الرئيس نبيه بري يروي عملية الإستشهادي حسن قصير في مذكراته

…حققت عملية الشهيد بلال، نصرا معنوياً كبيراً لنا، خصوصا انها تركت اثارها الانكسارية لدى العدو، الذي اخذ يثير علنا مسألة انسحابه من الجنوب، فكثف شباب «حركة امل» الذين كانوا رأس الحربة في المقاومة، من عملياتهم الجهادية، الى ان فجر الشهيد حسن قصير نفسه بقافلة اسرائيلية في البرج الشمالي، المت العدو الى حد دفعه الى التعجيل في اتخاذ قراره بالانسحاب.

لقد تمت هذه العملية الاستشهادية في 5 شباط 1985، وتزامنت مع الذكرى السنوية الاولى لـ «انتفاضة 6 شباط» .
آنذاك أقامت الحركة احتفالا بذكرى الانتفاضة وقد كان الإتّفاق مع بعض الأخوة في الحركة أن يبلغوني عبر اللاسلكي عن نجاح العمليّة و كانت كلمة السّرّ
“العدس غلي سعرو “.
قبل صعودي للمنبر بشّرني الأخوة بنجاح العمليّة عبر كلمة السّرّ هذه فصعدت المنبر وأعلنت عن تنفيذ الحركة عمليّة استشهاديّة نوعيّة وقلت ان منفذها اسد من اسود «حركة امل» لكنني لم اعلن عن اسمه، مخافة ان يتعرض الاسرائيليون لاهله الذين كانوا ما يزالون في الجنوب المحتل.

اهل الشهيد حسن قصير، لم يعرفوا في بادئ الامر، بانه هو من قام بهذه العملية الجهادية، والمؤثر ان والدة الشهيد سمعت خطابي في «الكونكورد» عبر الاذاعة، وقالت لزوجها بعدما اعلنت عن العملية، وما ادت اليه من خسائر كبيرة في صفوف العدو: «فلتحيا البطن التي انجبت هذا الشهيد».

ما حصل انه بعد يومين، انشغل بال الوالد والوالدة لأن حسن لم يعد الى البيت، فقصد والد الشهيد «مؤسسة جبل عامل»، والتي كان حسن عنصرا في «كشافة الرسالة الاسلامية» فيها، ومحمد سعد كان مدير المؤسسة.

سأل الوالد محمد سعد عن ابنه حسن، فنفى علمه بمكانه وقال له: لا اعرف ماذا اقول لك، فثمة مسألة كبيرة حصلت مع حسن.

استغرب الوالد، وقال: ما هي؟!

فرد محمد سعد: على ما يبدو ان المسألة كبيرة جدا، ولهذا طلبه «الاستاذ نبيه» الى بيروت، وقد ذهب الى هناك.

لما سمع الوالد ما قاله محمد سعد، عاد ادراجه، لكن مرت ايام، واهل حسن لم يعرفوا عنه شيئا، عندها حضر والده الى بيروت، وقصدني في منزلي في بربور، وفور وصوله، ابلغني السكرتير بأن شخصا يريد ان يراني لامر ضروري، وهذا الشخص يقول انه من بلدة دير قانون.

طلبت الى السكرتير ان يدخله، واستقبلته في مكتبي، ولم اكن حينها اعرف انه والد الشهيد حسن قصير.

فور دخوله، سلم علي، ثم بادرني بالقول: يا استاذ نبيه، اريد أسألك عن ابني حسن ماذا فعل، لقد قالوا لي انه عمل شغلة كبيرة، وانك استدعيته الى هنا.

عندما قال لي هذا الكلام، اجتاحني تأثر عميق عليه، ووجدتي انتقل من مكاني وجلست بالقرب منه، ثم قلت له: انت رجل مؤمن.

فلم يدعني اكمل، وقال وهو ينظر الي بتعجب واستهجان: هو اللي عملها (العملية الاستشهادية)؟!

فقلت له: نعم.

في الحقيقة لا استطيع ان انسى ابدا، تلك الدمعة التي خرجت من عينيه وانسابت على خده، لتلتقي مع ابتسامة رسمها على شفتيه، بحيث كان يبكي ويضحك في آن معا، فخلته امامي طبيعة ماطرة وازهاراً تتفتح.

امام هذه الحالة، اخذت اواسيه، وقلت له: انت رجل مؤمن، واستشهاد حسن شرف لنا كلنا. فقال لي: الحمد لله رب العالمين، انا لا اضحك هكذا، انا اضحك على والدته التي قالت عندما سمعت خطابك «لتحيا البطن التي انجبت هذا الشهيد».

ثم قلت له: امامك خياران، فاما ان تعود الى زوجتك واولادك في الجنوب، من دون ان يعرف احد بما جرى، لان الاسرائيليين اذا عرفوا بذلك سيتعرضون لكم، اما ان تحضر عائلتك الى بيروت، وانا على استعداد ان اؤمن لكم شقة تسكنون فيها.

فقال: لا، سأبقى في الجنوب.

وتركني ورجع الى الجنوب، وفور وصوله، سألته زوجته عن حسن، فقال لها، الا تذكرين انك قلت تحيا البطن التي انجبته، فلم تتمالك نفسها وصرخت بأعلى صوتها، فاقترب منها، ووضع يده على فمها، وكتموا على شهادة حسن قصير، حتى زوال الاحتلال، حينها اعلنا عن اسمه…

شاهد أيضاً

رسالة إلى شوقي مسلماني

د. أحمد شبول.    رسالة إلى الشاعر شوقي مسلماني بمناسبة إصداره: “إسمي المزوّد بالزهور”: أهم …