العلاقة بين الرجل والمرأة ومقتضياتها

بقلم الأديب أحمد فقيه

إجابة على التساؤل: “لماذا غير مباح للرجل تقبيل وإحتضان زوجته أمام أولاده ومباح له ضربها وشتمها أمامهم وامام غيرهم؟!!”

إنه لتساؤل يستحق الوقوف عنده مليًا والتفكير فيما يفعل الإنسان عن وعي أو دون وعي.

وأود أن أوضح هنا أن العلاقة بين الرجل والمرأة هي علاقة خاصة كلية، لا يطلب من أحد إن كان من الأبناء أو غيرهم أن يطّلع أو يتدخل بتلك العلاقة، وهذه أمور ومسارات رسمها الخالق لخلقه، والإنسان جزء فاعل في هذا الكون، وبناء عليه فقد رسم له مسار عليه إجتيازه لتكتمل الصورة.

وسنوضح فيما يلي ملابسات حول “المباح” في هذا التعامل الهام جدًا.

إن العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة مقدسة، وهي ليست من إبتكار الإنسان. الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الرجل والمرأة، كما خلق غيرهما، وزودهما بعناصر التجارب والتقارب بينهما لينجبا أولادًا ويكونَّا اسرة ومن ثم مجتمعًا، وتستمر الحياة وفق ما أراده الله، ولإتمام ذلك وضع الله سبحانه وتعالى بعض الشروط والتوصيات لكي تسير تلك العملية بهدوء وإستقرار، ومن تلك الشروط أن يختار الطرفان بعضهما البعض. وألا يكون هناك إكراه لأي منها على اختيار شريكة في الحياة وبذلك تسود حياتهما السعاد والمحبة والرضا والتفاهم والتسامح. وإذا لم يكن الإختيار وفق الطرفين، أو وفق أحدهما دون الآخر لا بد أن يحصل ما يكدر عيشهما معًا.

هذا جانب من جوانب الحياة الزوجية وما يعكر صفوها. وقد يجر هذا الرجل (لإعتبارات وراثية رجعية سقيمة) إلى إستخدام العنف وقد يتخلل ذلك الشتم والضرب سواء في المنزل أو في الأماكن العامة.

هذا ما يجري للأسف في كثير من المواقع، إلاّ أن العقل السليم المدرك للحياة ووجوده فيها يقول ليس “مباح” لا للرجل ولا للمرأة أن يشتما أو يهينا بعضهما البعض لا أمام أولادهما ولا أمام أحد ولا حتى بينهما. فالتعامل العائلي يجب أن يكون ملؤه والتفاهم والتسامح والتشاور..

القِوامة

وهناك باب آخر يحصل أحيانًا فيكون سوء إستخدامه لبعض الأمور مبعثًا للتوتر والتصادم وإطلاق للعبارات الممجوجة، هذا الباب هو أنه بعد أن وصل الإنسان إلى مرتبة تكوين أسرة. كان لا بد من قائد لهذه الأسرة، وقد أختار الله سبحانه وتعالى الرجل لهذه القيادة. وذلك لما خصَّ به الرجل من قدرات ومزايا تمكنه من ذلك. وهذا ما جاء في القرآن الكريم: “الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعضٍ..” (النساء /34).

إلا أن هذا لا يعني ان يتخذ الرجل من هذه الخاصية وسيلة للتسلط والغطرسة والعنف. إذ أن حالة كهذه تفقد المعنى والجدوى اللذين من خلالهما تكونت الأسرة، فيبدأ الشقاق والتباعد والتنافر بين الزوجين، ثم ينعكس ذلك على الأبناء، وإذا تفشت هذه الحالة تصيب المجتمع بأكمله بالإضطراب والتحلل.

ومما يزيد هذه الحالة توترًا وأحتدامًا هو عدم قبول البعض من النساء لها- ومطالبتهن بالمساواة بين الرجل والمرأة. وهذا بحد ذاته مطلب يجب أن يؤخذ بعين الإعتبار والتعامل معه بتفهم مع الإبتعاد عن الأنانيات والحساسيات الممجوجة.

وتمشيًا مع هذا الموضوع جرت مطالبات وتفاعلات عديدة من النساء في العالم، وبعد تجارب عديدة ومعاناة شديدة، سُئِل نساء كثيرات في أوروبا وأمريكا لمن القيادة، “أجبن بأعلى أصواتهن: (لنعد إلى المنزل وليتسلم الرجل القيادة”. هذا ما رصده الباحثون من خلال تتبعهم لمجريات هكذا أمور ومنهم الباحث سميح عاطف الزين، في كتابه “الحكم لمن؟”، دار الكتاب اللبناني.

هذا مع العلم أن عبارة “فضّل بعضهم على بعض” لا تعني أن الرجل أفضل من المرأة، قكل منهما له دوره في الحياة، ودور المرأة أعظم بكثير، فيكفي أنها مُنشِئة الأجيال، ودورها في التربية والمنزل لا يعلو عليه في الحياة شيء. وقد خُصَّ بهذه المهمة لكونه مؤهل لها.

وبناء على كل ذلك نعود لنؤكد أن القيادة لا تغني الإستبداد والتحكم الذي تكون نهايته الدمار والتفكك. والقائد الناجح هو الذي يتعاون ويستشير ولا يحسم الأمور قبل أن يقف على رغبات الآخرين وأخذها بعين الإعتبار، وهو من يحيط من يقود بالعطف والمحبة واللهفة والحنين. وهذا ما يراه معظم من خبروا الحياة، وأدركوا أن لكل فرد أفكاره وتطلعاته وعلى الجميع أن يتقبلوا بعضهم البعض، وألا يعمل أحدهم للإضرار بالآخر، لكي تستمر الحياة للجميع بهدوء وراحة وسعادة.

كلمة أخيرة أود أن أوجهها إلى كل إنسان، رجل أو إمرأة، شاب وشابة، عروس وعريس، فليدرك الجميع أننا نحن البشر لسنا متساوون في كل شيء، فكل منا لديه طاقة خلقت معه وهي تختلف عما لدى غيره من بني جنسه، لذلك يجب على كل عروس وكل عريس أن يدرك أن شريكه في الحياة ليس مثيل له في كل شيء إذ قد يفاجأ بأنه يحب أشياء وشريكه يكرهها، وهكذا…..

لذلك يجب على العروسين أن يتعرفا على بعضهما البعض ويحددا ما هو مشترك بينهما فليدعماه، وما يختلفان فيه، فليغض الطرف كل منهما فيما بينهما من إختلافات. وهكذا تسير الأمور بصورة يسودها التفاهم والإستقرار.

وليكن النقاش والحوار بين الطرفين حول أي موضوع، يسير بهدوء ويسوده الإحترام والتقدير من قبل كل طرف نحو الطرف الآخر، بعيدًا عن التشنج والغضب، وهذا ما أوصى به الرسول (ص) إذ قال: “إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه غضاضة ولي حميم” هذه وصية للتعامل مع الناس عامة، فكيف إذا كان الأمر بين الزوج والزوجة اللذان يمثلان حجر الأساس في كيان المجتمع..

هدانا الله جميعًا إلى الطريق القويم..

شاهد أيضاً

أحجية الإنسان في ما يريد

بقلم الأديب أحمد فقيه حاجة الإنسان للعبور وجد الإنسان نفسه في هذه الدنيا وهو لا …