“ما بعد الشمس” أنضج روايات الشاعر نزار دندش

لعل رواية نزار دندش الأخيرة أنضج رواياته وأكثرها شمولية واتساعاً ، فالرواية في العادة تغطي مساحةً زمنية محدودة على امتداد حقبة تاريخية معينة ، أما رواية ” ما بعد الشمس ” فتبدأ أحداثها قبل ظهور الانسان على الأرض وتستمر حتى يومنا هذا ، مروراً بكل الحضارات التي عرفتها البشرية ومعظم الأحداث الضخمة التي رافقت نشوء الحضارات.


ولم تنحصر أحداث الرواية بالآدميين وحسب بل شارك فيها بشرٌ من خارج كوكب الأرض ، وكان للتفاعل طابع الكونيّة ، حتى ان بطل الرواية ، نادر ، قد سافر الى كوكب ” النيزا ” وتفاعل مع سكانه ليصبح اول شخص عابر للكواكب ومدركٍ بعمق أسس الحضارات وأسرار تعاقبها .ولعلَّ إدخال الكونية على نطاقٍ واسع الى الرواية جاء في الوقت المناسب ، في الوقت الذي تهبط فيه السفن الفضائية على سطح كوكب المرّيخ بحثاً عن آثارٍ للحياة هناك .
تبدأ أحداث الرواية في إحدى قرى لبنان النائية حيث أَسَرَ مزارعو المخدرات كائناً فضائياً كان في مهمةٍ استطلاعية في جرود المنطقة ، فعاش الكائن الأسير في السرّ فترةً طويلة حصل خلالها على جنسية لبنانية مزوّرة وتزوج شكلياً من فرح ، إبنة المزارع الذي أسَرَهُ .وفرح زميلةٌ مقرّبة لنادر الذي أحبَّته من جانب واحد منذ أيام المدرسة . وقد كان لنادر والغريب الذي أسموه كريماً صولات وجولات في استحضار ماضي الزمان واستشراق مستقبله .
” ما بعد الشمس ” رواية تطوف بنا في مختلف الأزمنة والأمكنة وتتميز بالتشويق الذي لا ينقطع من أول سطر حتى آخر نقطة . وتتميز ايضاً بالنَفَسِ النقدي حيث تشير الى الجوانب السلبية في عاداتنا الاجتماعية وفي تنظيم الدولة أيضاً . كما انها لم تهمل التصرفات المثيرة لأبطالٍ حكموا العالم بعد ان دمروا حضاراته وبنوا على انقاضها حضاراتهم .
في جلساتهما الطويلة روى نادر لصديقه الغريب موجز تاريخ الحضارات التي ازدهرت على كوكب الأرض شارحاً ظروف نشوئها وظروف اضمحلالها . وتولّى الكائنُ الغريب شرحَ ما يعرف أبناء كوكبهم عن حضاراتنا الغابرة وعن التاريخ الجيولوجي لكوكب الارض .
وعندما لبّى نادر دعوة صديقه الى كوكب ” النيزا ” فوجئ بأن سكان ذلك الكوكب يعرفون عن تاريخنا اكثر مما نعرف نحن .
وبعد عودته من كوكب النيزا قطع نادر علاقته بالقيّمين على تنظيم الرحلات بين كوكبهم وكوكبنا لأنهم طلبوا منه ان يعمل لمصلحتهم ويكون أقرب اليهم منه الى وطنه ، فخسر بذلك مكافآتٍ لا تُقدَّر بثمن .
تغتني كلُّ رواية من غنى كاتبها وسِعةِ مخزونه المعرفي والثقافي وهو الذي يوجّه مساراتها ويحافظ على معايير أخلاقياتها ساكباً فيها من روحه طاقةً ايجابية وتفاؤلاً وفرحا … ففي معظم الاحيان يمكن للقارئ ان يكوِّن صورةً عن شخصية الراوي من خلال رواياته . وعندما نقرأ الدكتور دندش نشعر بسلاسة السرد ترافقنا من السطر الاول وحتى السطر الأخير معطوفةً على روح النكتة والاسلوب الجميل . ولأنه شاعرٌ لا تفاجئنا جُمَله الشاعرية والموسيقى الداخلية التي تعبق بها رواياته على امتداد النصّ .ولأنه يغتني بمخزونٍ علمي كبير فقد كان واضحاً في روايته ذلك الدفق المعلوماتي الجاذب الذي جعل منها موسوعة معرفية في قالبٍ أدبي – فلسفي – تاريخي جميل وعميق .
نزار دندش الذي يعتبر كتابة الرواية رسالةً وواجباً وطنياً وانسانيا يشبهها بحبة الدواء التي لا يجوز للطبيب وصفها الا اذا تأكد من انها لن تضر بمتلقيها لا حاضراً ولا مستقبلا .
” ما بعد الشمس ” رواية قيّمة ، جميلة ومفيدة انصح بقراءتها كل انسان ، ففيها تشويقٌ ومتعة وجمال ، وفيها طاقةٌ ايجابية وعطاءٌ معرفي وافر ، وفيها اسلوبٌ سهلٌ ولغةٌ متينة ، وفيها قصة حب نادرة . ورغم اتساع ملعب الخيال فيها فإنها صورةٌ صادقةٌ عن الواقع .
الرواية صادرة عن الدار العربية للعلوم – بيروت.

الشاعرة الاعلامية امل ناصر

شاهد أيضاً

الخولي: “تصريحات فارهيلي غير مفيدة وحان الوقت ليتصرف الاتحاد الأوروبي بتعاطف مع لبنان”

إعتبر المنسق العام لـ”الحملة الوطنية لإعادة النازحين السوريين” مارون الخولي :”أن تصريحات المفوض الأوروبي لشؤون …