“مخالفة فاقعة”… الانتخابات الفرعية لن تحصل؟!

م تنتهِ “مؤامرة” استقالة النواب، كما وصفها رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأيّده في ذلك أكثر من مسؤول، فصولاً بعد. صحيحٌ أنّ “سيناريو” الاستقالة الجماعيّة بات مُستبعَداً، بعدما توقّف “العدّاد” عند ثمانية نواب، يفكّر بعضهم بالترشّح من جديد، إلا أنّه أطلق العنان لـ “سجالٍ” جديد عنوانه الانتخابات الفرعيّة.

يشدّد الخبراء القانونيّون والانتخابيّون على أنّ استحقاق الانتخابات الفرعيّة لا ينبغي أن يكون “وجهة نظر”، مستندين إلى أنّ الدستور واضحٌ في ذلك، وهو لا يحتمل اللبس مُطلقاً. أما النصّ الواضح فيقول صراحةً بأنّ الانتخابات الفرعيّة يجب أن تتمّ خلال مهلة شهرين من شغور أيّ مقعدٍ، لأيّ سببٍ كان، وأنّ “الاستثناء” الوحيد يحصل عندما يجري الشغور في الأشهر الستّة الأخيرة من ولاية مجلس النواب.


ولأنّ هذا “الاستثناء” لا يسري على الواقع البرلمانيّ اليوم، تصبح الانتخابات الفرعيّة من “أوجب الواجبات” على السلطة، وفقاً للقانونيّين، أياً كان رأيها بها، ومهما كانت “الصعوبات” التي تواجهها، لوجستيّةً كانت أم صحية أم سياسيّة أم اقتصاديّة، ولو أنّ “اجتهادات” كثيرة تلوح في أفق “صلاحية” حكومة تصريف الأعمال على إجراء انتخابات، وهي التي تقف صلاحياتها عند حدودٍ “ضيّقة”. 

التأجيل “محسوم”!
صحيحٌ أنّ وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي أصدر قراراً بإجراء الانتخابات الفرعيّة، طبقاً للقانون، إلا أنّ المراقبين يصفون هذه الخطوة بـ “الشكليّة”، خصوصاً أنّ كلّ المعطيات المتداولة تؤكد أنّ قرار “تأجيل” هذه الانتخابات، وربما “إلغائها”، شبه محسوم.

ولعلّ “الصعوبات” التي “تعمّد” فهمي تضمينها ضمن المرسوم المذكور تكفي للإشارة إلى هذه “النيّة”، علماً أنّ هذه الصعوبات تتنوّع بين الصحّي الناشئ عن تفشّي فيروس كورونا، الذي لم يمنع الكثير من الاستحقاقات الأخرى، كإجراء الامتحانات الجامعيّة مثلاً، والأمنيّ الناشئ عن انشغال القوى الأمنية باستحقاقاتٍ أخرى، خصوصاً بعد انفجار بيروت، وصولاً إلى الاقتصاديّ والماليّ الناشئ عن “الموازنة” التي تحتاجها الانتخابات، والتي لا تبدو متوافرة.

ويشير العارفون إلى أنّ البحث القائم اليوم بين القوى السياسية ليس حول “مبدأ” التأجيل بقدر ما هو حول “المَخرَج” الذي سيتمّ اعتماده لتبرير مثل هذه “المخالفة الفاقعة” للقانون، وسط “أرجحيّة” الرأي القائل بـ “استغلال” حالة الطوارئ المُعلَنة، للحديث عن “ظروف قاهرة” تمنع إجراء الانتخابات، خصوصاً أنّ هذه العبارة اعتُمِدت سابقاً للتمديد لمجلس النواب، على رغم أنّ الظروف يومها كانت “مثاليّة” مقارنةً بتلك القائمة اليوم.

“مضيعة وقت”!
وبمُعزَل عن “الإخراج” الذي سيتمّ اعتماده، والذي لن يشكّل “سابقة”، علماً أنّ انتخاباتٍ فرعيّة تمّ تجاهلها في السابق من دون تبريرٍ ولا من يحزنون، فإنّ كثيرين يعتبرون هذه الانتخابات الفرعيّة، “مضيعة للوقت”، بل أكثر من ذلك، “هدراً للمال العام” في غير موضعه، بل إنّ البعض بدأ الترويج لفكرة “التزكية” التي قد تكون “أهون الشرَّيْن”.

وتنطلق فكرة “مضيعة الوقت” من أنّ هذه الانتخابات، التي ستكبّد الخزينة أموالاً طائلة، “مُعلَّبة” ومعروفة النتائج سلفاً، بالنظر إلى أنّها ستتمّ وفقاً للنظام الأكثريّ لا النسبيّ، باعتبار أنّ النواب المستقيلين موزّعون على دوائر انتخابية مختلفة، ولم يستقل أكثر من نائبيْن من دائرةٍ واحدة، وبالتالي فإنّ أيّ “مفاجآت” لن تكون مُنتظَرة من هذه الانتخابات، فضلاً عن أنّ نتائجها، أياً كانت، لن تغيّر شيئاً في تركيبة البرلمان التي ستبقى على ما هي عليه، بشكلٍ أو بآخر.

ولعلّ “المفارقة” الأكثر “استثارةً” للمتابعين، وسط كلّ ذلك، إعلان بعض النواب المستقيلين أنّهم “يفكّرون” بالترشّح من جديد، ما يعزّز فرضية “مضيعة الوقت” بنظر المروّجين لها، ممّن يسألون عن “سبب” الاستقالة من الأساس، والإصرار على عدم العودة عنها، إذا كان المستقيلون يرغبون بالعودة إلى البرلمان، خصوصاً أنّ التبرير الذي أعطي للاستقالات كان أنّ “المعارضة لم تعد مجدية”، أمرٌ لا يفترض أن يكون قد تغيّر في الجوهر.

في المبدأ، لا يمكن أن تكون “استقالة” النواب “مؤامرة”، باعتبار أنّها حقّ مشروع لأيّ نائب لا يمكن لأحد إنكاره، ولا تحميله ما لا يحتمل. وبالتوازي، لا يجوز أن تصبح “الانتخابات الفرعية” وجهة نظر، مهما كان الرأي في شأن جدواها وكلفتها وغير ذلك. لكن، بين هذا وذاك، يبقى الأكيد أنّ البلاد بحاجة إلى “تغييرٍ جذري” في المقاربة، لن تقوى انتخاباتٌ فرعيّة محدودة على إحداثه، أو حتّى التأسيس له. 

شاهد أيضاً

حزب الله يُشيّع الشهيد على طريق القدس علي أحمد حمادة في بلدة الدوير الجنوبية

مصطفى الحمود بموكبٍ حاشدٍ ومَهيب شيَّع حزب الله وأهالي بلدة الدوير وجمهور المقاومة الشهيد المجاهد …