التدقيق الجنائي يتلاشى

راسل وزير المالية منذ أيام شركة ألفاريز داعيا إياها لزيارة لبنان للبحث في تعديل عقد التدقيق الجنائي على ضوء قرار مجلس النواب وعلى ضوء قانون تجميد العمل بالسرية المصرفية لمدة سنة، من أجل مباشرة التدقيق الجنائي بالتوازي في حسابات مصرف لبنان والوزارات والمجالس والصناديق والإدارات.
وتظهر أمامنا، كما قلنا سابقاً، عدة عبارات مفخخة في الكلام الجديد؛ وهذه العبارات هي: رفع السرية المصرفية، التدقيق بالتوازي، من هي شركة التدقيق التي سيتم التعاقد معها، شروط العقد الجديد على ضوء توسيع مهمة التدقيق.
ويتبع كلمات السر هذه أسئلة عديدة، منها:

بقلم علي خيرالله شريف

السؤال الأول هو؛ هل أن قانون تعليق السرية المصرفية الذي يعتبره البعض لزوم ما لا يلزم، قد وفَّر الدعم لرياض سلامة في موقفه الرافض لتقديم المعلومات المطلوبة منه لشركة التدقيق الجنائي، متذرِّعاً بتلك السرية، وقدم له الحصانة للمرات القادمة؟ أعني في حال أدت الجدالات المتوقعة حول تطبيق القانون إلى تضييع الوقت وانتهاء المدة دون القيام بما يلزم، هل سيعود رياض سلامة إلى منع المعلومات بنفس الحجة السابقة ولكن هذه المرة بشكلٍ أقوى من السابق لأنها مدعومة بقانون تم إقراره بإجماع المجلس(وهنا نسجل انتصار السيد رياض سلامة بدهاء الدُهاة ودعم الفاسدين). والمؤسف أنه لا يوجد في هذه الدولة الـمُتَرَهِّلَة مَن يحسُم الجدل ولا من يَفصِل في الاجتهادات القانونية حول مسألة أحقية الدولة في الاطلاع على حساباتها، ولم نرَ دوراً للهيئات القضائية العليا في الموضوع، الـمُخوَّلة الوحيدة الفصل إن كان من الضروري إصدار قانون جديد من مجلس النواب بهذا الشأن أم لا.
تقول مصادر إعلامية أن هناك الكثير من العراقيل التي ستعترض طريق استئناف التدقيق، وعلى الأرجح كان الهدف من إفشاله في المرة الأولى، إعادة إطلاقه بالشكل الحالي مليئاً بالتعقيدات التي قد يتطلب حلُّها أكثر من سنة، فتنتهي مهلة تعليق السرية المصرفية قبل استئناف التدقيق، فتنطبق عليها قصة الحطاب الذي قال: إما يموت الملك، أو أموت أنا أو يموت الحمار.

والسؤال الثاني هو: عندما يمر الوقت على مدة تعليق السرية المصرفية دون أن يحسموا خياراتهم وعرقلاتهم المنتظرة، ماذا سيحصل؟ هل سيصبح التدقيق الجنائي في عداد المرحومين أم سيصدرون قانوناً جديداً لتعليق جديد لتلك السرية؟

والسؤال الثالث هو: هل سيتم إعادة توقيع الاتفاق مُعَدَّلاً مع شركة ألفاريز أم سيعودون إلى مناقصات جديدة ومفاوضات جديدة مع شركات أخرى، تطول وتطول؟ سِيَّما وأنَّ المَهام بحسب القانون قد صارت أوسع من السابق؛ فبعد أن كانت تشمل مصرف لبنان، صارت اليوم تشمل بالإضافة إلى هذا المصرف، حسابات الوزارات والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة. فهل ستؤدي المفاوضات إلى تَعثُّر الاتفاق فتنتهي مهلة السنة وينتهي التدقيق كما انتهى التحقيق بقضية المرفأ وكما انتهت قضايا أخرى وتلفلفت فضائح أخرى؟

والسؤال الرابع هو: كيف ستتعامل الحكومة التي يُحتمل أن يؤلفها السيد سعد الدين رفيق الحريري مع التدقيق؟ هل ستسير فيه ويمثُل السيد الحريري وحلفاؤه من التيار الأزرق والزعماء والجهابذة والفطاحل من كل الطوائف أمام القضاء، أم سَيَتَحصَّنون كالعادة بطوائفهم وتتحرك لحمايتهم الخطوط الحمراء المذهبية؟
ويقول بعض النواب أنهم اتفقوا على بدء التدقيق من مصرف لبنان؛ فمن يا ترى اتفق مَع مَن؟ وماذا يضمن لنا أن يلتزموا باتفاقهم المزعوم؟ وهل يلتزمون بالكلام وهم معروفٌ عنهم أنهم لم يلتزموا يوماً بالعقود ولا بالعهود ولا بالاتفاقات المكتوبة ولا بالقوانين الـمَسنونة؟
وعلاوةً على كل ذلك، تقول مصادر مُطَّلِعة أنه لو قُدِّر للقانون أن يُطبَّق بكل حذافيره، فإنه لن يشمل الموبقات المالية الأساسية التي أصابت البلد بالإنهيار، وذلك يهدد بتمييع التدقيق ونسفه من أساسه. فالتدقيق المنصوص عليه بالقانون الجديد:

  • لن يُظهِرَ الأموال التي دُفِعت لشراء الولاءات في الانتخابات وفي غيرها، والتي دفعها رياض سلامة أو المصارف بإيعازٍ من زعامات سياسية معروفة.
  • لن يستطيع إظهار الأموال التي تم تهريبها إلى الخارج، لأنها قد هُرِّبت من المصارف، والتدقيق بحسب مصدر مصرفي، لا يمكن أن يحصل في حسابات المصارف إلا بقرار قضائي مرتبط بالشك في تبييض الأموال أو التهرب الضريبي، وذلك غير متوفر.
    الخلاصة؛ من الـمُرَجَّح أننا تعرضنا لخدعة كبيرة بدأت بتفجير المرفأ ومرَّت بإسقاط حكومة مواجهة التحديات، ووصلت إلى إسقاط التدقيق الجنائي، ومن ثَمَّ إسقاط أي إصلاح، وانتهت الخدعة بفوز الفساد وتكريس الفاسدين وانهيار البلد.

شاهد أيضاً

جائزة أفضل صورة صحفية في العام… لقطة من غزة “تفطر القلب”!

فاز مصور “رويترز”، محمد سالم، بجائزة أفضل صورة صحفية عالمية لعام 2024، الخميس، عن صورة …