فيروس كورونا يتسبّب ب “مذبحة في خلايا عضلة القلب.. والرياضة أثناء العدوى قد تكون مُؤذية كثيراً واحياناً قاتلة !


الجزء الثاني

د. طلال حمود

كنا قد شرحنا في الجزء الأول من هذه المقالة اسباب الإصابات القلبية وكيفية حدوثها وما هي مخاطر القيام بأية تمارين رياضية قاسية او عنيفة او اية مباريات رسمية ذات مستوى عالٍ خلال فترة المرض الحادّ، لما لذلك من مخاطر واعراض قد تُهدّد حياة المريض (الرياضي) وتضعها في حالة خطر كبير. واكّدنا خاصة على ضرورة التأكّد من عدم وجود اية إصابات في عضلة القلب قبل معاودة اي نشاط رياضي، خاصةً اذا كان ذلك ضمن اي نشاط رسمي او مُحترف بسبب إمكانية حصول بعض الأعراض التي قد تكون احياناً قاتلة.
في هذا الجزء الثاني نستكمل الكلام التفصيلي عن السيناريوهات المُمكنة قبل معاودة النشاط الرياضي، نظراً لحالة المريض عامةً ولوضع حالة عضلة القلب عنده خاصةً، ونتكلّم ايضاً عن الفحوصات المطلوب ان نُجريها للمريض (-الرياضي المُحترف خاصة-) قبل السماح بمعاودة اي نشاط. ونُنهي الحديث ببعض النصائح التي تُعتبر القواعدة العشرة الأساسية التي يجب ان نحترمها خلال اي نشاط رياضي سواء اكان الأمر عند “الرياضيين الهواة” او “المُحترفين” وفي زمن كورونا او لا، لأن هذه القواعد تُعتبر “صمّام امان” لرياضة من دون مخاطر كبيرة.

١-كيفية تقييم حالة المريض( الرياضي) بعد الإصابة بفيروس كورونا:
هناك عِدّة سيناريوهات مُمكنة في هذه الحالة:
أ- السيناريو الأول:
” لا وجود لشكوى من حصول اعراض مُمكنة للإصابة بالفيروس والمريض لا يُعاني حالياً من اية اعراض وفحصه الطبي الحالي طبيعي”: في هذه الحالة لا مانع من العودة المُباشرة الى التدريب بشكلٍ تدريجي طبعاً مع إمكانية العودة السريعة الى المباريات الرسمية أو المُحترفة.
ب- السيناريو الثاني:
“المريض لا يعاني حالياً من اعراض لكنه كان قد تعرّض لإصابة بفيروس كورونا مع اعراض لمدّة اطول من سبع أيام او انه تعرّض لإصابة في عضلة القلب خلال إصابته بكورونا”، هنا يجب طبعًا إجراء تخطيط للقلب عند الإجهاد وصورة صوتية للقلب مع إمكانية إجراء تخطيط للقلب على ٢٤ ساعة. وفي حال كان كل شيء طبيعي وكانت قُدرة المريض على الإجهاد كاملة (لياقته طبيعية) يُمكنه العودة الى التدريب والمباريات بشكلٍ تدريجي. اما في حال كانا هناك اية علامات او مؤشّرات غير طبيعية، فهنا يجب القيام بفحوصات قلبية مُتخصّصة منها اللجوء الى التصوير القلبي بواسطة الرنين المغناطيسي وغيرها من اجل تحديد حالة الأضرار التي اصابت عضلة القلب وإعطاء العلاجات المناسبة حسب
خطورتها.

ج-السيناريو الثالث:
“وجود اعراض مُنهكة لإلتهابات او دخول المريض للمستشفى مع إصابته بإلتهابات كورونا او إستمرار وجود أعراض قلبية للإلتهابات او إستمرار وجود نقص في الأداء والقدرات على الإجهاد، وفي هذه الحالة لا بُدّ من إجراء كل الفحوصات أللازمه بما فيها فحص الإجهاد القلبي والتنفسي المُتخصّص مع قياس قدرة إستخراج الاوكسيجين عند المريض وتصوير القلب بواسطة الرنين المغناطيسي وتخطيط القلب على 24 ساعة، وكذالك بعض الفحوصات المخبرية مثل خمائر القلب في الدم وغيرها من المؤشّرات. وفي حال كانت كل هذه الفحوصات مُطمئنة من المُمكن العودة الى التمارين الرياضية والمباريات الرسمية الإعتيادية بشكلٍ تدريجي طبعًا أيضًا. وفي حال كانت تلك الفحوصات غير مُطمئنة يجب اللجوء الى التعمّق اكثر في الفحوصات وإعطاء العلاجات اللازمة بحسب ما تستوجب حالة كل مريض الخاصة.
ويجب في كل الأحوال إيقاف اي نشاط رياضي من إي نوعٍ كان في حال إستمرار وجود مؤشّرات إصابة مُتفاعلة او ناشطة في عضلة القلب.

٢- ما هي الفحوصات المطلوبة وكيف نقوم بها:
في العادة يجب في كل الأحوال إجراءات الفحص السريري للمريض للبحث عن كل الأعراض القلبية والرئوية التي من المُمكن ان تحدث ومنها الآلام الصدرية ، ضيق التنفّس، حالة التعب والإرهاق عند الإجهاد ، حالات الغياب عن الوعي التي قد تكون ناتجة عن إضطرابات ضربات القلب. وفي كل الاحوال يجب إجراء تخطيط القلب العادي والصورة الصوتية العادية للقلب ويجب اللجوء الى التصوير بواسطة الرنين المغناطيسي وغيره من الفحوصات المُتخصّصة، خاصة في حال وجود الأعراض السريرية التي ذكرناها اعلاه، او في حال إستمرار وجود إرتفاع في خمائر القلب في الدم (Troponin level) او في حال وجود تغيّرات على تخطيط القلب مثل إرتفاع في مؤشر ST segment او موجات T سلبية او وجود إضطرابات في كهرباء القلب. كذلك يجب هذا في حال إستمرار وجود خلل في عمل عضلة القلب على الصورة الصوتية للقلب مع وجود خلل في وظيفة البطين الأيسر او الأيمن او وجود قصور في عضلة القلب وهبوط “مُؤشّر قوة قذف عضلة القلب الأيسر” الى اقل من 50 بالمئة او وجود خلل في وظيفة إرتخاء القلب او وجود إلتهابات مُستمرّة في غشاء القلب.

٣-الوصايا العشرة المهمة للتفكير والتأمل والتطبيق قبل معاودة التمارين الرياضية ما بعد الإصابة بفيروس كورونا:

هناك عشرة قواعد أساسية تُعتبر “القواعد الذهبية” او “الوصايا العشرة المُقدّسة” التي يجب ان تُؤخذ بعين الإعتبار قبل مُعاودة اي نشاط رياضي بعد فترة العزل والحجر والاغلاق في زمن جائحة كورونا وهي صالحة للرياضيين المحترفين او لهواة الرياضة من عامة الناس. وهي توصيات صادرة عن تجمّع أطباء القلب الرياضيين في فرنسا والتجمّعات المُماثلة له في اوروبا واميركا. هذه القواعد العشرة هي:
١-القاعدة الاولى والثانية والثالثة: هي انه على كل شخص وحكماً ودون اي تردّد ان يستشير طبيب القلب او طبيب الصحة العامة المُشرف عليه في حال حصول اي ألم في الصدر او ضيق تنفّس او تعب او شكوى من إضطراب في ضربات القلب او شعور بالغثيان او الدوخة وما شابه ذلك من اعراض.
٢-القاعدة الرابعة: ضرورة وجود فترة إلزامية من التحمية في البداية والإسترخاء في نهاية كل جلسة من جلسات التدريب او في اية مباراة.
٣-القاعدة الخامسة: ضرورة تناول السوائل بكمية كافية كل عشرين الى ثلاثين دقيقة خلال فترة التدريب او في كل المباريات.
٤-القاعدة السادسة: لا لقيام اي نوع من التمارين او مُمارسة أية رياضة في حال وجود إرتفاع مُفاجئ في حرارة الجسم او في حال وجود تلوث بيئي كبير في المنطقة.
٥-القاعدة السابعة: لا للتدخين مُطلقاً ساعتين قبل وساعتين بعد اي مباراة او تمرين رياضي.
٦-القاعدة الثامنة: لا لتناول اية مواد مُنشّطة وحتى اية ادوية بدون إستشارة الطبيب.
٧-القاعدة التاسعة: لا لإجراء أية رياضة قوية او عنيفة خلال فترة ثمانية أيام في حال وجود أرتفاع في الحرارة او اصابة من اي نوع من أنواع الإنفلونزا (Grippe).
٨-القاعدة العاشرة: ضرورة إجراء كشف طبي إلزامي قبل مُعاودة اي نشاط رياضي عند الرجال بعد السن 35 سنة وعند النساء بعد السن 40 سنة. اخيراً نُشير الى انّ هُناك دراسات كثيرة حالياً لمتابعة بعض الأبطال الذين تعرّضوا لإصابة بأنواع خفيفة أو مُتوسّطة الأهمية من فيروس كورونا وذالك بشكلٍ مُكثّف وعن قُرب مع إجراء الفحوصات المخبرية والسريرية والقلبية والرئوية التي ذكرناها .وهي دراسات تهدّف خاصة للبحث عن إمكانية وجود إصابة في عضلة القلب على المدى المُتوسّط والبعيد ولدراسة كيفية التعامل مع هكذا حالات، خاصة وانّ وجود اصابة في عضلة القلب قد يؤدّي كما ذكرنا الى حصول إضطرابات كبيرة في كهرباء القلب والى حالات وفاة مفاجئة. وهنا نعود ونؤكّد على ضرورة إجراء التصوير القلبي بواسطة الرنين المغناطيسي لما لهذه التقنية من دور كبير في هذا المجال. وهناك حالياً مثلاً دراسة مُماثلة في مدينة بوردو الفرنسية وهي تتعامل مع مرضى لديهم مستوى عالٍ من اللياقة (أبطال محترفين) أُصيبوا بكورونا وتجري مُتابعتهم على كل الأصعدة لمراقبة تطوّر حالتهم. وهناك مثيل لهذه الدراسة في معظم البلدان الأوروبية الأخرى وفي الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول المهتمة بهذه الظاهرة.

*طبيب قلب وشرايين- مُتخصّص بأمراض القلب عند الرياضيين-باحث في جائحة كورونا-
مُنسّق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود

شاهد أيضاً

أمسية ثقافية بيروتية مميزة الى وليد دقة رمز فلسطين وشاهدها وشهيدها

برعاية معالي وزير الثقافة اللبنانية ووفاءً للشهيد الاسير وليد دقة وبمناسبة يوم الأسير الفلسطيني : …