عيد الميلاد لا تكتمل فرحته إلا بالشجرة والحبش والBuche

زياد سامي عيتاني*


عيد الميلاد المجيد هو ثاني أهم الاعياد المسيحية بعد عيد القيامة، اذ يمثل تذكاراً لولادة السيد المسيح. ومع اقتراب حلوله كل عام، حاملاً معه بشائر الخير والسلام، تعمّ الاجواء الميلادية مختلف انحاء العالم، فتكتسي البلدان الحلة الميلادية وتزدان بها فتصبح مشعة متلألئة بالأنوار المختلفة التي تضفي اجواء من الفرح والمحبة في النفوس المبتهجة بالعيد واحتفالاته ومظاهره وعاداته الاجتماعية المميزة.
المظاهر الاحتفالية بعيد الميلاد على تنوعها، بدءا من شخصية “بابا نويل” والزينة وشجرة الميلاد، مروراً بالمائدة الميلادية، وصولا الى الهدايا… كلها عادات وتقاليد اجتماعية لها حكايات موروثة ضاربة في عمق التاريخ الانساني ولها دلالتها ورمزيتها، تطورت مع الزمن وباتت تحاكي العصر بلغة الحداثة والتطور، مع الحنين الى عبق الماضي.


•زينة الميلاد:


يترافق عيد الميلاد مع تزيين المنازل والكنائس والشوارع والساحات والاماكن العامة والاسواق التجارية والمحال بزينة ميلادية خاصة، يطغى عليها الاخضر والاحمر في شكل اساسي، قبل ان يضاف الى الزينة مع مرور الزمن المزيد من الالوان، لاسيما اللونان الذهبي والفضي. واستخدام الاحمر والاخضر تقليدياً له دلالته ورمزيته، فاللون الاحمر يرمز الى دم السيد المسيح، في حين ان الأخضر يرمز الى الحياة وولادة السيد المسيح. ويعود تاريخ نشوء زينة الميلاد الى القرن الخامس عشر، اذ انتشرت ترحيباً واحتفالا بعيد الميلاد وتمجيداً له، من دون ان يكون هناك تاريخ محدد معروف لوضع زينة الميلاد. غير انه درجت العادة بدء التزيين اعتبارا من بداية شهر كانون الاول.


•شجرة الميلاد:


يعتقد بأن الالمان كانوا اول من بدأوا بتقليد شجرة الميلاد غير المزينة، وان اول من استخدمها للعيد هو الراهب المبشر الانكليزي “القديس يونيفس”.
لم تصبح شجرة الميلاد عادة اجتماعية مسيحية معتمدة من الكنيسة الا مع القرن الخامس عشر، عندما انتقلت الى فرنسا، وفيها تم ادخال الزينة اليها بشرائط حمراء وتفاح احمر، فضلا عن اضاءتها بالشموع، تيمناً بأحد القاب السيد المسيح الواردة في “العهد الجديد” بأنه “نور العالم”. غير أن الشجرة لم تصبح حدثاً شائعا الى مع ادخال الملكة شارلوت زوجة الملك جورج الثالث تزيين الشجرة الى انكلترا، ومنها الى الولايات المتحدة وكندا واوستراليا، لتتحول احد المظاهر الاحتفالية الاساسية والبديهية التي لا غنى عنها احتفالا بعيد الميلاد سنويا في كل انحاء العالم.
من اشكال الزينة، التي اضيفت في وقت لاحق الى شجرة الميلاد، الكرات الملونة بالأحجام المختلفة، الاجراس رمزاً للرعاة الذين بحثوا عن السيد المسيح، العكاز الذي يرمز الى عصا الراعي الصالح. النجوم التي ترمز الى نجمة بيت لحم التي دلت المجوس الى الطريق. السلاسل الضوئية التي ترمز الى تاج الشوك الذي وضع على رأس السيد المسيح… كما توضع تحت الشجرة الميلادية او بقربها مغارة الميلاد، او مجموعة من صناديق مغلفة بأوراق الزينة، اضافة الى علب الهدايا التي يتم فتحها وتبادلها عشية عيد الميلاد…


•”بابا نويل”:


“بابا نويل” او “سانتا كلوز” هو شخصية ترتبط بعيد الميلاد، لا بل انها الرمز الميلادي الابرز. هو معروف غالباً بأنه رجل سعيد دائما، وسمين جداً، ومبتسم باستمرار، يرتدي بزة يطغى عليها اللون الاحمر بأطراف بيضاء، وتغطي وجهه لحية ناصعة البياض. وكما انه مشهور في قصص الاطفال فان “بابا نويل” يعيش في القطب الشمالي مع زوجته السيدة “كلوز” وبعض الاقزام الذين يصنعون له هدايا الميلاد، الى الأيائل التي تجر له مزلاجته السحرية ومن خلفها الهدايا، ليتم توزيعها على الاولاد أثناء هبوطه من مداخن مدافئ المنازل أو من النوافذ المفتوحة وشقوق الأبواب الصغيرة.
قصة سانتا كلوز مأخوذة من قصة القديس نيكولاوس، وهو أسقف “ميرا”، عاش في القرن الخامس الميلادي، وكان يقوم أثناء الليل بتوزيع الهدايا على الفقراء والعائلات المحاجين من دون أن تعلم من هو الفاعل، وصادف أن توفي في كانون الاول.


•مائدة الميلاد:


بما أن عيد الميلاد يرتكز في جوهره على اجتماع العائلة ليلة العيد للاحتفال معاً بمعانيه الدينية القيّمة، فضلاً عن السعي الى المحافظة على الروابط العائلية والأسرية، فإن الجلوس الى مائدة العيد ليلة الميلاد يعد حدثاً احتفالياً سنوياً. لذا تزدان المائدة بأشهى الأطباق من المأكولات والحلويات التي ارتبطت في شكل وثيق بهذه المناسبة السعيدة، حتى باتت جزءاً لا يتجزأ من تقاليد العيد ومظاهره المألوفة والمحبّبة. ومن ثوابت المائدة الميلادية التي لا بد منها ثلاثة أنواع أساسية هي: “الديك الرومي”، “Buche de Noël” و”Marron Glace”.


•الحبش “الديك الرومي”:


أول ما يتبادر الى الأذهان عند التحدث عن مائدة الميلاد هو “حبش العيد”، أو “الديك الرومي”، الذي بات يعتبر طبقاً اساسياً ورمزاً ميلادياً عريقاً. وسبب هذا الارتباط المتلازم ما بين الميلاد و”الديك الرومي” هو ارتباط موسمي تاريخي، إذ أن موسم تكاثر الطائر يتزامن مع الشهور الاخيرة من العام، ما جعله الوجبة الاساس للأعياد المتزامنة مع نهاية العام، لاسيما عيدي “الشكر” و”الميلاد”.
يتخذ الديك الرومي موطنه الأصلي في أميركا الشمالية، ولم يعرفه الإسبان الا بعدما جلبه المبشرون وكولومبس من الأراضي الجديدة، قائلين ان اسمه “بوليه ديند” (“الدجاج الهندي” نسبة الى الهنود الحمر سكان البلاد الأصليين). وعرف في فرنسا باسم “ديند”، لكنه في بريطانيا يسمّى “تيركي” إذ ساد اعتقاد بأن موطنه الأصلي هو أفريقيا، التي كان البريطانيون يعتقدون يومذاك انها موطن الأتراك.
لم يرتبط أكل لحم الديك الرومي بعيد الميلاد الا في عهد إدوارد السابع، عندما كانت هذه العادة حكراً على طبقة النبلاء من دون عامة الشعب. لكن الديك الرومي نزل من هذا المقام السامي الى الشارع في القرن السابع عشر حين أتى به البحارة من المستعمرات الاميركية التي كانت تعتبره غذاء رئيسياً طوال فصل الشتاء.


•‏”Buche de Noël”:


من رموز المائدة الميلادية حلوى “حطب الميلاد” المعروفة فرنسياً باسم “Buche de Noël”، وهذا النوع من الحلوى بات يعد الصنف الوحيد الذي لا يمكن أن يغيب عن هذه المناسبة الاحتفالية السنوية المميزة. وكما يستدل من اسمها فهي تحضر وتقدم على المائدة، كما لو انها جذع شجرة حقيقي أعد لوضعه في الموقدة.
يذكر أنه قبل اكتشاف هذا النوع من الحلوى الميلادية، كانت حلوى عيد الميلاد تتألف من الفاكهة المجففة والـ”Brioche”، قبل أن يصبح “حطب الميلاد” منذ العام 1870 تقليداً معروفاً يرافق العيد.
ارتبط ظهور “حطب الميلاد”، وفق الأسطورة الأكثر انتشارا، بقرار من نابليون بونابرت وفطنة الخبازين الفرنسيين، إذ تقول الحكاية إن “بونابرت” أصدر قراراً يطالب فيه سكان مدينة باريس بعدم استعمال المواقد، متذرعاً بأنها تسبب الأمراض وتحدث تلوثاً في الجو ولأن الموقدة كانت ولا تزال سبباً يجمع أكثر أفراد العائلة في فصل الشتاء القارس، ولأنه بسبب هذا الطلب لم يعد في إمكان العائلات الاجتماع للتنعم بدفئها ومراقبة نيرانها، إبتكر الخبازون حلوى على شكل جذع شجرة، أي الحطب الذي يوضع في المواقد، وهكذا صار الجميع يجتمعون حولها من أجل التمتع بشكلها والتلذذ بمذاقها. ومنذ ذلك الحين، صار “Buche de Noël” التقليد الرسمي المرافق لعيد الميلاد.


•‏”Marron Glacé”:


تندرج ايضاً ضمن لائحة مائدة الميلاد “الكستناء المثلجة” التي تعرف باسم “Marron Glacé”، إذ ان هذا النوع من الحلوى يعتبر احدى أغلى الحلويات التي تقدم في هذه المناسبة، وهي تستورد إما من فرنسا او ايطاليا او اليونان، ويتطلب تحضيرها جهداً ووقتاً ودقة ومهارة، مما يجعل ثمنها باهظاً جداً.
وهناك نزاع بين الفرنسيين والايطاليين حول نشأة هذا النوع من الحلوى، فيقول البعض انها فرنسية المنشأ في زمن لويس الرابع عشر على يد الشيف الشهير “لافارين”، فيما يرى آخرون انه جيء بها من مدينة “كونيو” الايطالية التي تتوافر فيها اشجار الكستناء بكثرة. ورغم الخلاف على منشئها الاصلي، فإن الجميع يعترف بأن “فوجيي” الفرنسي كان أول من أنتج الكستناء المثلجة صناعياً في العام 1882، لكن هذا النوع من الكستناء لم يكن ليحفظ فترة طويلة، مما منع تصديرها على نطاق واسع، الى ان طور الايطالي “صوتا إنجيلو” تقنية صناعتها وحفظها.


بهذه العادات والتقاليد الاجتماعية المميزة والمحببة التي ترسم الابتسامة على وجوه الكبار والصغار وتدخل الفرحة والسعادة الى قلوبهم، يحتفل العالم كل سنة بعيد الميلاد المجيد بما ينطوي عليه من اهمية دينية ذات قيم سامية ومقدسة، فضلا عن دلالات اجتماعية – انسانية تلتقي على المحبة والتسامح…

*إعلامي باحث في التراث الشعبي

شاهد أيضاً

ملحمة المخلافة سواخ-كعيدنة

للشاعر والأديب إبراهيم القيسي. المِخْلَافَةْ(سوَّاخُ كُعِيدِنَةْ) من ٤٠٠ – ١٠٠٠ ه‍ سوَّاخُ أنتِ السَّما والأرضُ …