الديناصور اللبناني

                                                                                                                                                                                                     طعّان حبشي

من أغرب النظريات، التي راجت حول إنقراض الدينوصارات عن وجه الأرض، أذكر واحدة، أرى في عناصرها ، ما يمكن أن يكون معقولاً، للأخذ به، كقاعدة قادرة على التدمير الذاتي، تنطبق أيضاً فيما تنطبق عليه، على تحوُّل الحضارات والمجتمعات عَبْر القرون والأجيال من حالة ٍ الى أُّخرى، جراء جهل ٍ أو تخلّف ٍ في إسلوبيّ الإدارة والقيادة .

هذه النظريّة تقول: بأنّ عقل الديناصور لم يَنم ُ، بالقدر نفسه، الذي نمّا به جسمه، فإختل التوازن ما بين، الخصائص العضويّة المتعلقة بإستجابة وظائف دماغه من جهة، والتحكّم من خلالها بحركة ومتطلبات أعضائه وحاجاته من جهة ثانيّة، فتعطلّت نواميس الطبيعة فيه، فبدأ يتضخّم حجمه ويصغُر عقله دون ضوابط، حتى غفِل عن ذاته، ولم يعد واعيا ً و مُلما ًبعمليّة الجنس والإنجاب، فدخل في سبات ِ عجز ٍطويل، إندثر بعدها وإنقرض.                                                                                 وهذه الغرابة، تتماهى مع غرابة ما نلمسه اليوم في المجتمع اللبناني إذا جاز التشبيه، فالقاعدة أُفقيّا ً تكبر وتنمو بشرياً ًوديموغرافيّا بشكل ٍ مطّرد، وتتوسع بالعمران والبنيان، وبالأعمال والأسواق، وبالمؤسسات والشركات والإدارات، بشكل ٍ لا يُصدّق ولم يسبق له مثيل، وبالتّالي إزدادت متطلباتها  وحاجاتها، وأصبح من الضروري، الإستعداد الدائم لمواكبتها، بتقديم وتنفيذ وإجراء كل ما يلزم لصونها وصيانتها، وبتحضير كل ما يتلاءم وحداثتها، ويتكامل وتطوُّرها، على جميع الأصعدّة، وفي كل الميادين والمجالات، الأقتصاديّة  الإجتماعيّة، الإنمائيّة، الإداريّة، التنظيميّة، السياسيّة الأمنيّة، التربويّة، الأخلاقيّة، الإنشائيّة، والخدماتيّة، لاسيما تأمين خدمات البنى التحتيّةً، ودون أن ننسى الروىء القاضيّة برسم الخطط  والتصاميم والمشاريع المستقبليّة والإستباقيّة، لما قد يَستجد ويَطرأ، ولما هو داخل ٌ في حساب ِالمُحتمل والمُتوَقع.

و بالمقابل نرى عاموديّاً. بأنّ رأس الهرم، من حكامنا المتعاقبين المولجين رعاية شؤوننا وشؤون وطننا، والمتحكِّمين بنا، والممنوحين ثقتنا لتنفيذ كل ما ذكرناه آنفاً، لا يتطوّرون بما يكفي ، وليس هم بالمستوى المطلوب ، لمجابهة كل هذه التحدِّيات، ولمجاراة تلك الوثبة العملاقة ،  فيبدون عاجزين عن تحمّل عبء الإضطلاع بكامل المسؤوليّات الجسام المترتبة إزاء مواجهة هذا الكمّ الهائل من المتغيِّرات، والمضحك في الأمر هو، أنهم ليسوا غافلين فقط  كما حصل مع الديناصورات، تلك المخلوقات التي لا حول ولا قوة لهافي التفكير والإستنباط ، لتغيير ما كان قد أصبح أمرا ً محتما ً ومقضيّا ً.  بل هم العاقلون ومع ذلك فهم متغافلون قصدا ً وعمدا ً ومقصِّرون أيمَا تقصير، وقد أرسوا وثبتّوا مع الوقت نظاما ً ممقوتا ً موصوفا ًبالفساد والمفاسد ، شبيها ً بنظام المُلكيّة الخاصّة أو المزرعة وبإدارة ٍ سيئة ، أرادوه مطيّة لخدمة مصالحهم ومآربهم وغاياتهم .                                                                       والمؤسف أنهم قد جعلونا نتعايش معه ونعتاد عليه ونحيا في ظله ، والذي لم ولن يأتيِ بشيء صالح ، قد يُرضي ويُشبع طموحات وأمال وأحلام هذا الوطن وشعبه .

ومع إستمرار الوضع على ما هو عليه ، فإن كل عضو ٍمن تركيبات هذا المجتمع بات يعتمد على نفسه ، لتأمين حاجاته ومتطلباته ، ويسعى الى المزيد من الإستقلاليّة والإكتفاء ، ورويدا ً رويدا ً ، فلا رادع  بالمطلق من أن يَنفصل الواحد عن الآخر ، ومن ثمّ الكل يَبعُدون ويَغرُبون ويغرِّدون خارج سرب لبنانيتهم ، وهم سائرونالى الأمام على خطى سُنّة التقدّم والتطوّر ، فيقع المُكره والمُبغَض من المحظور ، فينقطعون بعضهم عن بعض ، وقد ينفصلون عن العصب الأم الذي يربطهم بالرأس ـ العقل الحاكم المدبِّر ، فيتفرقون كمثل الغنم الذي لا راع ٍ له ، ولاسمح الله ، فقد يندثر وينقرض هذا البلد كما جرى للدينوصارات ، وبخسارته سيترك فراغا ً أُمميّا ً لا يُعوّض، كونه أضحى ضرورة وحاجةماسَّة للعالم أجمع ، لا غنى للإنسانيّة عنه ولا بديل . 

شاهد أيضاً

إسرائيل سقطت،،

كَتَبَ إسماعيل النجار بعد تهديدها طهران بالرَد على مهاجمتها في العُمق، إسرائيل تناور أم تُعيد …