آراء _ عن _ الحب

كَانَتْ عاطفة الحب موجودة وما زَالَتْ منذ بدء الخليقة وحتَّىٰ الآن .. وقد عَـبَّـرَ عـَنها الأديب :

مصطفىٰ صادق الرافعي :

حَرفَـانِ كُوِّنَـتِ الدُّنيَـا لأجلِهِمَـا ..
كَـمْ ضَمَّتَـا مِـنْ مَعَـانٍ ذَاتِ أنبَـاءِ

إنَّها العلاقَـة النبيلة بين كل ما خلق اللَّـهُ من

نبات أو جماد أو حيوان أو إنسان . فما ائتلف منها انسجم ، وما اختلف منها انفصم .؟
إنه نظامٌ كونيٌّ متناسق تجمعه علائق من التجاذب والتعاطف ، يميل كل منهما إلى الآخر ، ولا يستطيع العيش بدونه ، وإلا كان حُطاماً متناثراً ، أدركته حتمية المصير بالتفرد والتوحد والتوحش والفناء ، ولا يبقى منه إلا
ما يصلح ليكون عبرةً ، وأمثولةً لكل من يشذُّ عن القانون العام الذي فطر الله مخلوقاته عليه .؟
ومن هؤلاء كان العشاق العذريون الذين تفرَّدوا بعشقهم فتوحدوا بمحبوبةٍ ، ولم يرضوا عنها بديلاً ، فكان التفرد والتوحد والتوحش ، وقضوا حسرةً ومعاناةً ، ومنهم كان قيس بن الملوح أو مجنون ليلىٰ ، أو مجنون بني عامر كما كان يُلقَّبُ من حين لآخر .؟!

. ؛ *

قيس إبن الملوح وليلى

قيس بن الملوح والملقب بمجنون ليلى

شاعر غزل عربي ، من المتيمين ، من أهل نجد .

عاش في فترة خلافة مروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان في القرن الأول من الهجرة
في بادية العرب .

لم يكن #مجنوناً وإنما لقب بذلك لهيامه في

حب ليلى العامرية التي نشأ معها وعشقها فرفض أهلها ان يزوجوها به ، فهام على وجهه ينشد الأشعار ويأنس بالوحوش ويتغنى بحبه العذري ، فيرى حيناً في الشام وحيناً في نجد وحيناً في الحجاز .! وهو أحد القيسين الشاعرين المتيمين والآخر هو قيس بن ذريح ” مجنون لبنى ” . توفي سنة 68 هـ الموافق 688 م وقد وجد ملقى بين أحجار وهو ميت ، فحُمل إلى أهله .

وأما عن العلاقة بين قيس وليلاه والتي ينضح بها هذا الشعر ، جاء ليروي قصة حب بدأت منذ كانا صغيرين يرعيان الماشية عند جبل التوباد ، معتمدين في ذلك على ما ورد منها في كتاب الأغاني:

” #هي ليلى بنت مهدي بن سعد بن ربيعة بن عامر ، كانت ترعى ماشية أهلها في جبل اسمه التوباد ، وهناك التقت قيساً ، فإذا هما أولاد عمومة ومن حي واحد ، فتعارفَـا ودرجَـا صغيرين ، علق كل منهما الآخر ، ولما كبرا ،
كبر معهمـا حبهمـا .!!

ويقصُّ أبو الفرج في كتابهِ الأغاني:

” إنَّ أبا المجنون وأمَّهُ ورجالَ عشيرتهِ اجتمعوا إلى أبي ليلى ، فوعظوهُ وناشدوهُ الله والرَّحِمَ وقالوا لهُ : ” إنَّ هذا الرجل لهالكٌ .. وقبل ذلك هو في أقبح من الهلاك بذهاب عقلهِ ، وإنكَ فاجعٌ بهِ أباهُ وأهلهُ ، فنشدناكَ الله والرحم أن تفعل ذلك ، فواللهِ ما هي أشرفَ منهُ ، ولا لكَ مثلُ مالِ أبيهِ ، وقد حكَّمَكَ في المهرِ ، وإنْ شئتَ أن يخلعَ نفسهُ إليكَ من مالهِ فعل .؟

فأبىٰ وحلف باللهِ وبطلاقِ أُمِّها ، أنهُ لا يزوِّجُهُ إياها أبداً .؟

وقالَ : أَفضحُ نفسي وعشيرتي وآتي ما لمْ
يأتِهِ أحدٌ من العرب ، وأَسِمُ ابنتي بِميسمِ فضيحة .؟!

وما كادوا ينصرفون حتى زَوَّجَهَا لرجل موسرٍ من ثقيف كان قد تقدَّمَ لخطبتها ، إسمهُ ورد بن محمد ، رغماً عنها ، درءاً للفضيحة ، وإعلاناً للملأ بأن ابنتهُ من العفيفات الكرام .

وصلَ الخبرُ قيساً فذهب ما بقي من عقلهِ ، وجُنَّ جُنُونهُ ، وهامَ على وجههِ يشكو همَّهُ وهيامَهُ للصحراء بما فيها من غزلانٍ وظباءٍ ، وهديل الحمام على الأيك يذكّرهُ بجراحهِ ، وأسراب القطا تحمل سلامهُ والقمر الساهر ملتقى عيون الحبيبين .؟!

يُخاطبُ القَطـا فيقول:

شَكَوْتُ إلىٰ سَربِ القَطَا إذْ مَرَرنَ بي ..
فَقُلْتُ ومِثْلي بِالبُكَاءِ جَديرُ

أَسَربَ القَطَا هَلْْ مِنْ مُعِيرٍ جَنَاحُهُ ..
لعَلِّي إلىٰ مَنْ قَد هَوَيْتُ أطِيرُ

فَجَاوَبْنَنِي مِنْ فَوْقِ غُصنِ أرَاكَـةٍ ..
ألا كُلُّنَا يا مُسْتَعِيرُ مُعِيرُ

وأيُّ قَطَـاةٍ لَـمْ تُعِـركَ جَنَاحَهَـا ..
فَعَاشَتْ بِضُرٍّ والجَنَاحُ كَسِيرُ

وإلَّا فَمَنْ هَذا يُؤَدِّي رسَالَـةً ..
فأشْكُرَهُ إنَّ المُحِبَّ شَكُورُ

إلىٰ اللَّهِ أشْكُو صَبْوَتي بَعـدَ كُربَتِي ..
ونِيرَانُ شَوْقي مَا بِهِـنَّ فُتُورُ

فَإنِّي لَقَاسِي القَلْبِ إنْ كُنْتَ صَابِرَاً ..
غَدَاةَ غَـدٍ فِيمَنْ يَسِيرُ تَسِيرُ

فَإنْ لَـمْ أمُـتْ غَمَّـاً وهَمَّـاً وكُربَـةً ..
يُعَاوِدُني بَعـدَ الزَّفِيرِ زَفِيرُ .؟!

ويُنْشِدُ واصِفَـاً إنْ جَـاءَهُ كِتَابٌ مِنْهَـا :

إذَا جَاءَني مِنْهَـا الكِتَابُ بِعيْنِـهِ ..
خَلَوْتُ بِبَيْتِي حَيْثُ كُنْتُ مِنَ الأرضِ

فَأبْكِي لِنَفْسِي رَحمَـةً مِنْ جَفَائِهَـا ..
ويَبْكي مِنَ الهِجرَانِ بَعضِي عَلىٰ بَعضِي

وإنِّي لَأهْـوَاهَـا مُسِيئَـاً ومُحسِنَـاً ..
وأقضِي عَلىٰ نَفْسِي لهَـا بالذي تَقْضِي

فَحَتَّىٰ مَتَىٰ رَوْحُ الرِّضَا لا يَنَـالُـنِي ..
وحَتَّىٰ مَتَىٰ أيَّامُ سَخْطِكِ لا تَمْضِي .؟!

ويَنْكَفِيءُ عَلىٰ نَفْسِهِ يَلومهَا بِأنْ سَبَقَتْهُ بالنَّوحِ الحَمائم فيقول معتذراً:

لقَـد هَتَفَتْ في جُنْحِ لَيْلٍ حَمَامَـةٌ ..
عَلىٰ فَنَنٍ وهْنَاً وإنِّي لنَائِـمُ

فَقُلْتُ اعتِذَارَاً عندَ ذاكَ وإنَّني ..
لِنَفْسِيَ فيما قَد أتَيْتُ لَلَائِـمُ

أََأَزْعُـمُ أنِّي عَاشِقٌ ذو صَبَابَـةٍ ..
بِلَيْلَىٰ ولا أبْكِي وتَبْكِي البَهَائِـمُ ؟

كَذَبْتُ وبَيْتِ اللَّهِ لوْ كُنْتُ عَاشِقَـاً ..
لَمَـا سَبَقَتْنِي بِالبُكَاءِ الحَمَائِـمُ .؟!

وروي أنه لما اشتد عليه المرض ، وعاف الطعام والشراب ، وعاش مستوحشاً .. صعب أمره على قلب أمه فذهبت إلى ليلى ترجوها أن تلقاه ولو مرة ، عله يتوب إلى نفسه ويعود عليه عقله . فأتته ليلاً في غفلة من أهلها فقالت له وكانت شاعرة مُقِلَّة :

أُخْبِرتُ أنَّكَ مِنْ أجلِي جُنِنْتَ وقَـد ..
فَارَقْتَ أهْلَكَ لَـمْ تَعقِلْ ولَـمْ تَفِقِ

فَأنْشَدَهَـا :

قَالَتْ جُنِنْتَ عَلىٰ رَأسِي فَقُلْتُ لهَـا ..
الحُبُّ أعظَمُ مِمَّـا بِالمَجَانِينِ

الحُبُّ ليْسَ يُفِيقُ الدَّهْـرَ صَاحِبُـهُ ..
وإنَّمَـا يُصرَعُ المَجْنُونُ في الحِينِ

لَـوْ تَعلَمِينَ إذَا مَـا غِبْتِ مَـا سَقَمِـي ..
وَكَيْفَ تَسْهَرُ عَيْنِي لَـمْ تَلُومِينِي .؟!

فَبَكَتْ معهُ ! وتَحَدَّثَـا طويلاً ثم ودَّعتهُ ..
وكانَ آخر عهدهِ بهَـا .؟!

ولما بلغ قيساً خبرُ زواج ليلى من ورد بن محمد جُنَّ جنونه ، فنصح أهل الحي أباه أن يذهب به إلى مكة حاجّاً ليطوف حول الكعبة ويدعو الله له بالشفاء . وأثناء الطواف طلب منه أبوه أن يتمسك بستار الكعبة ويسأل الله البرءَ والشفاءَ من حب ليلى . فما كان منه إلا أن تعلَّقَ بأستار الكعبة ورفعَ صوته بالدعاء :

اللهم ! زدْني لليلى حبّاً ، وبها كَلَفاً ولا تُنْسِني ذكرها أبداً ..
فيئس منه أبوه وعاد به .؟

إلتقى المجنون بزوج ليلى جالساً امام خبائه ، فوقف وأنشده من قلبٍ محبٍّ تأكله الغيرة :

بِربِّكَ هَـلْ ضَمَمْتَ إليْكَ لَيْلَـىٰ ..
قُبَيْلَ الصُّبْحِ أوْ قَبَّلْتَ فَاهَـا

وهَـلْ رَفَّتْ عَلَيْكَ قُرُونُ لَيْلَـىٰ ..
رَفِيفَ الأقْحُوَانَـةِ في نَدَاهَـا

فقال الزوجُ : إذا حلَّفْتَني فنعم ، ليزيده ألماً وحسرةً ونكايةً .!

فما كان من قيسٍ إلا أن قبض على جمرتين بكلتا يديه وما فارقهما حتى سقط مغشياً عليه .؟
وظلَّ قيسٌ على حاله هذه هائماً على وجهه ، متفرداً في حبه ، آنساً لرُؤية الظباءِ حتى وجدوه ميتاً مرمياً بين الحجارة ، فانتشلوه وغسَّلوه ودفنوه .؟!

وهكذا انتهت معه قصّةُ حبٍّ عفيف طاهرٍ .! قستْ عليه عاداتٌ قبليّةٌ حَرَمَتْ قلبين من أن يعيشا في كنف الحبِّ وطهرهِ ، ولكن الشاعر المجنون خلَّده جنونه ، وخلَّد شعره اسم ليلى حتى أصبح الإسم الأَحَبَّ لكل عاشقٍ شاعرٍ يتغنَّى بليلاه ، ” وكُلٌّ على ليلاه يُغنّي ” .؟!

ومن روائع غزله بليلى العامرية ينشد لها فيقول :

فَوَاللَـهِ ثَـمَّ وَاللَّـهِ إِنّي لَدائِبٌ ..
أُفَكِّرُ ما ذَنْبي إِلَيْكِ فَأَعجَبُ

وَوَاللَّـهِ ما أَدري عَلامَ هَجَرتِني ..
وَأَيَّ أُموري فِيكِ يا لَيْلَ أَركَبُ

أَأَقطَعُ حَبلَ الوَصلِ .! فَالمَوْتُ دُونَـهُ ..
أَمَ اَشرَبُ كَأسَاً مِنْكُمُ لَيْسَ يُشْرَبُ

أَمَ اَهرُبُ حَتَّىٰ لا أَرىٰ لي مُجَاوِرَاً ..
أَمَ اَفعَلُ مَاذَا ؟ أَمْ أَبُوحُ فَأُغْلَبُ

فَأَيُّهُمَـا يَا لَيْلَ ما تَفعَلِينَهُ ..
فَأَوَّلُ مَهْجُورٌ وَآخَرُ مُعتَبُ

فَلَـوْ تَلْتَقِي أَروَاحُنَـا بَعـدَ مَوتِنَـا ..
وَمِنْ دُونِ رَمْسَيْنَا مِنَ الأَرضِ مَنْكِبُ

لَظَلَّ صَدىٰ رَمْسِي وَإِنْ كُنْتُ رِمَّـةً ..
لِصَوْتِ صَدَىٰ لَيْلَىٰ يَهُشُّ وَيَطرَبُ

وَلَـوْ أَنَّ عَيْنَـاً طَاوَعَتْنِيَ لَـمْ تَـزَل ..
تَرَقْرَقُ دَمعَـاً أَوْ دَمَـاً حِينَ تَسْكُبُ .؟!

تحياتي و أجمل ورداتي
م.سامي بابا

شاهد أيضاً

طموحات أردوغان التوسعية: إلى العراق دّر

     د. سماهر عبدو الخطيب  تعتبر زيارة الرئيس التركي طيب رجب أردوغان الأولى إلى …