نهفات عالمية… “حب من أول “كف”.

 

د.سلمان صبيحة

يحكى أنه في إحدى الجامعات الأوروبية التي كان يدرس فيها طلاب أجانب من شتى بقاع الأرض ، كان من بينهم طالبين” أسمرين” مميزين قادمين من بلاد بعيدة غارقة بالفقر والجهل والأمية، تحكمها العادات والتقاليد والأعراف ، كانت حياتهم هناك في بلدهم مختلفة تماماً عن الحياة الأوروبية التي يعيشون فيها الآن، وكانا هذان الصديقان لايفارقان بعضهما ابداً ،فهما يدرسان ويعيشان معاً بهدوء وانسجام.
بعد فصل دراسي طويل وشتاء أوروبي قارس ، قرر الصديقان قضاء العطلة الإنتصافية مع “الرحلة” التي تنظمها الجامعة للطلاب بأجور رمزية إلى إحدى المنتجعات الطلابية في الضواحي .
أثناء انتظار الطلاب للحافلة التي ستنقلهم للمنتجع كانت هناك فتاتين شقراوتين تنظران للطالبين الأجنبين بمودة وتحبب ولا سيما لونهما المميز” الأسمر” وفعلاً قامت إحداهن وسلمت على الشابين الوسيمين وتعرفت عليهما وبعد ذلك جاءت صديقتها وعندما جاء “الباص ” صعد الأربعة وجلسا جنباً إلى جنب ، الفتاة التي تعرفت عليهم في البداية جلست مع ” عبد الدايم ” ، والثانية جلست مع “مختار “، الذي بدا غير سعيد مع الفتاة التي فرضت نفسها عليه…تكلمه لايرد إلا فيما ندر وباقتضاب…حالة من الإشمئزاز يشعر بها “مختار”،لا يعرف سببها.
بعد عدة ساعات وصلت الحافلة أخيراً إلى المنتجع الطلابي ” مدينة جامعية في الريف ” وزعت الغرف على الطلاب لكل “شخصين “غرفة …وبعد أن “وضبوا “أمورهم ذهبوا جميعاً لتناول وجبة “الغداء” مع بعض ، بعد ذلك اتفق “عبد الدايم ” وصديقته الجديدة بأن يتجول ” الأربعة ” في القرية الجميلة القابعة على كتف نهر رقراق والأشجار العارية من أوراقها ترسم لوحة طبيعية جميلة .
“عبد الدايم” يسير هائماً بجانب صديقته و”مختار”كان مجبر للخروج تضامناً مع صديقه ، كان يسير لوحده في الطريق الريفي الجميل يفكر بأمر ما ، غير مكترث للفتاة التي تحاول الإقتراب منه واللحاق به عبثاً .. وفي هذا الجو الرومانسي الجميل فجأة بدأ المطر يهطل بشكلٍ خفيف ،”عبد الدايم ” يحضن صديقته بكل حب ولطف ويغطيها بمعطفه ليحميها من تساقط المطر..،و”مختار” مايزال
” متنح ” ،الصبية وراءه تحاول اللحاق به وهي تتكلم معه “بأنه يجب أن يقدر من معه ويحترم المرأة وأنوثتها “،وهو لايرد ، “تعيره” بأنه لايعرف التعامل مع الجنس اللطيف وبأنه لايعرف الأصول ولا الإتيكيت”…الخ ،و”
مختار” “مطنش “مما أثار غضب الفتاة التي اضطرت “لنهره” بيدها “كنوع من المداعبة التي لم يفهمها مختار ، بل بالعكس، فهمها بشكلٍ آخر واعتبرها إهانة كبيرة لرجولته ..” ، وهنا حدث مالم يكن في الحسبان ،فقد كان “مختار” يسير في المقدمة والفتاة وراءه وعندما “نهرته” استدار ناحيتها بقوةٍ، وهي تقترب منه بسرعةٍ ،وضربها “كف ” على وجهها المدور و”المعجعج”، حيث سُمِع صوت “الكف” بشكلٍ كبيرٍ”كطلقة مسدس ” وسرعان ماتركت الخمس أصابع أثراً واضحاً على وجهها ،وهنا بدأت الفتاة تبكي برعونة وتصيح بكل قوةٍ وتسب وتشتم “مختار” وتصفه بالمتخلف والوحش القادم من أدغال إفريقيا…الخ .
طبعاً “مختار ” كعادته لا يرد عليها ، وهو يتابع سيره باتجاه المنتجع وهي خلفه مستمرةٌ بشتمه وبصوتٍ عالٍ و”تعيره “بكل الصفات السيئة ،وكيف له أن يمد يده على فتاة رقيقة وجميلة مثلها حتى وصلا إلى المنتجع ودخل كل واحد منهما إلى غرفته وبينما هو كان يفكر ويحاسب نفسه بأنه كان يجب عليه أن لايضربها وأن تصرفه بالفعل كان غير حضاري وغير لائق وكانت علامات الندم والأسف باديةً عليه، وإذا بالباب يقرع ،ظن “مختار” ان الفتاة استدعت البوليس فهذا بلدها وهو غريب وأجنبي وضربها صفعة قوية وحتماً الناس والقانون معها ” ، لكنه تمالك أعصابه وجمع قواه وقال : تفضل ..،وسرعان ما انفتح الباب ودخلت الفتاة الغرفة لوحدها ومباشرة أغلقت الباب بالمفتاح، فظن “مختار ” أن نهايته اقتربت،فأخذ وضعية الإستعداد للقتال ولخوض المعركة ،ولكنه فوجئ بأن الفتاة ركعت أمامه وقالت له : (( “مختار”…أنا ٱسفة أنا من استفزتك… انت معبودي ومعشوقي… هل تقبل أن تحبني …انت أول شخص في حياتي يضربني، معك حق أن تضربني فأنا كنت غبية و قاسية معك ، فأنا لا أعرف عاداتكم وتقاليدكم… شكراً لك “كفك “هذا أيقظني من غروري..))، وهجمت عليه تبوس يده ، وباعتبار أن “مختار” قلبه طيب سامحها مباشرةً وعاش معها قصة حب عنيفة جاءت بعد “كف مخمس “، بقي أثره على وجهها عدة أيام…
“عبد الدايم ” لم يعد يرى “مختار ” إلا في المطعم لأن كل واحد منهم استقر مع صديقته في غرفة وهكذا مضت الاجازة ولم يشعر بها “مختار “من كثرة سعادته مع صديقته ، أما المسكين “عبد الدايم” فكان حزيناً لأن صديقته لم تستطع التفاهم معه “رغم أنه مؤدب ومهذب وشهم ورومنسي “، لكنها طردته من الغرفة من أول يوم ولم تدعه ينام فيها و”مختار” اخذ الغرفة مع صديقته ، لذلك “عبد الدايم ” لم يزعج صديقه وتركه في الغرفة يأخذ راحته مع صديقته ، وكان كل يوم ينام في مكان حتى انتهت الإجازة وعاد الجميع من “الرحلة” واستمرت العلاقة بين “مختار” وصديقته وانقطعت بين “عبد الدايم “وصديقته من دون أي سبب ، لدرجة أن “عبد الدايم ” قال لصديقه “مختار” : أعتقد لو أني فعلت مثلك و كنت ” حمش وجفص هاك وضربتا وماحبيتها واحترمتها كانت حبتني يمكن ” .
أضاف ” عبد الدايم ” : ((فعلاً شي غريب أنا أحببت صديقتي من أول نظرة لكن هي ماحبتني …وانت ماحبيت صديقتك من أول نظرة… بس هي حبيتك من أول كف..)).
د.سلمان صبيحة.
19/11/2022

شاهد أيضاً

نعم كان الرهان على صحوة الأمة .

✒️ فؤاد يحيى الموشكي* لقد تحرك المجاهدون في السابع من أكتوبر في عملية طوفان الأقصى وجرعوا …