السواء والاختلاف وزمن الكورونا ” كتاب يلخص تجربة حية للأستاذة الجامعية الدكتورة بهاء يحيى (10)


السواء والاختلاف وزمن الكورونا”
كتاب للأستاذة الجامعية الدكتورة بهاء يحيى، التي سألت في مقدمة كتابها:

أو ليس ما أكتبه جدير بالقراءة؟؟؟”

بلى يا دكتورة بهاء، ما كتبته جدير وجدير جداً بالقراءة..

لماذا؟

لأنك أستمديتي حبرك من نبض القلب،  وكانت حروفك دعاء صلاة. ولأنك ببوحك أخترقتي الروح ورفرفتي في فضاءات إنسانيتنا بإتزان الصبر وحولتي مشكلتك إلى إنتصار لم يكن لك شرف نيله لولا مجيء أميرتك “زينب” لتجعل ما تعلمتيه وتخصصتي به وما تدرسينه لطلابك فعل مقدس زاد من قدرتك وقدراتك، فأنتصرتي في الميدان ونلت الوسام الأعلى، مما جعلك في رتبة رفيعة ورفيعة جداً على الأقل أمام نفسك، رغم كل العذابات والآلام التي صهرتك، فكشفت عن نفاسة جوهرك، وكنت كل البهاء، كنت بهاء الأم الأمثولة الجديرة بالإحترام..

لن أكتب عن كتابك “السواء والاختلاف وزمن الكورونا” لأنني بصراحة عاجزة أن ألملم مشاعري المبعثرة، وبالتالي أترك للقارئء أن يكتشف عطمة قدرات الإنسان عندما يكون إنساناً بالمعنى الرسالة الذي جاء إلى الجياة من أجل تحقيقها، فإما الفشل وإما النجاح الذي أنعم الله به عليك، فكانت تجربتك وكان كتابك الذي كلما قرأته أجد فيه مساحة جديدة من البلاغة والعفوية والمعرفة والثقافة والإنسانية المكللة بالعلم والصبر. التي سيلمسها القارئ جلية في تحفتك “السواء والاختلاف وزمن الكورونا“…

فاطمة فقيه

الحلقة العاشرة:

 

 

تأملات على هامش الزمن

 

يا آلهي ما هذا الواقع الذي نعيشه، وكيف تغيرت الأحوال هكذا، وانقلبت الأمور رأسا على عقب؛ ابتعدنا كثيرا عن كل ما هو سوي وطبيعي ومألوف، جائحة كورونا جعلت حياتنا مختلفة وعلى كافة الأصعدة، فما أبعد اليوم عن الأمس… بالأمس كانت حياتنا عادية وطبيعية وسويّة، كنا نتلاقى ونتواعد، نأخذ بعضنا بالأحضان، أيادينا تتلاقى للسلام، نتواجد في مراكز أعمالنا، نلتقي زملاءنا وطلاّبنا، نقوم بواجباتنا الاجتماعية، نرتشف فنجان القهوة صباحا في المقهى الذي تتكسّر أمواج البحر على أطرافه، وحين تباعدنا الظروف والأوقات والانشغالات، كان المطعم ليلا يجمعنا مع الرفاق والأحبّة، فأين نحن من كل هذا اليوم؟ نحن أسرى ألحجر المنزلي ألشديد تارة، ومع بعض الانفراجات والتسهيلات تارة اخرى؛ لا خروج، لا مواعيد، لا زيارات، لا سلام، لا قبل وأخذ بالأحضان، مكاتبنا في المنازل صارت هي المدارس ومراكز العمل، ضاقت بنا ذرعا غرف المنزل نزرعها جيئة وذهابا، كثرت المشاجرات ليس كرها ولكن زهقا ومللا، ما عادت أسرتنا ممتدة تستقبل الجدّ والجدّة والخال والعمّ والخالة والعمّة والأولاد، عدنا أسرة نواتية بامتياز والى حدودها الدنيا: الأم، الأب واطفالهما ولا أحد آخر… كورونا باعدت بيننا، وكلّ مسافر بقي حيث هو، ابنتي تتساءل اين الأقارب والأحباب؟؟؟ «وينن، وينن، وين اصواتن، وين وجوهن…صار في كورونا بيني وبينن… وينن؟» نتواصل عبر الأثير والمنصّات ومواقع التواصل الاجتماعي، هذا كلّه تواصل افتراضي لا يرضي ابنتي ويشفي غليلها، هي تحتاج للضّم، للقبلات، للاحتكاك الجسدي، للنظرة المباشرة في عين الآخر الذي صار بعيداً بعيداً بعيداً…

ترى هل سنستعيد يومياتنا العادية بعد انتهاء هذه الجائحة؟؟ أم أننا سنعاني من اضطراب ما بعد الجائحة لنضيفه إلى اللائحة التشخيصية العالمية للأمراض النفسية، لائحة من الأعراض الجسدية والنفسية والاجتماعية ستصيبنا فرادى وجماعات وتترك آثارها على المدى القصير وربما البعيد…

هذا الوباء الذي ضرب الكرة الأرضية جمعاء سيغيّر من سياسات الدول، ونظمها الاقتصادية والاجتماعية والصحية والأمنية والتربوية والابداعية، كل شيء سيتغير من أبسط الأمور إلى أعقدها وصولا إلى أعماق النفس البشرية: ألرغبات، ألحاجات، ألعادات، الأمنيات، ألتوقعات.. ترى هل سيلازمنا الخوف من الآخرين، من المرض، من الموت، من الاندثار؟ كم نحن بحاجة اليوم لبصيص أمل ينقذنا من براثن الرعب وانتظار المجهول… يومياتنا في الحجر الصحي المنزلي روتينية: واجبات العمل، واجبات المنزل، بعض المشاحنات والكثير من النوم لمن يجد اليه سبيلا، نلقى فيه فسحة من الآمال، فسحة من الأحلام!!!

زينب ابنتي التي لا تتعب من اشهار اشتياقها للمدرسة ورفاقها، ابتدأت بالتواصل أونلاين لساعات محدودة في الأسبوع، ممّا سنح لها الفرصة لرؤية رفاقها ومعلمتها وعيش افتراضياً الواقع المدرسي، ولو بالحدّالأدنى بانتظار العودة المأمولة بعد حين… صعب فعلا على هؤلاء الأطفال المختلفين ان يتعايشوا مع الأوضاع اللاسوية، ان يتنازلوا عن عاداتهم وعن روتين يومياتهم، صعب عليهم ان ينصاعوا لأوامر وترتيبات جديدة، ان يتأقلموا مع واقع لا يمتّ بصلة بحياتهم السابقة، فهم ينشدون الفضاءات الواسعة وليس الحجر المنزلي، يفرحون بلقاءات الأحبّة والأقارب وليس بالتباعد الاجتماعي، يؤنسهم الآخر والاخرون وليس الوحدة والانعزال والانغلاق…

زينب ابنتي تحاول فهم واقع الحجر الجديد والرضوخ له بعد شروحاتنا لها عن الوباء وخطورته، وعن ضرورة ملازمة المنزل وعدم الخروج منه، الا انّها وفي لحظات معينة، ينفلت الانضباط من عقاله ويصعب عليها متابعة الالتزام بما هو مفروض، وكما هو شأن الجميع، مما يضطرّنا للمداراة حينا والتحايل حينا آخر، والأخذ بيدها لمساعدتها على تحمّل القيود التي فرضها هذا الوباء، الذي أربك عقولنا، وأوقف قلوبنا جزعا، نحن الأسوياء، وأقعدنا في الزوايا نتحسّر على أوقات مضت ونرقب بوجل ألغد الآتي…

الأمس، أليوم، ألغد هذا الثالوث الذي يرسم مسارنا ومصيرنا؛ فكم صرنا نخاف غدنا المحفوف بالخطر والقلق والمجهول، وكم علينا ان نتحسّر على ماض ولّى بذكرياته ومحطّاته وأشخاصه وصحته، واليوم على مفترق هذا الزمن الصعب، نرقب بعين الحذر ألمستجدات اليومية ونتابع آخر المعطيات الصحية هنا وهناك، نفرح لخبر يدعو إلى التفاؤل ونجزع من أخبار الاصابات ونخاف من ان يكون أحدنا أو ممّن نحبّهم الهدف التالي، مختبرات الأدوية تصنّع اللقاحات بتسميات وتركيبات مختلفة وبمعدّلات وقاية من الوباء تتراوح ما بين المتوسطة والمرتفعة، فالحصول على اللقاح بات هو الهدف ونأمل ألّا يكون صعب المنال، في بلد تتناتشه المحسوبيات والاكراميات ودرجات التزلّف لهذا أو لذاك، ما لم تمسك الأمور بزمامها وتوزّع اللقاحات وفق الضرورات، لتتدرّج وتطال الجميع كما يجب حتى يكتسب المجتمع مناعة تكون البداية لانحسار الوباء والخلاص من هذا الكابوس الذي أطبق على أنفاسنا، وقضى على أحبابنا وجعلنا أسرى، بانتظار اصدار حكم البراءة بعدم الاصابة ونقل العدوى…

ها نحن اليوم بانتظار اللقاح بفارغ الصبر ومن ايّ مصدر كان، هذا اللقاح الذي كنّا نتساءل في الأيام السابقة عن مدى فعاليته وان كنّا سنتلقاه ام لا، صرنا نتهافت على تسجيل اسمائنا للحصول عليه، خوفا وذعرا من الاصابة والعدوى والمرض والاستشفاء وربما الموت!!! هذا اللقاح وعلى الرغم من العديد من علامات الاستفهام حوله وحول مضاعفاته المحتملة على صحة الانسان، قد يكون هو المنقذ الوحيد للخروج من هذا النفق الأسود الذي دخل العالم فيه منذ اكثر من سنة، وينتظر على أحرّ من الجمر بقعة ضوء…

في خضمّ كل هذا القلق من الغد، ومن الآتي، يتنبّه بعض الباحثين في الميدان الطبي للاهتمام بفئة اطفالنا-الداون ولمعرفة ان كان باستطاعتهم أخذ اللقاحات كما غيرهم، ليتبين انه يجب اجراء المزيد من الدراسات الجينية نظرا لخصوصية أوضاعهم الصحية..

مرّة أخرى يفرض الاختلاف نفسه في موضوع شائك يحتمل وجهتي الحياة والموت، ومرّة أخرى يتضاعف قلقي وخوفي من أيّة انتكاسة صحية قد تتعرض لها ابنتي، فتزداد اجراءات الحيطة والحذر، وأجدني مضطرّة لتكبيلها بمظاهر الرعاية والاهتمام خوفا من الوقوع في المحظور، كلّ هذا يزيد من حدّة الضغط والتوتر ويجعل ابنتي ليست أسيرة البيت وغرفه وجدرانه فقط، ولكن أسيرة قلقي وخوفي عليها من ايّ أمر يعرّض حياتها للخطر…

تطالعنا الأخبار يوميا وشبكات التواصل الاجتماعي بأعداد الاصابات والوفيات، مما يجعل شبح الموت يخيّم علينا ويذكّرنا بالأحبة الذين فقدناهم؛ فأسترجع ذكرى وفاة أختي منذ سنوات التي خسرت معركتها في مقارعة المرض الخبيث، قاومت حتى النهاية، رحلت والابتسامة لا تفارقها، تعلّقت بالحياة حتى النفس الأخير، كم كنت أتساءل وهي في خضمّ صراعها مع المرض، ماذا بمقدوري ان أقدّم لها وما هي التضحية التي أستطيع ان أسديها في سبيل انقاذها من براثن هذا المرض اللعين؟، لا أخفي عليكم انني فكّرت بالتضحية بابنتي «المختلفة» وانني كنت على استعداد (فكريا على الأقل؟!؟) للتخلي عن ابنتي، ان كان هذا الأمر يساعد اختي للبقاء على قيد الحياة… هذه الحياة التي فعلا كانت تليق بها!!! هي التي كانت متألقة على كافة الأصعدة : العلم، العمل، الأسرة، العطاء، الأناقة، الفن والجمال!!! كانت فعلا تستحق ان نضحّي لأجلها بأيّ شيئ، بأيّ كان؟!؟ بابنتي؟؟؟ نعم!!!، انها لفكرة غرائبية، ولكنها قد راودتني واستحوذت على كلّ أحاسيسي ومشاعري حينها…أأقبل بالتضحية بابنتي «المختلفة» لتحيا اختي «السوية»؟؟؟ ليس لانني لا احب ابنتي، قطعا لا… ولكن لأن منطق السواء –الاختلاف يعشعش في لا وعينا الجماعي والفردي، على أساس ان الغلبة دوما للسواء الخلقي على نقيضه المختلف… وهذا على ما اعتقد هو الأساس في انبعاث هذه الفكرة لديّ والتي طبعا لم تتحقق، لأن السرطان لا يفتك الا بصاحبه!!! وهكذا رحلت اختي امام عجز جميع من أحبّها، من تقديم يد العون وطوق النجاة لها!!!

 

شاهد أيضاً

هل تنجح تركيا بإنقاذ نتنياهو حيث فشل الاخرون؟

ميخائيل عوض هزمت غزة في صناديق الانتخابات البلدية التركية حزب العدالة والتنمية هزيمة مذلة. ادت …