البازل (PAZZLE) الإسفلتي

                                                                                طعـّان حبشي

في طريق عودتنا الى بيروت برفقة أحد كبار الموظفين المُلمّين بأعمال وزارة النقل والأشغال العامّة ، بعدما تمّ الكشف على إحدى الطرق التي لا تزال تُرابيّة ضمن نطاق البلديّة التي أُمثّلها ، بهدف المساعدة بتأهيلها وتعبيدها ، وبينما كنّا نقطع شارعاً من الشوارع المارّة وسط إحدى البلدات الواقعة في مُحافظة جبل لبنان ، فوجئنا بحفّارة تقتلع الإسفلت منه وهو يبدو بحالة جيّدة ، وتكدّسه قطعاً قطعاً في مكانٍ قريب تمهيداً لشحنها ورميها بعيداً في أحد المكبّات ، فرفعت صوتي بدون وعيٍ وبشكل لا إرادي وغير مقصود وقلت ” يا ريتني إستطيع ترقيم هذه القطع ومن ثمّ نقلها ورصفها بالتسلسل كما تُشبك قطع البازل على الطريق التي كنّا قد عاينّاها للتو في بلدتي (البازل لعبة ذهنيّة تعتمد على شبك قطع صغيرة مع بعضها البعض لتؤلف لوحة كاملة التفاصيل والمعالم) ، فضحك صاحبنا مُطولّاً وردّ عليّ قائلاً ” ما قلته هو نكتة ولكنها بالحقيقة تحمل في طيّاتها دلالات مُعبّرة وواقعيّة ، فلو أنّ كميّة الزفت السليم والذي لا يزال صالحاً للإستعمال لكنه يُحفر ويُكشط هنا وهناك من على الطرقات والشوارع في مُحافظة بيروت وجبل لبنان وفي بعض المُدن نقدر أن نستفيد منه ثانيةً ، لكان كافيّاً لتعبيد مئات الكيلو مترات في القرى والبلدات النائية ” فجاوبته ” ليس ما قلته أنا ، بل ما قلته أنت يا صديقي ، يحمل دلالات كثيرة ولكنها مُحزنة ومُحبطة ، ففي لبنان هناك طرقات عليها الزفت طاق فوق طاق وأُخرى وضعها زفت ” فضحك الجميع سخريةً ، ليس على ما دار بيننا من حديث ، بل على ما آل إليه أسلوب التعامل مع أوضاعنا ومُتطلباتنا من فوضى تبذيرٍ وهدر. الطريف والمُخجل في الأمر ، هو إنّه وفي حال صَدفَ أن تبوء أحد السياسيّين وزارة النقل والأشغال العامّة ، وإستلم إدارتها وإنتهج مبدأ الإنماء المُتوازن الذي يُطالبون ويتغنّون به وركّزّ بنمطٍ جديد مُنصف وعادل على خدمة المناطق المحرومة والمنسيّة في الأطراف ، والتي كانت مُهمّشة ولا تزال رغم تعاقب المسؤولين عليها على مدى عهودٍ وعهود ، تقوم القيامة عليه ، يُطلقون بإتّجاهه سهامهم السّامة ، فينعتونه بالتحيّز والتمييّز ما بين المناطق ، ولكأنهم بذلك يكشفون عن أساليبهم التي تبغي فقط المُحاصصة والربح وتقاسم الحصص والمنافع ، على أساسٍ أناني ، شخصي ، قبلي ، ومناطقي ، ولا إعتبار عندهم لحاجات الوطن والمواطن ، إلّا بقدر ما يدخل في حساباتهم وجيوبهم ، ولا فرق لديهم ولا يهمهم فيما لو أُصيب الشبعان بالتّخمة على حساب حرمان الجوعان من اللقمة .
طعّان حبشي

شاهد أيضاً

وجه كتاب توصيات لوزارة التربية

مطر: “فلنخفف على طلاب المدارس الرسمية” تجاوبا” مع طلاب المدارس الرسمية في صرختهم حيال الامتحانات …