حسن صعب “الإنسان” حقق الابداع بكل مجالاته


محمد ع. درويش

مقابلة خاصة مع الاستاذ مهيب عبد الله نعماني عن حسن صعب  ” الإنسان”


حسن صعب قبل كل شىء الانسان الذي حقق الابداع بكل مجالاته.
‏لقد اتاحت لي صلة قربى تطورت الى صداقة فيما بعد، أن أعرف حسن صعب الانسان منذ طفولتي، حسن صعب ابن عمتي الحاجة حفصة احمد نعماني.


سيرة حياته التي تميزت بالنضال المستمر منذ أتى الحياة الدنيا يتيم الاب حتى الساعات الاخيرة قبل مغادرتها وهو على فراش الموت، فاقدا القدرة على الكلام ، ملوحا بقبضة يده اليمنى للأحبة الهلعين حول فراشه، شادا من ‏عزيمتهم ، وكأن المريض سواه.
ولد حسن صعب عام 1922 وحيدا من زواج أبيه وأمه القصير العمر. فوالده حسن صعب الذي حمل اسمه توفي قبل ولادته بثلاثة اشهر، وكان عائدا من مصر بطريق البحر فدفن في فلسطين ، ووالدته حفصة نعماني. وكانت جدته هند نعماني مربيته الاولى وهو رضيع. ثم تعهدته أخته منتهى دوغان مع ابنتها سامية.


‏سيرة حياته منذ طفولته ترسم صورة الانسان العصامي المكافح.  
بدأ دراسته في ابتدائية أبي بكر الصديق ، من مدارس جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية في ‏بيروت ، وكان يعمل أحياناً منذ كان في الثانية عشرة ليؤمن دخلا اضافيا.


‏الدراسة في الكلية الشرعية ثم في القاهرة
‏عام 1935 اختار المفتي الشيخ محمد توفيق خالد مجموعة من طلبة المقاصد للدراسة في الكلية الشرعية في بيروت (المعروفة بذكرى خالد والحوت) (عرفت لاحقا بثانوية أزهر لبنان) وضمت الى حسن صعب ، محمد البعلبكي، بهيج عثمان ، رمضان لاوند، شفيق يموت ، محي الدين العربي العزوري، عبد الله المغربل ، زين العابدين عيتاني، ابراهيم نحاس، ابراهيم زين، رؤوف كزكزك (من حماه). أحمد يوسف حمود، محي الدين خالد وعباس ‏خليفة.
‏ثم اختار بعد سنتين دفعة ثانية أبرز من فيها حسن خالد (مفتي الجمهورية اللبنانية لاحقا) ‏سهيل ادريس، طه الولي ، عبد الحفيظ سلام ومختار الجندي. بعض هؤلاء التلامذة انتقل الى الدراسة المدنية باكرا كمحمد البعلبكي الذي تابع دراسته في الجامعة الاميركية في بيروت. والبعض الآخر انتقل ال الازهر الشريف في القاهرة، ثم انتقل الى كلية الآداب بجامعة القاهرة ومنهم حسن صعب وبهيج عثمان حيث نال شهادة الليسانس عام 1942.
‏في جامعة القاهرة كان حسن صعب لولب الحركات الطالبية وقائد المظاهرات المطالبة بالاستقلال والحرية. وعندما قاد تظاهرات الترحيب بأول وفد استقلالي لبناني يزور القاهرة برئاسة رياض الصلح عام 1943 ، طلب منه رياض العودة الى لبنان للالتحاق بوزارة الخارجية.


المرحلة الدبلوماسية الاولى 1944 – 1960
وفي طريق عودته برا ال بيروت اعتقلته السلطات البريطانية في فلسطين عقابا على نضاله الطالبي العربي في مصر. و لم يفرج عنه الا بعد ضغوط كبيرة مارسها أصدقاؤه في بيروت. بدأ حياته الدبلوماسية مع أول مباراة في وزارة الخارجية عام 1944 فألحق بمفوضية لبنان في باريس عامي 1945 – 1946 ضمن البعثة الدبلوماسية التي يرأسها أحمد الداعوق، ثم كنائب قنصل في اسطنبول ( 1946 – 1947)، فرئيس لدائرتي الصحافة الثقافية في الادارة المركزية لوزارة الخارجية اللبنانية (1947 – 1950) ثم عين سكرتيرا للسفارة اللبنانية في واشنطن وقائما بالاعمال بالوكالة (1950 – 1956) وكان السفير يومها، شارل مالك. وفي واشنطن أنهى دراساته العليا ونال الدكتوراه في علم السياسة عام  1956 من جامعة جورج تاون.


‏وعاد الى الادارة المركزية لوزارة الخارجية عام 1956 ليصبح مستشارا ومديرا للشؤون السياسية بالوكالة. عام 1957 وكان استاذا في الجامعة الاميركية في بيروت، تعرف الى نعمت حبيب غندور، فتزوجها، وانجب منها ولداه حسان ومروان. وأسس عام 1958 الجمعية اللبنانية للعلوم السياسية وكان أول رئيس لها.
‏استقال من وزارة الخارجية عام 1960 ليخوض معترك الحياة السياسية العملية بعد أن درس علم السياسة في مختلف الجامعات في لبنان. وكانت تجربة انتخابات دائرة بيروت الثانية مريرة بالنسبة له.


‏ فالبلاد كانت خارجة من أحداث 1958 تعيش مناخاتها السياسية المتطرفة وكان الفوز في معظم مناطق لبنان لرموز ما عرف “بالثورة” و “الثورة المضادة” . وحورب الدبلوماسي المثقف والعصامي ابن مدارس المقاصد والازهر الشريف بأنه غربي الميول السياسية. والحقيقة أنه كان منفتحا ومطلعا على الثقافة الغربية مع التزام بجذوره الثقافية العربية – الاسلامية، ومع التزام بتوازن دقيق يجمع بين القومية العربية ‏والوطنية اللبناية بصيغة كامل لا تناقض.


المرحلة الدبلوماسية الثانية 1961 – 1964
عاد الى العمل الدبلوماسي عام 1961 كمستشار ثقافي لبناني في أميركا الشمالية. وفي الفترة بين 1961 و 1964 قام حسن صعب بنشاط خارق زار جميع الولايات الاميركية بالاضافة الى كندا، وألقى محاضرات في مئة وثمان وعشرين جامعة تناولت مختلف القضايا ‏اللبنانية والعربية مع تركيز خاص على القضية الفلسطينية والتواصل الاسلامي المسيحي. كما اتصل شخصيا بكل طالب لبناني في الولايات المتحدة وكندا حاثا إياه على العودة ‏الى الوطن.


بيروت اولاً و اخيراً مرحلة العطاء الكبير 1964 – 1990
‏لكن هوى حسن صعب يبقى في لبنان ، في العاصمة بيروت، وفي منطقة رمل الظريف – الزيدانية بشكل خاص. فاتخذ عام 1964 قرار الاستقرار النهائي في بيروت. استقال من السلك الدبلوماسي نهائيا وانصرف الى التدريس الجامعي والكتابة. وأسس مع زكي مزبودي وشارل رزق ” ندوة الدراسات الانمائية” التي قام لها الجزء الأكبر من حياته وأطلق مع رفاقه، ومن خلالها، بداية الوعي الانمائي، وضرورة تحقيق ثورة انمائية أرادها ‏شاملة وفي مختلف الحقول.


‏عندما ساءت صحته وهو في الخامسة عشرة قضى قرابة عام كامل في بحمدون الضيعة ‏برعاية الشيخ يوسف الهبري.
وقد أكمل في المنزل دروسه كاملة ورفع الى الصف الاعلى دون أن يؤثر وضعه الصحي على تقدمه الدراسي.


‏وكانت ارادته تدفعه دائماً لتحقيق ما يعجز عنه غيره.
وهل حقق سواه مشروع قانون موحد للانتخابات النيابية شاركت في وضعه جميع الاحزاب ؟
‏وهل يستطيع غير حسن صعب أن يدخل بلاده في منظمة عربية اقليمية (اليسكو) وينتخب عضوا في مجلسها التنفيذي قبل ان تقر حكومة بلاده أو مجلسها التشريعي الانضمام اليها بخمس سنوات.
‏وحسن صعب دائم التجدد، دائم الشباب، صديق مختلف الاجيال. فهو صديق احمد الداعوق، وزكي النقاش وعبد الله اليافي الذين يكبرونه بحوالي ربع قرن، وصديق عبد الله المشنوق، وصبحي المحمصاني، وحميد فرنجية، وجميل مكاوي، وقسطنطين زريق ،‏وادمون رباط، وعبد الله العلايلي ومحمد علي حماده، الذين يكبرونه بعشر سنوات أو أكثر ومنير غندور . وصديق الشيخ حسن خالد والشيخ صبحي الصالح ، وبهيج عثمان ، وجوزيف مغيزل وزكي مزبودي الذين تتقارب أعمارهم مع عمره. وصديق عصام خليفة والهام كلاب ،‏وروحي بعلبكي، وسواهم ممن يصغرونه بجيل كامل. ونقرأه في كتابه ” شخصيات عرفتها وأحببتها´´ يقول : ” ان كل انسان منا يتعلم من الانسان الآخر، طفلا كان هذا الانسان أم شيخاً، ويتعلم منه من طور الطفولة حتى طور الشيخوخة. وبوسعي أن أقول بأنني لم أقابل أي انسان الا واغتنيت بمعرفته.  فكل انسان هو ثروة مكنونة في ذاته”.


‏حسن صعب الانسان هو رجل الحوار الدائم والمؤمن بحرية الرأي وبالديمقراطية يمارسها ويبشر بها. نراه يحاور في بيروت ويحاور في انطلياس وفي طرابلس وزحلة ويحاور الاشقاء العرب والاجانب في المؤتمرات الدولية في شتى أنحاء المعمورة. لم يكن يعترف بباب موصد أمام الحوار بين اللبنانيين، وبالتال اخترق كل حواجز الحرب النفسية والأمنية وزار معظم المناطق اللبنانية وكان لولب الكثير من مؤتمرات الحوار الوطني، ولعل من أبرزها الحوار الذي قادته ندوة الدراسات الانمائية بشخصه مع نقابة الصحافة بشخص نقيبها رياض طه في مطلع الحرب عام 1975 .

وشارك في العديد من مؤتمرات الحوار الاسلامي المسيحي في سائر أنحاء العالم وأبرزها هيئة الحوار الاسلامي المسيحي للندوة اللبنانية في بيروت 1967 – 1968  وحلقات الحوار الاسلامي – المسيحي لمجلس اتحاد الكنائس المسيحية 1970 – 1976 .
‏وكان لولب النشاطات الثقافية ليس فقط من خلال الجمعيات التي أسسها منذ كان طالباً في مدرسة أبي بكر الصديق بل من خلال التجمعات الثقافية التي شارك بها مع أبرز الهيئات الثقافية اللبنانية في السنوات الثلاث الاخيرة.

وفي كل حياته الحوارية والفكرية كان حسن صعب ثورة مستمرة من اجل العقل والاعتدال وصنع التقدم. وجسد حسن صعب، التكامل الدقيق بين الايمان بالله، والثقة ‏الكبيرة بقدرة العقل البشري على صنع التقدم.


حسن صعب مناضل من اجل الحياة ومن أجل التقدم من البداية حتى النهاية.
أو لم يناضل منذ يومه الاول ضد اليتم والفقر والمرض والجهل.
أو لم يكتب في مذكرات اليوم الأخير وكانت الأزمة القلبية قد داهمته :
‏”خلقنا لنحيا، الحياة وحدها تستحق أن نكونها، وأنا أريد أن أكون ، أريد أن أحياء أريد أن أتحرك ، أريد أن أخلق، أريد أن أذهب الى تونس لأحارب من أحارب في “السكو” ولأسالم من أسالم. هكذا كان وجودي في هذه المنظمة بعد ان اقتحمت لبنان فيها عام 1985 بعد مقاطعة خمسة عشر عاما. لماذا فعلت ذلك، لأن لبنان عربي، بل رائد في منظمة الثقافة العربية”.


حسن صعب لم يحاول يوماً أن يجمع مالاً، لكنه ترك ثروة‏ضخمة من الكتب والمقالات والانجازات العلمية، وعائلة صغيرة، العلم محورها : حسان الدكتور في الهندسة الكيمائية، ومروان الد كتور في طب الاشعة، والزوجة نعمت الدكتورة في علم المكتبات.

شاهد أيضاً

8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة

تؤثر خيارات نمط حياتنا بشكل كبير على صحتنا، حيث يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي أو …