“كومونة باريس” :ما الذي يجري في فرنسا؟


    د. أحمد عياش 

في ذكرى الثوريين الحالمين اليساريين الفرنسيين ( 18 اذار 1871) يتراكم عشرة الاف طن من النفايات في باريس، ويخوض الفرنسيون الكادحون اصعب نضال لاسقاط مشروع رفع سنّ التقاعد من العمل الذي أقرّ بالقانون احتيالا على القانون  .

فرنسا الحالمة بالوحدة وبالأخوة وبالعدالة تعاني من محاولات حثيثة لضرب القطاع العام لصالح القطاع الخاص .

لم تكن الخصخصة يوما مشروعا فرنسيا حضاريا. فالفرنسيون بنقاباتهم اليسارية والمسيحية التقدمية أوعى بكثير من محاولات اليمين البائس ،بل كانت الخصخصة وما تزال مشروعا اميركيا لا يؤمن بأي شكل من اشكال ادارة الملكية العامة بروح اشتراكية.

القطاع الصحي العام والقطاع التربوي الفرنسيان يعيشان ازمة خانقة. ففرنسيون كُثر اليوم بلا طبيب معالج وبلا تقديمات طبية سهلة لعدم وجود الاطباء المختصين في كامل المستشفيات الفرنسية التي تتكىء بقوة على سواعد وأدمغة الاطباء العرب المغاربيين واللبنانيين والافارقة الفرنكوفونيين، بينما تعاني الاجيال الصاعدة من ازمة في التعلم نتيجة تسرب المعلمين نحو اختصاصات اخرى .

احلام الثورة الفرنسية الرابعة في “كومونة باريس” كامتداد لاحلام ولتمنيات الثورة الفرنسية الاولى ،تتساقط امام حكم المصارف وهجوم الخصخصة للقطاع العام عبر إفشاله من مديريه ومن الاداريين انفسهم اراديا.

لم يٌسقط احد الاتحاد السوفياتي ،بل هم المسؤولون والكوادر الذين افشلوا حركته الاقتصادية وافشلوا ادارة مصانعه ليسقط بالضربة القاضية.

المتآمرون على القطاع العام الفرنسي ليسوا غير مديريه، وبإيعاز خفي من الدولة المالية المصرفية العميقة في فرنسا.

عائلات مالية تدميرية حاكمة تمسك بزمام الأمور وتوجهها بإعلام حرّ مباشرة، انما  موجّه بلباقة وبمكر غير مباشر.

ليس خط حركة تاريخ فرنسا تصاعديا نحو الأفضل، انما خط التطور كخطوط اطراف المنشار، تارة صعودا وتارة سقوطا، ولو ان الخط العام يرتفع تدريجيا عن نقطة الانطلاق.

الرأسمالية العالمية ليست بخير .

مؤشرات الازمة الهابطة تلمسها من ميزان حرارة المصارف نفسها التي بدأت تعلن افلاسها الواحدة تلو الاخرى.

القائد كوفيد التاسع عشر فضح الرأسمالية ،والحرب الاوكرانية تسببت بإرتجاجها ،وازمة تايوان جعلت الصين الشعبية تأخذ بزمام المبادرة للهجوم على المستعمرات المالية النفطية الاميركية في بلاد نجد والحجاز والخليج العربي او الخليج الفارسي ،ولو ان الافضل تسميته بالخليج الاسلامي لو كانت النيات حسنة.

كومونة باريس، وفي ذكراها المئة واثنين وخمسين ، تبقى حركة الكادحين الفرنسيين الشرفاء لحماية البلاد ضد سلطات محلية برجوازية تقبل الذل البروسي-الألماني على ثورة العمال والفلاحين والمثقفين والاحرار الاشتراكيين الفرنسيين.

شاهد أيضاً

من الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» إلى الصراع الإيراني ـ «الإسرائيلي»!

د. عدنان منصور* بعد العملية العسكرية للوعد الصادق التي قامت بها إيران ضدّ كيان الاحتلال، …