلاً
لم يكن في المخيم حديقة
………
أيها اللاجئون في المنافي
خذوا معكم حفنة تراب
رشوها على الجرح
كلما توجع في قلوبكم الوطن

شاهد أيضاً

إستونيا: لماذا صدّ الغرب الهجوم عن إسرائيل ولم يفعل ذلك مع أوكرانيا؟

تساءلت رئيسة وزراء إستونيا كايا كالاس -خلال اجتماع لقادة دول الاتحاد الأوروبي– لماذا ساعدت قوى …