** في ظمأ المناديل **…

نورة الزين حلاب

كان يهيمن بروحه المجنّحة في أرجاء المكان ، وكأنه بُعِثَ كطائر ألفينيق .
عيناه عدستان مركزّتان ، تقتنصان أدقّ تفاصيل الأشياء في غرفة العمليات حيث كان . بين يديه صدر مهيئ وقلب يوشك أن يصبح رهينة أنامله .
عيناها العسليتان المتأملتان به ، تحتضنانه بهيبة الأمومة و تدفّق الحنان …
— توكل على الله .
تمتمت شفتاها تحت كمّامة معقّمة ، تخفي نصف وجهها محاولة إخفاء إبتسامتها عن إختراق جوانب قلبه وهو يردد وراءها :
— بسم الله .
مسك المشرط ، شقّ الصدر ، وبدأ جبينه يتفصّد عرقا . حدّق بها وأحنى راسه للطف عنايتها ، وهي تمسح حبات عرقه بمنديل دستّه في جيب قميصها الأخضر ؛ لتحتفظ به ذكرى وهي تهمس له :
— ايها البطل ، من مثلك ؟!

كانت تتأمله بخشوع مشحون بالشغف .
شرع يفتح الصدر ؛ ليُشرِف على قلب متعب النبض ، يسبح في بركة أرجوانية تجوس فيها أنامله بقوة هدوءه العجيب ؛ لتقطع وتبدّل وتصِل الشرايين ، وبين اللحظة والأخرى كان يلتفت صوبها على عادته ؛ ليرتوي من عرق جبينه المنديل ، فتدسّه في جيبها وهي تباركه ..
— أيها المتألق ..من يوازيك ؟؟!!
(ويخفق قلبها في أعماقها ويهتز كهزة عصفور بلله القطر )

ربع قرن مضى ، وهي وراء الكواليس ، حبيسة هذا العشق الأبكم الغريب … تضمّخ روحها من عطر جبينه النابت كالأقحوان الأصفر على حوافي المناديل …حتى تجاوزت الستين فتقاعدت يائسة منهكة ، من فرح تجاهل أن يضيئه يوما في حناياها كما تضاء الشعلة في عتم القناديل ..!!
لم يمض شهر واحد على تقاعدها حتى اعتزل ، مكتفيا باستشارات ، ومواعيد بعد ان كادت يده تودي بحياة مريض ، فلم تعد هناك من كانت تستودع المناديل شرف تعرّق جبهته … وهي تردد على مسامعه …
— أيها البطل … من يشبهك ؟!
— أيها المبهر …من يضاهيك ؟!

….

شاهد أيضاً

صليبا وعويدات التقيا الجميل

زار رئيس “حركة شباب لبنان” ايلي صليبا، يرافقه النائب الاول لرئيس “هيئة الطوارئ المدنية في …