تأثير المكان في رواية أوراق من ذاكرة بانقيا للكاتب عبد الهادي الفرطوسي

إبراهيم الأعاجيبي


 
يؤثرُ المكانُ في الشخصية أيَّما أثر, ويترك هذا الأثر في النفس ما له من خصائص ومميزات، وسنسير في القراءة النقدية للرواية متتبعين أثر هذا المكان، فالأرض مقدسة والشخصية مقدسة وهكذا انطلق السرد وهو محاط بعمودين  الهالةُ الكبرى التي كان ينظر من خلالها الكاتب تنطلق من رؤية واضحة الملامح، إن سيرة مدينة النجف مخزونة في مخيلة الكاتب وعندما أراد أن يؤرخَ لها استدعى قاموسه اللغوي والبلاغي ليأتيه بأعذب وأرق وأقدس الكلمات والجمل ليؤرخ بها مدينته التي منها ينحدر، كان الكاتب يتلاعب بالبناء الهيكلي في الرواية، تارةً يسرد وقائعاً حدثت قديماً في الماضي السحيق، وتارة يعود إلى التاريخ الحديث وأخرى إلى التاريخ القريب، كسر النمطية في  كتابة الرواية وراحَ إلى عقله الباطن ليمده في نسقٍ جديد يتلاءم مع القصة، قداسة المدينة من هذا السميدع العظيم، الذي أعطى لهذه المدينة هذه النزعة الدينية النقية الخشنة، فروح الورع والتقوى كان صفة هذا الإمام التي اتخذ المدينة مأوى له، الكاتب نَّحى منحى مخالفاً لما هو شائعاً في البناء الفني في الرواية، فهو يحاور ويصف ويغير حسبما تملي عليه مخيلته الأدبية، يبدأُ الرواية بكلمةٍ تثير الشهية والرغبة في القراءة، إن صوت الكاتب يسرد للبطل في داخل الرواية، يقول بلسانٍ الشخصية: (وهو يتسكع في أزقتها يتساءل) هذا التساؤل يستدعي القارئ أن يتساءل مع الشخصية عن هذه المدينة وطريقة هندسة بنائها وتصميمها هذا التصميم الذي وصلت إليه! ثم يقرر البطل أن يكتب عن هذه المدينة، فتأتي في مخيلته أسماء كتاب تركوا أثراً لهم في الفلسفة والأدب كجيرار جينيت، يقررُ البطل أن يتمرد على قواعد جينيت في كتابة هذه الرواية المزمع كتابتها، فقد لعب السرد لعبةً في البناء الفني، فتارةً يكون السرد تسلسلياً وتارةً يكون متناوباً، يستدعي بذاكرته تاريخ المدينة القديم والحديث، وفي كل لحظةِ استدعاء ثم تساؤل يطلقه الكاتب، هذا التساؤل يخفي شيئاً مضمراً، اللغة كانت لغة سرد أدبية أي أنها لغة سرد مميزة بلون منغم، الروايةُ تعجُ بذكريات الصبا، والحنين بتوق للطفولة الأولى في مرابع هذه المدينة، الكاتب لديه خلفية مرجعية دينية كبيرة وواسعة، أمدته بالكثير من المفردات لكي يضفيها على نصه، مدينة النجف بما تحمل من مخزون  معرفي وحضاري وديني قد أخذت مشاعر الكاتب وألهمته، لا يريد الكاتب من روايته أن تكون وثيقة مؤرخة للمدينة بل يريد منها أن تدخل في خانة الأدب كوثيقة من رؤية كاتبها، النقدُ الحديث يتعامل مع هذه الرواية على أتها رواية تاريخية لكنه يطبق عليها أحكام النقد السردي وليس التأريخي البحت، الشخصية الرئيسة لم تتضح ملامحها ظاهراً، إلا إنها لن تكون إلا ذات الكاتب وانعكاسه حول رؤيته عن مدينته، وإلا فالرواية أشبه بمذكرات أو سيرة مدينة، وتحتاج هذه السيرة إلى مدون يدون لها فاحتاجت إلى شخصية، فكانت هذه الشخصية هي الكاتب بمشاعره واحاسيسه ووجدانه، فهي تصلح لمن يبحث عن استراحة فنية أو وقفة تأمل أو هي رياضة للفكر أو سياحة جميلة عذبة، المكانُ هو الفضاء الذي تسرد فيه الحوادث والوقائع وتجري عليه التفاعلات بين الشخصيات، فثيمة الرواية عملت على المكان وأثره في المدينة، لم تكن المدينة إلا إيحاء للمقدس الذي احتوته، العلاقة بين المقدس الذي تقدس المكان لوجوده هي علاقة واضحة وصريحة وقد انصهرتا في ذاتٍ واحدة، وهذه الذات هي ما أراد أن يؤرخ له الكاتب.

شاهد أيضاً

ضاهر:” تمنى على الأحزاب المسيحيّة الأساسيّة وقف السجالات العدائية “

تمنّى النائب ميشال ضاهر على “الأحزاب المسيحيّة الأساسيّة”، وقف “السجالات العدائيّة في ما بينها، وإيلاء …