ترامب وبايدن !
وجهان لعملة واحدة بدمغة «إسرائيليّة»!

د. عدنان منصور

امتناع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن تحديد موقف الإدارة الأميركية الجديدة، من قرار الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي اعترف بـ «سيادة إسرائيل» على هضبة الجولان، جاء ليدخل في إطار المراوغة، وعدم إعطاء موقف صريح واضح، إذ إنّ امتناعه تجاهل كلياً القانون الدولي، وضرب عرض الحائط القرارات الأممية ذات الصلة بالجولان السوري، لا سيما القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن الدولي.

امتناع بلينكن عن إعطاء موقف واضح وصريح حيال الاحتلال الإسرائيلي للجولان، لا يعني بتاتاً انّ إدارة بايدن ضدّ سيطرة «إسرائيل» على الهضبة، بمقدار ما يريد تجنب ردود فعل عربية على إدارة بايدن الجديدة، وإن كان الموقف الأميركي الداعم لسيطرة العدو على الجولان يبقى على ما كان عليه أيام حكم ترامب ولن يتغيّر.

بلينكن يعرف جيداً، أنّ الرئيس بايدن، وجد نفسه أمام قرار سابق يصعب عليه الرجوع عنه، لذلك أراد بخبث أن يبرّر ويوحي لسورية والعرب وللعالم، أنّ السيطرة الإسرائيلية على الجولان مؤقتة، مرهونة بعوامل، ما أن تزول، يصبح بالإمكان بحثها لاحقاً». إذ «إنّ السيطرة الإسرائيلية على الجولان _ على حدّ زعم بلينكن _ تظلّ لها أهمية حقيقية الى «إسرائيل»، والأسئلة القانونية شيء آخر، وبمرور الوقت إذا تغيّر الوضع في سورية، فهذا شيء نبحثه، لكننا لسنا قريبين من ذلك…، وأنّ حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، علاوة عن وجود الفصائل المسلحة المدعومة من إيران تشكل تهديداً أمنياً كبيراً لإسرائيل».

بلينكن لا يأخذ بالاعتبار عدم شرعية وعدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي للجولان الذي يعود الى عام 1967، بل أراد أن يغطي واقع الاحتلال، والإقرار بسيادته على هضبة الجولان، بمنطق مبطن منحاز للمحتلّ الإسرائيلي، يعطي الحجة للعدو ويوفر الغطاء له في سيطرته عليها. بعد أن ربط استمرار الاحتلال وأمن الكيان الإسرائيلي،

بحكومة الرئيس بشار الأسد والقوى المدعومة من إيران!

رغم أسلوب بلينكن المنمّق والمراوغ الذي يصبّ أولاً وأخيراً في خدمة «إسرائيل» ومصالحها، فإنّ نتنياهو الذي يعلم علم اليقين مدى الدعم المتواصل للولايات المتحدة، وتعاطف وتأييد بايدن وبلينكن الكبير للكيان الإسرائيلي، والتزام إدارة بايدن الجديدة، بقرار ترامب القاضي بنقل السفارة الأميركية الى القدس، والاعتراف بها كـ «عاصمة أبدية لإسرائيل»، وهو القرار الذي ينتهك أساساً القرارات الأممية ذات الصلة بالقدس لعام 1948، ويتعارض معها كلياً، فإنّ رئيس حكومة «إسرائيل» نتنياهو لم يكتف بهذا القدر، بل أراد أن ينقضّ على تصريح بلينكن ويؤدّبه، من خلال ردّ حازم، ورسالة حاسمة وجّهها للولايات المتحدة ورئيسها بايدن، ولمن يريد ان يسمع: «إنّ مرتفعات الجولان ستبقى الى الأبد، جزءاً من دولة إسرائيل، وإنّ موقف إسرائيل واضح… هضبة الجولان ستبقى إسرائيلية في كلّ سيناريو محتمل.»

إنّ السلوك الأميركي المنحاز لـ «إسرائيل»، وتجاهل الحقوق العربية والفلسطينية، لن يتغيّر مع بايدن ووزير خارجيته بلينكن كما يتوهّم بعض العرب. وأنّ الدعم الأميركي المتواصل للعدو لن يتوقف أو يتراجع، بل سيتقدّم. قد يتغيّر الموقف الأميركي حيال قضايا ومسائل وملفات وقرارات وإجراءات تتعلق بالعديد من دول العالم، إلا أنّ الموقف الأميركي بالنسبة لـ «إسرائيل»، وسياساتها العدوانية في المنطقة، يظلّ ثابتاً قوياً، يوفر لها كلّ أشكال الدعم والرعاية الكاملة في أيّ وقت وحين تدعو الحاجة.

إنّ الرئيس بايدن، كما بلينكن، ليس على استعداد، أو بمقدور أحدهما، مواجهة نفوذ اللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة وخارجها، ومؤسّساتها العميقة، داخل الادارة وأجهزتها الدستورية، التنفيذية منها والتشريعية، كذلك المؤسسات المالية، والإعلامية، والعسكرية وغيرها، ما يجعل الرئيس الأميركي وإدارته مكبّلاً وأمام تحدّ كبير، تجاه ما يمكن أن يقوم به من خطوات، ويتخذه من قرارات وإجراءات عملية متقدمة، ترضي «إسرائيل» ولوبياتها الفاعلة، أسوة بسياسات وقرارات سبق أن اتخذها الرؤساء الأميركيون السابقون.

هل يدرك العرب اليوم، أصحاب القضية، أنّ الرهان على واشنطن لحلّ قضاياهم، كمن يراهن على السراب، لأن من يصنع القرار الأميركي حيال «إسرائيل» وحيالهم هي تل أبيب ولوبياتها اليهودية وليست واشنطن! «إسرائيل» تملي في هذا الشأن، وواشنطن تنفذ ولا تعترض.

فالسلام الذي تلتزم به أميركا لا ينفصم عن سلام الأمر الواقع الذي تريد أن تفرضه «إسرائيل» على دول المنطقة. موقف واشنطن منذ البداية كان واضحاً صريحاً، جاء بعد وقت قصير من حرب الأيام الستة عام 1967،

عندما قال الرئيس ليندون جونسون: «نحن لا نقول لدول أخرى كيف ترسم بينها الحدود، التي توفر لكلّ واحدة منها، أكبر قدر من الأمن، لكنه من الواقع انّ العودة الى الوضع الذي كان سائداً في الرابع من حزيران 1967، لن يؤدي الى السلام!».

لقد استطاع النفوذ اليهودي ان ينخر القرار الأميركي، ويصيبه في الصميم. فاللوبي اليهودي الذي يمثل المجموعات اليهودية داخل الولايات المتحدة، التي لا يتجاوز عددها 1,5 في المئة من سكانها، استطاع على مدار عقود، من ليّ ذراع القرار الأميركي تجاه «إسرائيل» ودول المنطقة، وأن يكره كلّ من يأتي على رأس البيت الأبيض، وكلّ مسؤول رفيع في الداخل الأميركي،

ليستجيب لمطالبها، ويحمي مصالحها. إذ إنه يعرف مسبقاً انّ رفضه او تحفظه سيكلفه الكثير الكثير من المتاعب،

وسيجد نفسه في ما بعد، أمام رياح ساخنة هو بغنى عنها.

كلام بايدن المنمّق لم يغيّر شيئاً في الموقف الأميركي لجهة الاحتلال الإسرائيلي لأراض عربية، ووقوف بلاده بجانب المحتلّ واعتداءاته المتواصلة، ودعمه له من دون تحفظ او حدود.

إنّ الفلسطينيين، كما السوريين، وكلّ العرب، أمام حقيقة لا لبس فيها، وهي أنّ الحلّ «العادل» لن يأتي من واشنطن ليكون بجانبهم وبجانب إسرائيل في آن معاً. وإذا كان العدو يجد ضمانة وجوده واحتلاله للأرض العربية في واشنطن، فإنّ ضمانة العرب، لا سيما في منطقتنا المشرقية، تكمن أولاً وأخيراً في مقاومتهم للاحتلال، فهي رهانهم الوحيد لا بد منه، لإزالته عن أرضهم عاجلاً أم آجلاً.

*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق

المصدر: البناء

ترامب وبايدن !
وجهان لعملة واحدة بدمغة «إسرائيليّة»!

د. عدنان منصور _

امتناع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن تحديد موقف الإدارة الأميركية الجديدة، من قرار الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي اعترف بـ «سيادة إسرائيل» على هضبة الجولان، جاء ليدخل في إطار المراوغة، وعدم إعطاء موقف صريح واضح، إذ إنّ امتناعه تجاهل كلياً القانون الدولي، وضرب عرض الحائط القرارات الأممية ذات الصلة بالجولان السوري، لا سيما القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن الدولي.

امتناع بلينكن عن إعطاء موقف واضح وصريح حيال الاحتلال الإسرائيلي للجولان، لا يعني بتاتاً انّ إدارة بايدن ضدّ سيطرة «إسرائيل» على الهضبة، بمقدار ما يريد تجنب ردود فعل عربية على إدارة بايدن الجديدة، وإن كان الموقف الأميركي الداعم لسيطرة العدو على الجولان يبقى على ما كان عليه أيام حكم ترامب ولن يتغيّر.

بلينكن يعرف جيداً، أنّ الرئيس بايدن، وجد نفسه أمام قرار سابق يصعب عليه الرجوع عنه، لذلك أراد بخبث أن يبرّر ويوحي لسورية والعرب وللعالم، أنّ السيطرة الإسرائيلية على الجولان مؤقتة، مرهونة بعوامل، ما أن تزول، يصبح بالإمكان بحثها لاحقاً». إذ «إنّ السيطرة الإسرائيلية على الجولان _ على حدّ زعم بلينكن _ تظلّ لها أهمية حقيقية الى «إسرائيل»، والأسئلة القانونية شيء آخر، وبمرور الوقت إذا تغيّر الوضع في سورية، فهذا شيء نبحثه، لكننا لسنا قريبين من ذلك…، وأنّ حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، علاوة عن وجود الفصائل المسلحة المدعومة من إيران تشكل تهديداً أمنياً كبيراً لإسرائيل».

بلينكن لا يأخذ بالاعتبار عدم شرعية وعدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي للجولان الذي يعود الى عام 1967، بل أراد أن يغطي واقع الاحتلال، والإقرار بسيادته على هضبة الجولان، بمنطق مبطن منحاز للمحتلّ الإسرائيلي، يعطي الحجة للعدو ويوفر الغطاء له في سيطرته عليها. بعد أن ربط استمرار الاحتلال وأمن الكيان الإسرائيلي،

بحكومة الرئيس بشار الأسد والقوى المدعومة من إيران!

رغم أسلوب بلينكن المنمّق والمراوغ الذي يصبّ أولاً وأخيراً في خدمة «إسرائيل» ومصالحها، فإنّ نتنياهو الذي يعلم علم اليقين مدى الدعم المتواصل للولايات المتحدة، وتعاطف وتأييد بايدن وبلينكن الكبير للكيان الإسرائيلي، والتزام إدارة بايدن الجديدة، بقرار ترامب القاضي بنقل السفارة الأميركية الى القدس، والاعتراف بها كـ «عاصمة أبدية لإسرائيل»، وهو القرار الذي ينتهك أساساً القرارات الأممية ذات الصلة بالقدس لعام 1948، ويتعارض معها كلياً، فإنّ رئيس حكومة «إسرائيل» نتنياهو لم يكتف بهذا القدر، بل أراد أن ينقضّ على تصريح بلينكن ويؤدّبه، من خلال ردّ حازم، ورسالة حاسمة وجّهها للولايات المتحدة ورئيسها بايدن، ولمن يريد ان يسمع: «إنّ مرتفعات الجولان ستبقى الى الأبد، جزءاً من دولة إسرائيل، وإنّ موقف إسرائيل واضح… هضبة الجولان ستبقى إسرائيلية في كلّ سيناريو محتمل.»

إنّ السلوك الأميركي المنحاز لـ «إسرائيل»، وتجاهل الحقوق العربية والفلسطينية، لن يتغيّر مع بايدن ووزير خارجيته بلينكن كما يتوهّم بعض العرب. وأنّ الدعم الأميركي المتواصل للعدو لن يتوقف أو يتراجع، بل سيتقدّم. قد يتغيّر الموقف الأميركي حيال قضايا ومسائل وملفات وقرارات وإجراءات تتعلق بالعديد من دول العالم، إلا أنّ الموقف الأميركي بالنسبة لـ «إسرائيل»، وسياساتها العدوانية في المنطقة، يظلّ ثابتاً قوياً، يوفر لها كلّ أشكال الدعم والرعاية الكاملة في أيّ وقت وحين تدعو الحاجة.

إنّ الرئيس بايدن، كما بلينكن، ليس على استعداد، أو بمقدور أحدهما، مواجهة نفوذ اللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة وخارجها، ومؤسّساتها العميقة، داخل الادارة وأجهزتها الدستورية، التنفيذية منها والتشريعية، كذلك المؤسسات المالية، والإعلامية، والعسكرية وغيرها، ما يجعل الرئيس الأميركي وإدارته مكبّلاً وأمام تحدّ كبير، تجاه ما يمكن أن يقوم به من خطوات، ويتخذه من قرارات وإجراءات عملية متقدمة، ترضي «إسرائيل» ولوبياتها الفاعلة، أسوة بسياسات وقرارات سبق أن اتخذها الرؤساء الأميركيون السابقون.

هل يدرك العرب اليوم، أصحاب القضية، أنّ الرهان على واشنطن لحلّ قضاياهم، كمن يراهن على السراب، لأن من يصنع القرار الأميركي حيال «إسرائيل» وحيالهم هي تل أبيب ولوبياتها اليهودية وليست واشنطن! «إسرائيل» تملي في هذا الشأن، وواشنطن تنفذ ولا تعترض.

فالسلام الذي تلتزم به أميركا لا ينفصم عن سلام الأمر الواقع الذي تريد أن تفرضه «إسرائيل» على دول المنطقة. موقف واشنطن منذ البداية كان واضحاً صريحاً، جاء بعد وقت قصير من حرب الأيام الستة عام 1967،

عندما قال الرئيس ليندون جونسون: «نحن لا نقول لدول أخرى كيف ترسم بينها الحدود، التي توفر لكلّ واحدة منها، أكبر قدر من الأمن، لكنه من الواقع انّ العودة الى الوضع الذي كان سائداً في الرابع من حزيران 1967، لن يؤدي الى السلام!».

لقد استطاع النفوذ اليهودي ان ينخر القرار الأميركي، ويصيبه في الصميم. فاللوبي اليهودي الذي يمثل المجموعات اليهودية داخل الولايات المتحدة، التي لا يتجاوز عددها 1,5 في المئة من سكانها، استطاع على مدار عقود، من ليّ ذراع القرار الأميركي تجاه «إسرائيل» ودول المنطقة، وأن يكره كلّ من يأتي على رأس البيت الأبيض، وكلّ مسؤول رفيع في الداخل الأميركي،

ليستجيب لمطالبها، ويحمي مصالحها. إذ إنه يعرف مسبقاً انّ رفضه او تحفظه سيكلفه الكثير الكثير من المتاعب،

وسيجد نفسه في ما بعد، أمام رياح ساخنة هو بغنى عنها.

كلام بايدن المنمّق لم يغيّر شيئاً في الموقف الأميركي لجهة الاحتلال الإسرائيلي لأراض عربية، ووقوف بلاده بجانب المحتلّ واعتداءاته المتواصلة، ودعمه له من دون تحفظ او حدود.

إنّ الفلسطينيين، كما السوريين، وكلّ العرب، أمام حقيقة لا لبس فيها، وهي أنّ الحلّ «العادل» لن يأتي من واشنطن ليكون بجانبهم وبجانب إسرائيل في آن معاً. وإذا كان العدو يجد ضمانة وجوده واحتلاله للأرض العربية في واشنطن، فإنّ ضمانة العرب، لا سيما في منطقتنا المشرقية، تكمن أولاً وأخيراً في مقاومتهم للاحتلال، فهي رهانهم الوحيد لا بد منه، لإزالته عن أرضهم عاجلاً أم آجلاً.

*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق

شاهد أيضاً

د. أحمد عبد العزيز من أشهر أطباء العظام في مصر الحبيبة 🇪🇬 ترك عيادته وذهب إلى غزة

د. أحمد عبد العزيز من أشهر أطباء العظام في مصر الحبيبة 🇪🇬 حين اشتدت الحرب …