الأعمى ــ البصير …. في سباق الحمير

        طعـّان حبشي

تتنافس الجمعيات والنوادي والروابط والبلديات خلال مواسم الإصطياف في معظم القرى والبلدات اللبنانيّة ، على إقامة الحفلات والمهرجانات والسهرات التراثيّة ،وغيرها من المسابقات الثقافيّة ــ الترفيهيّة ، والسباقات الرياضيّة ، التي هي بجزء ٍ منها تقليديّة ، وبالجزء الآخر هي في غاية الغرابة ، إذ إنهم إستنبطوهاوإبتكروها بقصد التسلية والضحك ، ولكي يستقطبواأكبر عدد من الرواد والسواح والزوار ، لحضور نشاطاتهم والتعرّف على معالم وجمالات ضيعهم ومناطقهم .                                 من أشهر أنواعهذه السباقات كان سباق الحمير ، الذي راح منظمّوه من عام الى عام

يتفنـّنون به ، فيُدخلون عليه أفكارا ًجديدة تزيد من حماسة وإبتهاج الجمهور له ، فكانت آخر صرعاته في إحدى القرى ، سباق للحمير المركوبة بالمقلوب ، حيث إشترط المنظـّمون على أصحابها ، إمتطاء حيواناتهم المشتركة في السباق بعكس المعتاد ، أي وجوههم بإتجاه أذنابها وظهورهم بإتجاه رؤوسها ، وحدّدوا نقطة النهاية في مكان لا يمكن للمتسابقين الوصول إليها بطريق ٍ مستقيم ، بل عليهم سلوك دروب متعرجة ٍ مفتوحة على عدد ٍ من الأزقة والزواريب ، وكانت المكافأة ، كيسان من التبن وكيس من الشعير، لكلحيوان ٍ بإستطاعة ممتطيه سوقه والبلوغ به الى نهاية المطاف.

عندما بدأ السباق ، إنهال الفرسان مقلوبو الظهير ،بالضرب على مؤخرات الحمير بعصيّهم وأسواطهم ، لحثـّها على التقدّم وإحراز السبق ، فتحركت البهائم على غير هدى ودبـّت الفوضى فيما بينها ، وإختلط حابلها بنابلها ، فحرن قسم ٌمنها ، وشرد بعضها ،وتوقف البعض الآخر عن المسير ، وتاهت مجموعة منهامحشورة ومزروكة هنا وهناك في الزوايا الضيّقة والمنعطفات الخاطئة ، بعد أن غابت الرؤيا المباشرة عن العيون التي من المفترض بها تسديد مسالك ومسارات الحمير وإتجاهاتها ، والباقي إمتطى ظهورها الأولاد والأطفال بعد أن تخلى عنها راكبوها ، وساد الهرج والمرج والهتاف والصراخ بين المشاهدين على طول الطريق ، ولم يعد بإمكان المتسابقون ــ الفوارس السيطرة على الوضع ، ولا معرفة على أي منقلب ٍ سينقلبون ، ولم يَعد لديهم المقدرة على التمييّز ، بين ماهو لظاهر العين وما هو لباطن القفا ، فإستحالعليهم ، ما كانوا قد ظنـّوه سهلا ً وهينا ً، الى صعب ٍلا بل الى مستحيل ، فأصابتهم الدوخة وإستسلموا الى عجزهم وفشلهم ، فخسروا الرهان ، وبالتـّالي لم تحظ الحمير بالعلف المنشود من التبن والشعير .

ونحن شعب لبنان ، سوف لن نكسب الرهان ، لا اليوم ولا في المستقبل ، ولن نحظى أبدا ً بالوطن الذي نريد ، لبنان السيـّّد المستقل ، لبنان النظام والقانون ، لبنان الحريّة والكرامة ، لبنان الأبيّ القويّ ، لبنان البحبوحة والعيش الكريم ، لبنان العدل والإنصاف والمساواة ، طالما أنـّنا مواطنون وحكـّام وقياديون وسياسيوّن ،الكل دون إستثناء ، وعلى قدر طاقاتنا ومقدرتنا وصلاحياتنا، نركب متن المسؤوليّة ، في مؤسساته ومرافقه ومقدّراته وثرواته ومقوّماته ومراكز القرار فيه بالمقلوب والمعكوس ، فنـُدير ظهورنا لرؤوس القضايا ،من الكبائر والأولويات التي تهم الوطن ، ونتلهى بصغائرها وأذنابها ، ونـُغلق عيوننا عن المصلحةالوطنيّة العليا ، وعن متطلبات الشأن العام ، ونـُيـّمم وجوهنا وأبصارنا الى المصلحة الخاصّة الضيّقة والفئويّة ، فنخدمها بكل ما أعطينا من القوة والحيلة والحذاقة ، ضاربين عرض الحائط مصالح الوطن والمجتمع ، وحاجاتهما وعزتـّهما وديمومتهما .                                                                       فقسما ً إذا ما إستمرينا على هذه الحال ، نسير ببلدنا ونحن نتطلع الى الوراء ، فمن المُحال لنا ، أن نكسب وطنا ًومجتمعا ًنفخر بهما ، بل سنبقى كما نحن ، غارقين في وحول وأطماع الأنانيّة ــ القاتلة ، والشخصانيّة ــ المُدمّرة ، اللتين ومع الوقت ، لسوف تهوّيان بنا الى حضيض الجهالة ، فنضيع في متاهات ٍ تـُشغلنا عن أهدافنا النبيلة والسامية ، ونـُرمى  الى أسفل مداركالمذلـّة والذلـّة ، المهانة والإنحطاط ، فنخسرعندها أغلى ما لدينا ، لبناننا وأنفسنا ، وبعدها لن يبقى لنا ،سوى فشلنا وتحسّراتنا ، ندمنا وبـُكائنا ، حيث لا نفعيـُرتجى لنا ، لا من الندم ولا من الدموع .  

شاهد أيضاً

*قتل زوجته بطلقين نارييَن بسبب خلاف بينهما، وقطّعها بمنشارٍ كهربائي ودفـنها في حديقة المنزل وشعبة المعلومات أوقفته وضبطت سلاح الجـريمة.

  2024-04-20 صــدر عــــن المديريّـة العـامّـة لقــوى الأمــن الـدّاخلي ـ شعبة العـلاقـات العـامّـة البــــــلاغ التّالــــــي: …