15 شعبان ولادة العدل

المرجع المجدّد السيّد:
محمد حسين فضل الله

اعداد وتنسيق د. علي رفعت مهدي

في هذه الليلة المباركة، كانت ولادة إمامنا محمّد بن الحسن المهديّ (عج)، الذي التقت كل آفاق سرّه ومعناه والإعداد الإلهي لشخصيّته، ليجعل بذلك في نهاية الحياة نهاية الظّلم كلّه، ولتصبح الحياة كلّها عدلاً ـ ولأوّل مرة ـ لا يظلم فيها إنسان إنساناً، ولا يعتدي فيها إنسان على إنسان.
وهذا هو الحلم الكبير الذي لايزال الناس في كلِّ أجيالهم يتطلّعون إليه، لأن الناس منذ قابيل وهابيل عرفوا كيف ينطلق الإنسان في عدوانيّته التي تتحرك من خلال الحسد أو العناصر السلبيّة الأخرى في شخصيّته ليقتل أخاه.. وهكذا عاشت البشرية ظلماً بعد ظلم، وأرسل الله الأنبياء لإزاحة هذا الظلم، ولكنّ أعداء الله والحياة كانوا يقتلون النبيّين بغير حقّ، كما هي سيرة اليهود في تاريخهم، انهم ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه .
في ذكرى هذه الولادة المباركة ، وفي ليلة النصف من شعبان ، علينا أن نرتفع بأرواحنا إلى الله تعالى ، ونفتح قلوبنا لله ، حتى ننزع منها كل حقد وبغضاء وسوء ، لأنّ قلوبنا هي عرش الله، فهل تقبلون أن يكون عرش الله محلاً لعصبياتكم وأحقادكم وظلمكم؟ إنّ رسالة الإمام المهدي (عج) لكلّ الناس :
إذا كنا نفكّر بأن نكون من جنده والسائرين معه ، فعلينا أن نربي أنفسنا على العدل ، فليس من الطبيعي أن تكون جندياً في معركة العدل وأنت ظالم ، أو تعاون الظالمين وتبرر لهم ظلمهم ، لأن معنى ذلك أنك ستكون في المعسكر الآخر ، لأن الإمام(عج) يحارب الظلم في واقع الظالمين، ويحارب الظلم في الذين يساعدون الظالمين ويبررون لهم ظلمهم …
لذلك ، إذا أردت أن تكون من أنصار صاحب الزمان (عج) ، عليك أن لا تظلم نفسك بالمعصية ، وأن لا تظلم غيرك بالبغي والعدوان ، فلا تظلم الناس حقوقهم ، ولا تظلم أولادك بأن تتعسّف ، ولا تظلم أبويك وزوجتك في حقوقها الإنسانية والزوجية ، ولا تظلم الزوجة زوجها في حقوقه، أن لا تظلم الناس الذين تبايعهم وتشاريهم ، وما إلى ذلك من الظلم العام ، لأن مجتمعنا عندما يكون مجتمع الظالمين، فمعنى ذلك أننا سوف لن نكون معه ، لأن من يتربى على الظلم كيف يكون مع قيادة العدل ؛ ولأنّ نداء المهديّ
كونوا مع العدل العالمي الشامل ، كونوا مع كل صوت للعدل حتى لو كان هذا الصوت لا يلتقي معكم في دينكم ، لأنّ الله تعالى يريد العدل لكلّ الناس، فالعدل فوق الصداقات والعداوات : {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى }. وقد عاش الإمام زين العابدين (ع) هذا الجوّ الرسالي في دعائه، إذ يقول: “اللّهمّ ارزقني التحفظ من الخطايا، والاحتراس من الزلل، في الدنيا والآخرة، في حال الرّضى والغضب، حتى أكون بما يرد عليّ منهما بمنزلة سواء، عاملاً بطاعتك، مؤثراً لرضاك على ما سواهما في الأولياء والأعداء، حتى يأمن عدوّي من ظلمي وجوري، وييأس وليّي من ميلي وانحطاط هواي”.
نسأل الله تعالى أن يرينا تلك الطلعة الرّشيدة والغرّة الحميدة ، وأن يجعلنا من أنصاره وأعوانه والمجاهدين والمستشهدين بين يديه، ليجعلنا مع محمّد وآله (سلام الله عليهم)، حتى نستطيع أن ننطلق معهم إلى الله ولا شيء إلا الله .


مقتطفات من خطبة جمعة عام 2003 .

شاهد أيضاً

لا تثق

بقلم فايز ابو عباس. / الخيام لا تثق بمن بنى القصور .. قلاعا وغدا … …