إعداد الكاتبة والروائية دلال موسى
هي قصيدةٌ ذاعت شهرتها في مجالس الغناء وأندية الأدب وتناقلها الناس جيلًا بعد جيل ،
وهي اللفتة السانحة التي نفحت الحُصْري القيرواني للخلود .
عارضها الكثير من الشعراء في عصور متتابعة وحاولوا تجاوزها فنًّا وشاعرية .
من هو الحُصْري القيرواني ؟
أبي إسحاق علي بن عبد الغني الفهري الحُصْري الضرير ، ولِدَ في حيّ الفهريين بمدينة القيروان في تونس عام ٤٢٠ هـ ، ويقال أنه لم يولد كفيفًا بل فقدَ بصرهُ وأمه في صِغره ، وفقدَ أباه في مطلع شبابه .
*سيرتهُ الذاتية*
قضى الحُصْري فترةً من صِباه وشبابه في القيروان ثم غادرها وهو على مشارف الثلاثين بعد أن أتنقن كتابة الشِعر وعِلم القراءات وحَفِظَ القرآن ودرس الدين والشريعة .
وقد غادر القيروان بسبب خلاف نشب بين الفاطميين والمُعِز بن باديس الأمر الذي شتت أهلها وشردهم وأجبر علمائها وأدبائها على مغادرتها فرحلت أسرة الحُصْري إلى سبتة وبقيَ فيها عشر سنوات . وبعدها توجّه للأندلس مع ابن شرف القيرواني ، ثم عاد للمغرب وبعدها استقر في طنجة وتوفي عام ٤٨٨ هـ .
وتعتبر قصيدة ” يا ليلُ الصب ” من أشهر أعماله .
كان خبيرًا بأسرار اللغة العربية حيث أنه ترك خلفهُ أربعة دواوين شعرية وكان بصيرًا بشئون الحياة .
قال عنهُ ابن بسام في كتابه ” الذخيرة ” : كان أبو الحسن الحُصْري بحرَ براعةٍ ورأس صناعة وزعيم جماعة .
*مناسبة القصيدة*
تعتبر قصيدة “يا ليل الصب متى غده” من أشهر قصائد الحصري، حيث أشاد فيها الأمير أبا عبد الرحمن محمد بن طاهر صاحب مرسية، وركز على المعنى التقليدي للغزل ، فالصب وما يسبب الأرق والشوق وما يفعله بالدموع ما يلفت الانتباه إلى هذه القصيدة عدد كبير من القصائد التي يعارضها شعراء العصر الحديث: أبو القاسم الشابي وأحمد شوقي وبشارة خوري .
إضافة إلى ذكر ما يفعله الشوق بالعاشق وما يذرفه من دموع لأجل ذلك ، فقد كتبها بأسلوب مرهف ولغة راقية .
ووصف حبيبته بأبيات زيّنها بالكثير من الصور البيانية والمحسنات البديعية وتحدث عن خياله وعن وجع المحبين طول الليل وعن سيف المقلة وجناية العين وحمرة الخد .
أبيات القصيدة
يَا لَيْلُ الصَّبُّ مَتَى غَدُهُ * أَقِيَامُ السَّاعَةِ مَوْعِدُهُ
رَقَـدَ السُّمَّـارُ فَأَرَّقَـهُ * أَسَفٌ للبَيْنِ يُرَدِّدُهُ
فَبَكاهُ النَّجْمُ ورَقَّ لـهُ * ممّا يَرْعَاهُ ويَرْصُدُهُ
كَلِفٌ بِغَزَالٍ ذي هَيَفٍ * خَوْفَ الوَاشِينَ يُشَرِّدُهُ
نَصَبَتْ عَيْنَايَ لَهُ شَرَكَاً * في النَّوْمِِ فَعَزَّ تَصَيُّدُهُ
وَكَفَى عَجَبَاً أنِّي قَنِصٌ * للسِّرْبِ سَبَانِي أَغْيَدُهُ
صَنَمٌ للفِتْنَةِ مُنْتَصِـبٌ * أَهْوَاهُ وَلا أَتَعَبَّـدُهُ
صَاحٍ والخَمْرُ جَنَى فَمِهِ * سَكْرَانُ اللَّحْظِ مُعَرْبِدُهُ
يَنْضُو مِنْ مُقْلَتِهِ سَيْفَاً * وَكَأَنَّ نُعَاسَاً يُغْمِـدُهُ
فَيُرِيقُ دَمَ العُشَّاقِ بِـهِ * والويلُ لِمَنْ يَتَقَلَّـدُهُ
كَلاّ، لا ذَنْبَ لِمَنْ قَتَلَتْ * عَيْنَاهُ وَلَمْ تَقْتُلْ يَـدُهُ
يَا مَنْ جَحَدَتْ عَيْنَاهُ دَمِي * وَعَلَى خَدَّيْهِ تَـوَرُّدُهُ
خَدَّاكَ قَدْ اعْتَرَفَا بِدَمِي * فَعَلامَ جُفُونُكَ تَجْحَدُهُ
إِنِّي لأُعِيذُكَ مِنْ قَتْلِي * وَأَظُنُّكَ لا تَتَعَمَّـدُهُ
بِاللهِ هَبِ المُشْتَاقَ كَرَىً * فَلَعَلَّ خَيَالَكَ يُسْعِـدُهُ
لَمْ يُبْقِ هَوَاكَ لَهُ رَمَقَاً * فَلْيَبْكِ عَلَيْهِ عُـوَّدُهُ
مَا ضَرَّكَ لَوْ دَاوَيْتَ ضَنَى * صَبٍّ يُدْنِيكَ وَتُبْعِـدُهُ
وَغَدَاً يَمْضِي أَوْ بَعْدَ غَدٍ * هَلْ مِنْ نَظَرٍ يَتَزَوَّدُهُ
يَا أَهْلَ الشَّوْقِ لَنَا شَرَقٌ * بِالدَّمْعِ يَفِيضُ مُوَرَّدُهُ
يَهْوَى المُشْتَاقُ لِقَاءَكُمُ * وَصُرُوفُ الدَّهْرِ تُبَعِّدُهُ
مَا أَحْلَى الوَصْلَ وَأَعْذَبَهُ * لَولا الأَيَّامُ تُنَكِّـدُهُ
بِالبَيْنِ وَبِالْهِجْرَانِ ، فَيَا * لِفُؤَادِي كَيْفَ تَجَلُّدُهُ
الحُبُّ أَعَفُّ ذَوِيهِ أَنَـا * غَيْرِي بِالْبَاطِلِ يُفْسِدُهُ .