ماذا بعد التَّطبيع السُّعوديِّ الإيرانيِّ، وتداعياته على ملفات لبنان والمنطقة؟

الجزء الأول

الكاتب والمحلّل السِّياسيّ توفيق شومان: نحن أمام مبادرة صينية مُكتملة المعالم مع اعتماد الإستراتيجية الصينية لتطويق الأزمات في العالم ودول الإقليم، والأفق مفتوح أمام تعاون ثنائي يطال معظم الملفات العالقة بين السعودية وإيران، ما يسهّل الحلول لمعظم أزمات دول منطقتنا، ومنها لبنان.

حمُّود:
شهد العالَم الأسبوع الماضي زلزالًا سياسيًّا وديبلوماسيًّا ضخمًا ستكون له الكثير من التداعيات على مختلف الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية الإقليمية والعالمية. وهو حدث فاجأ الكثير من الأوساط السياسية والاستخباراتية، ووسائل الإعلام العالميَّة والعربية؛ لأنه أُعلن عنه بشكلٍ مباغت من العاصمة الصينية بكين في ظل تكتّم شديد على مفاوضات سرية جرت لمدّة أربعة أيام في تلك العاصمة بين وفود أمنية واستخباراتية سعودية وإيرانية، عقدت عدّة جولات مفاوضات سرّية أفضت إلى الإعلان عن فتح صفحة جديدة من العَلاقات السعودية الإيرانية تحت جناحي التنّين الصيني الذي اعترف الجميع على أنه يدخل المعترك الديبلوماسي الدَّولي من أوسع أبوابه بعد أن نجح في تحقيق هذا الخرق الكبير بين قوّتين إقليميّتين تتصارعان بشكلٍ شرس على النفوذ في الشرق الأوسط والخليج العربي منذ أكثر من عشْر سنوات على الأقل، وتتخاصمان بشدّة سياسيًا، وعلى النفوذ في المنطقة منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، أو ما قبل ذلك، على الرغم من مرور علاقاتهما ببعض مراحل التَّطبيع أو المهادنة، ولكنهما سرعان ما كانا يعودان للاشتباك والصدام الديبلوماسي والأمني الخفي بعد تبادل الاتهامات بتدخّل كل دولة منهما بشؤون الأخرى الداخلية.
إذًا، ومنذ يوم الجمعة الفائت تتجه العَلاقات السعودية-الإيرانية إلى سلوك طريق الانفراج في ظلّ البيان الثلاثي المُشترك الصيني-السعودي-الإيراني الذي صدر الأسبوع الماضي بعد مجموعة من الاجتماعات الماراتونية بين وَفدي البلدين، والذي أُعلن فيه عن الاتفاق على عودة العلاقات الديبلوماسية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية خلال شهرين، وهذا ما قد يؤدي، في حال صدق نيَّات الطرفين، والسير قُدمًا بتطبيق ما اتفقا عليه، إلى تفكيك العديد من صواعق التفجير قي المنطقة، إذا سلكت مبادرات التطبيع طريقها المُتوخّاة والمرجوة.

وكعادتنا في ملتقى حوار وعطاء بلا حدود، ومواكبة منّا لكل الملفات الساخنة التي قد يكون لها أدنى تأثير سياسي أو اقتصادي على لبنان، نفتح هذا الأسبوع النافذة على هذا الحدث المهم جِدًا، والذي لا تزال ردود الفعل الإيجابية والمُرحّبة به تتواصل منذ إعلانه، وما يدفعنا على ذلك هو أن هناك مجموعة من الأسئلة التي ترافق فتح أبواب الانفراج بين طِهران والرياض، والتي سنطرحها على العديد من المُحلّلين السياسيين، والخبراء والإعلاميين المتابعين للشؤون الدولية، ولتطوّر ملفات منطقتنا سياسيًا وديبلوماسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، والذين طرحنا عليهم الأسئلة الآتية، في محاولة منّا لمتابعة هذا الملف، وللسعي لاستشراف التطورات التي قد تنتج عنه:

١- ما أُفق التعاون الأمني والسياسي بين الطرفين؟
٢- ما انعكاس ذلك على ملفات اليمن ولبنان، وملفات المنطقة الأخرى (سورية، العراق، فلسطين….)؟
٣- هل يؤدي التقارب السعودي-الإيراني إلى تعزيز فرص وصول الوزير السابق سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية؟ وكيف؟ ولماذا؟ وهل سيفتح هذا الاتفاق الطريق للتوصّل إلى سلة متكاملة للحلّ في لبنان، من ضمنها الاتفاق على اسم رئيس للحكومة، وإصلاحات أخرى؟
٤- هل إسهام الصين في تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران، وكذلك في تقديمها مبادرة سلمية لوقف الحرب في أوكرانيا، يدفع باتجاه تحوّل الصين إلى قطب دولي تقوم إستراتيجيته على حل النزاعات الدولية؟
٥- هل ستسعى الولايات المتحدة الأميركية وحكومة نتنياهو المُتطرفة في دولة الكِيان الصهيوني الغاصب لعرقلة ومنع تحقيق الأهداف المرجوة من هذا التقارب؟
في هذا الجزء الأول من هذا الملف، ننشر المداخلة القيّمة للكاتب والمُحلّل السياسي الأستاذ توفيق شومان الذي وافانا بالمداخلة التفصيلية الآتية.

شومان:
جوابًا عن الأسئلة المطروحة أعلاه رأى الأستاذ توفيق شومان أننا أمام مبادرة صينية مكتملة المعالم لتطويق قوس الأزمات العاصفة في المنطقة، وتاليًا باتجاه تطبيع العلاقات الإيرانية السعودية. والمبادرة جاءت بعد أدوار لا يمكن التغافل عنها، قامت بها سلطنة عُمان والعراق (الذي استضاف ٤ جولات حوارية)، ولكن بكين أخذت على عاتقها ما يمكن تسميته ب “إستراتيجية تطويق الأزمات في العالم ودول الإقليم”، سواء في الشرق الأوسط أو دول الخليج. ولذلك فإن المبادرة الصينية هي باتجاه إيجاد حلّ سياسي، وتحقيق مكاسب دبلوماسية واقتصادية كبيرة لا يُمكن إغفالها أبدًا.

وحول آفاق العلاقات السعودية الإيرانية، أضاف شومان قائلًا: إنه من المعلوم أن هناك ملفّات عالقة بينهما منذ أكثر من عَقد. وشهدت العلاقات بينهما في كل المرحلة السابقة نوعًا من الحروب المُباشرة وغير المباشرة. ومن الواضح أن القادم، ولا سيَّما بعد بيان وكالة الأنباء السعودية، أن الاتفاق يحمل رسالة واضحة، مفادها أن المبادرة الصينية ستأخذ على عاتقها مجموعة من الروابط والعناوين الاقتصادية والسياسية والأمنية بين الطرفين، ما يعني أن الأفق مفتوح أمام تعاون ثنائي يطال معظم الملفات العالقة، وربما باتجاه تطويرها وتمتينها، في حال صدقت النيَّات مع عدم نجاح المُتضررين من هذا التقارب من منع تطبيق الاتفاقات التي أبرمت، وفي حال سلكت الأمور بسلاسة لنهاياتها السعيدة. وأكمل شومان: إنه من المُبكر الحديث بدقّة عن مستقبل هذه العلاقات الشائكة، وإن الأبواب لم تفتح بالكامل بعد، ونحن أمام سياسة نصف الباب المفتوح بحسب تقييمه ورؤيته لتطوّر هذا الملف. ومن الواضح أن الصين هي الضامن لفتح كامل الأبواب. ونحن أمام اختبار ثقة، قد ظهرت عوامل بدايته منذ هدنة منتصف العام الماضي في اليمن؛ فمن النَّاحية الأمنيَّة لم نشهد حروبًا بين الطرفين المتنازعين هناك، على الرغم من بعض الخروقات الخفيفة من هنا وهناك طَوال مدَّة الاختبار تلك. وهناك أمر آخر نختبره في الشهرين القادمين، حيث يجب أن تعمل كل من السعودية وإيران على مبادرة تطبيعية لحلّ المشاكل المتراكمة بينهما منذ زمن طويل، وعلى تبريد الخلافات المستحكمة في مختلف الساحات، وتحقيق توافقات في عدة ملفات أمنية واقتصادية وسياسية، والتي يفترض أن تتوج أخيرًا بإعادة التبادل الدبلوماسي بينهما. وبكل الأحوال يظهر لكل الأطراف الدولية والإقليمية وللضامن الصيني، أنه بعد كل هذا الانسداد السياسي الذي كان قائمًا، والذي لم يخدم أيًّا من الطرفين، بحيث أصبح هناك قناعة مُضمرة لملامح أو معالم حلّ. وفي هذا التوقيت المُلائم جدًا، التقط الطرف الصيني مقومات التسوية وعناصرها التي كانت قد اقتربت من النضوج، أو عمل عليها بجِدّية وتكتّم كامل، وأدخل عليها ما كان قد توصّل إليه العمانيون والعراقيون سابقًا، وقام بقطف ثمار هذا النجاح الباهر.
وأكمل شومان بأن المرحلة القادمة قد تُؤدّي إلى انفراجات على مختلف الأصعدة في المنطقة، مُشدّدًا على أن عدم انخراط الصين وإيران والسعودية بشكل كبير، وحيادهم تجاه الحرب الروسية-الأوكرانية، سهَّل للصين إطلاق مبادرتها.

أما عن انعكاس تطبيع العلاقات الإيرانية السعودية على ملفات الإقليم، فإنه بما يخصّ اليمن فقد حصل أصلًا، كما ذكرت في المرحلة السابقة، اختبار أمني بانتقال الوضع هناك من مرحلة المعارك الكبرى إلى مرحلة خروقات وحوادث مُتفرّقة، يمكن أن تستوعب، كما شهدنا في نصف السَّنة الماضية، ما عزّز الثقة بعملية التطبيع المرتقبة. وأضاف: إن أي حلّ سياسي في اليمن يجب أن يعمل عليه الطرفان، وهو موجود ولو مُضمرًا وَفق بعض المُعطيات التي قد تظهر تباعًا لاحقًا؛ فالأمن السعودي ضرورة، وهو مطلوب من “أنصار الله” تأمينه عبر وجودهم، كونهم خاصرة للسعودي، والمطلوب من السعودية هو الاعتراف بالواقع السياسي في شَمال اليمن. وهذه هي القاعدة الأساسية لتطبيع العلاقات في اليمن، وكل ما هو دون تحقيق هذين العاملين لن يُؤدّي إلى استكمال الحلول هناك.

وأنهى شومان حديثه: إنه فيما يخصّ لبنان والملف الرئاسي فيه، فإن هذا التقارب يُعزّز فرص وصول الوزير السابق سليمان فرنجية لسدّة رئاسة الجمهورية. وبقية الأشواط التي يجب أن يقطعها الأطراف للوصول إلى هذا المركز ترتبط بسلّة مُتكاملة تتعلق بسياسته الداخلية والخارجية. ووصول فرنجية إلى الرئاسة عليه أن يأخذ بعدة عوامل تأخذ شكل حزمة كاملة على مستوى رئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة، وتركيبة الحكومة، وعلاقاته مع الأطراف الداخلية، وعلاقته مع الخارج. وهذه السلة المتكاملة يجب أن يُتَّفق عليها بين اللبنانيين ورعاتهم الخارجيين، مع مراعاة مطالب السعودية وإيران في كل تلك الأمور والملفات؛ ولذلك، فإن التطبيع السعودي الإيراني لا يكفي وحده من دون الاتفاق على سلة كاملة متكاملة.

وختم شومان في معرِض تعليقه على الدور السياسي والديبلوماسي الصيني المُتنامي عالميًا وبشكلٍ سريع، أنه كان هناك مبادرة صينية لتسوية سلمية لحرب أوكرانيا وللوساطة بين روسيا وأوكرانيا، لكنَّها فشلت حتى اليوم في تحقيق أهدافها، وربما يجري طرح أو تعديل بنود فيها لكي تستطيع الصين تمريرها في المستقبل القريب. ورأى أن كل ذلك يُعدُّ مُؤشرًا حول المنحى الصيني إلى الاتجاه نحو تطويق الأزمات، ولا يمكن فصل المبادرة الصينية للوصول إلى حلّ للحرب الأوكرانيَّة عن مبادرتها في تطبيع العلاقات السعودية الإيرانيَّة، ومدى نجاح كل ذلك رهن بالزمان والمكان.

وختم بالقول: إنه من الجدير ذكره، أن إسرائيل قلقة ومُضطربة من كل ما يحصل؛ لأنه يعدُّ فشلًا لكل السياسات الأمريكية التي كانت طَوال المدَّة السابقة تعمل على تغذية وخلق صراع دائم بين دول المنطقة وإيران، وكل ذلك يجعل أحلام إسرائيل في المنطقة تتهاوى حتمًا، ولكنه يطبع عنوانًا جديدًا للصين استحقّته بكل جدارة بوصفها قطبًا دوليًّا لحلّ النزاعات بالمناحي والطرق السلمية.

د. طلال حمُّود – رئيس ملتقى حوار وعطاء بلا حدود، ورئيس جمعيَّة ودائعنا حقُّنا.

شاهد أيضاً

ضاهر:” تمنى على الأحزاب المسيحيّة الأساسيّة وقف السجالات العدائية “

تمنّى النائب ميشال ضاهر على “الأحزاب المسيحيّة الأساسيّة”، وقف “السجالات العدائيّة في ما بينها، وإيلاء …